محاصرة فضاءات الاحتجاج

محاصرة فضاءات الاحتجاج

جاسم الحلفي

يصعب على طغمة الحكم إخفاء نيتها تضييق مساحة الاحتجاجات، لكن مقاصدها المعادية للاحتجاجات اتضحت بحيث صار يتعذر عليها تمرير أيّ تبرير مهما برعت في ترتيب إخراجه. ويمكن لأي عابر سبيل ان يلاحظ الانتشار المكثف للقوات الأمنية، واستعدادها بالسلاح على مدار 24 ساعة، مطوقة منذ انتهاء انتفاضة تشرين الساحات الأساسية التي احتضنت الاحتجاجات، وفي مقدمتها ساحة التحرير.
ومؤكد ان حركة الاحتجاج لا تروق لطغمة الحكم وتتعارض مع مصالحها، وان تصريحات المتنفذين عن احترامهم للاحتجاجات لا تتمتع بأية صدقية، فما يقالونه ليس غير كلام للاستهلاك الإعلامي. ومن الواضح ان ناشطي حركة الاحتجاج متيقنون من موقف طغمة الحكم المعادي لهم، بعد ان خبروا الأساليب المشينة التي جوبه بها حراكهم، والأساليب المتنوعة التي استخدمت لقمع احتجاجاتهم، والتي يمكن ايجازها بالترهيب والترغيب. حيث لم يقتصر ذلك على الأساليب القمعية المباشرة، كأطلاق الرصاص الحي والغازات السامة وممارسة الملاحقات والاعتقالات والخطف، بل شمل الاندساس والاختراق والدفع الى العنف وتشتيت الشعارات وتقزيم المطالب وإشاعة اليأس وبث مشاعر الإحباط واللاجدوى، كذلك الدعوات الى عدم التنظيم، والتشويش على أي جهد في صفوف المنتفضين يهدف الى بلورة قيادة جماعية، وزرع الريبة والشك بين رموز الانتفاضة، واطلاق حملات التسقيط والاتهامات بالعمالة والارتباط بالخارج. اضافة الى التنفيذ المحكم لخطط رسمت بدقة لإضعاف حركة الاحتجاج وتفكيكها، وبضمنها الاساليب المستهجنة في شراء الضمائر والاغراء بالمناصب، والعمل الخبيث على تشكيل تنسيقيات تابعة، وصولا الى تشكيل أحزاب باسم تشرين لكنها في الحقيقة واجهات لهم.
ويبدو ان كل ذلك لم يكف طغمة الحكم في مواجهتها للاحتجاجات، التي تحرمها النوم وتشكل هاجسا مرعبا وكابوسا ثقيلا يقض مضاجعها. فها هي تلجأ الى محاصرة فضاءات الاحتجاج، بدءا من غلق الساحات الأساسية بحجج لا يمكن ولا يصح الاعتراض عليها، مثل تعمير نصب الحرية في ساحة التحرير وسط بغداد. التعمير الذي سمعنا عنه كثيرا من امناء بغداد المتعاقبين على إدارتها، ومن اغلب رؤساء الوزراء وآخرهم رئيس الوزراء الحالي، الذي دعا الى ذلك في بداية نيسان الماضي. ونحن ندرك أهمية الجدية في هذا العمل، ووفقا لجدول زمني معلوم لإنجاز الترميم، لا ان تبقى المدة مفتوحة دون سقف زمني. الا انه لم يعلن عن مدة التأهيل وموعد البدء به والانتهاء منه، ما يثير الشكوك في النوايا.
وحتى إذا تفهمنا دواعي غلق ساحة التحرير وان الهدف منه هو تأهيل النصب، فماذا عن الساحات الرئيسة الأخرى؟
من الواضح ان طغمة الحكم لا تريد ان تفهم ان كل الأساليب التي اتبعتها لمحاربة حركة الاحتجاج، وانها مهما تمكنت من اضعاف الحركة، وفي حدود معينة بالطبع، فانها لم ولن تنهيها. فهي حركة معارضة شعبية باقية بقاء الفساد والجور والظلم والعوز والحرمان وفقدان العدالة، وهي حركة متأهبة لحماية مصالح الشعب والدفاع عن حقوقه ومطالبه.
ويبقى الفضاء الاحتجاجي أوسع من أي ساحة او شارع. وتبقى شوارع بغداد وساحاتها الرئيسة مبرمجة لاستقبال المحتجين واحتضان جموعهم. وعندما تحين ساعة الغضب ويبلغ السخط ذروته، لن يحد الاحتجاج شارع ولن تحصره ساحة، ولن تعيق انطلاقته وسائل الضغط والقسر كلها، ولن تخيفه أساليب القهر بقديمها وجديدها.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
جريدة “طريق الشعب” ص2
الخميس 2/ 6/ 2022

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here