ثقافة الجيل الثالث

ثقافة الجيل الثالث:
بقلم ( كامل سلمان )
الكلام عن ثقافة الجيل الاول والجيل الثاني ثم الجيل الثالث يعطينا صورة واضحة لموقع وتأثير المثقف في عصرنا الحالي .
ثقافة الجيل الاول ، معظم الذين عاصروا جيل الخمسينات وقبلها الاربعينيات وحتى الستينيات من القرن الماضي قد يتذكرون في تلك الاوقات وما سبقها كان الشخص الذي يجيد القراءة والكتابة فقط ، هو إنسان متعلم له مكانة محترمة في المجالس ، فهو بحق مثقف ذلك الجيل ، وكان هذا المثقف يمثل نسبة لا تتجاوز الا القليل جدا من افراد المجتمع ، وكان هذا المثقف يحفظ بعض آيات الكتاب وبعض الحديث وابيات من الشعر ، يستمعون اليه الناس بشغف ، ويستمعون لحلاوة كلامه وقوة منطقه وقدرته على محاكاة عقول الناس رغم قلة معلوماته ومصادره ، بمعنى آخر كان المجتمع بغالبيته المطلقة مجتمع أمي جاهل متخلف وعندما تذهب الى كتب التأريخ تجد من يمجد بقادتنا العظام ، هؤلاء القادة الذين لم يلتفت منهم احدا للتعليم ، ولم نجد في تأريخ اي منهم توجه لنشر التعليم ومحاربة الأمية ، فهذه النسبة المطلقة للأمية لم تكن وليدة الصدفة بل هي تراث الف واربعة مائة عام من سلطة الخلفاء والسلاطين الذين نعظمهم اليوم و نمجدهم ونقيم لهم النصب والتماثيل ، ونسمي شوارعنا و مدننا بأسمائهم و نتيمن بهم ، اما المثقف في تلك العهود لم يكن نتاج الحاكم بل جهد شخصي معرفي .
ثقافة الجيل الثاني ، بعد انتشار المدارس والتعليم بفضل قيام حكومات مدنية علمانية في ادارة شؤون البلاد ووصول المعلومة الى البيوت وانتشار الثقافات العلمانية العلمية المتنوعة وصحفها اليومية ظهرت عندنا ثقافة الجيل الثاني التي كانت وبحق الثمرة الافضل في تأريخنا القديم والمعاصر ، فقد خرج المثقف من دائرة الثقافة الشخصية الى دائرة الثقافة الاجتماعية فأصبح الفرد يتطلع الى حياة اكثر نموذجية واهداف بعيدة راقية عالية المكاسب ، فأصبحت الثقافة انعطافة مهمة في حياة المجتمع ادت الى ظهور العشرات بل المئات من الكتاب والشعراء والادباء من الطراز الرفيع وادت كذلك الى تلاقح الثقافات المختلفة ، وكانت النتيجة النهائية ان الثقافة خلقت الوعي وخلقت التطور العلمي وخلقت الإنسان النموذجي . مثقفوا سبعينيات القرن الماضي هم النموذج الامثل لثقافة الجيل الثاني ، حتى اصبحت الجامعات لأفراد هذا الجيل تضم مئات الالوف من الكوادر العلمية التواقة للمعرفة وللعلم وللبناء …. ثم تمر السنين وتتطور الحياة في المجتمعات وتتطور التكنلوجيا وندخل عصر الانترنيت وعصر السوشيل ميديا وعصر الثقافة الفائقة فوق كل العصور ولكن بالعكس تماما يظهر عندنا جيل الثقافة الثالثة ، ثقافة هذا الجيل بسبب مخلفات الماضي تكاد تكون محيرة بكل المقاييس ، جيل يفهم الامور بشكل غريب ، مثقفوا هذا الجيل ( كتاب وشعراء وادباء ومحللين سياسين واعلاميين وغيرهم ) يحملون الحب والولاء والعبودية بنفس الوقت لطرف سياسي او جهة ايدلوجية او مذهب معين وبنفس الوقت يحملون الحقد والكراهية والانتقام والكلمة المسمومة للجهات والاطراف الاخرى . يكتبون ليل نهار بلا كلل ولا ملل وكأن ساعات يومهم اكثر من ٢٤ ساعة ، ينتقدون بشكل جارح ويهينون من خالفهم الرأي و يتحدثون عن حرية الرأي ولكن ما أن ينتهي الرأي المخالف من التعبير عن نفسه وابداء وجهة نظره حتى ينهالون عليه باللعنات والسباب والوعيد وانواع التهم المسيئة للسمعة ثم يطاردونه و يحرضون عليه عصابات الغدر والقتل . وأصبحت ثقافة الجيل الثالث ( كل من يخالفني الرأي فهو عدو مبين ) . السؤال من يقف وراء هذه الثقافة وكيف تطورت عندنا لتصبح بهذا الشكل المقرف في الوقت الذي أصبح الرأي المخالف عند المجتمعات البشرية عامل اسناد وتعزيز للوحدة والقوة المجتمعية ، ومن هي الاطراف التي ينطلق عشاقها من المثقفين الى استخدام هذه الاساليب النتنة ضد معارضيهم او ضد من يخالفهم الرأي ؟ لا يمكن ان ننسب كل ذلك لعدد من الافراد لإنها ظاهرة سائدة عند الاغلبية ، وعند اصناف ذات مواصفات محددة بالتفكير .
ان ظهور الجيل الثالث هي لعنة ومن اكبر اللعنات التي تصيب المجتمع ، وكأن هؤلاء المثقفين قد حملوا كل المخلفات السيئة للماضي ليرموا بها جباه الحاضر في منظر لم يحدث في اية بقعة من العالم ولا في اية مرحلة زمنية وقد تكون نهاية مجتمعاتنا على ايديهم ، لما لهم من عناد واصرار على السير في هذا المنهج الخاطىء دون الالتفات الى ما تتركه سلوكياتهم من اثر سيء في نفوس الاصدقاء والاعداء ، فهم ليسوا جهلاء ولكنهم يأخذون دور الناطق والمتحدث بأسم الجهلاء ، هؤلاء الناس يشعرون بنشوة وفرحة عارمة عندما تصل ايديهم لمن يخالفهم ، الا يشير ذلك الى انحطاط القيم والمبادىء التي يؤمنون بها ؟، الا يدل ذلك على ان حال المثقف الحقيقي لا عزاء له وحده بل العزاء للمجتمع كله ؟ الا يدل ذلك ان المستقبل اخذ ينطق بأنه سيكون سواد ؟

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here