غضب مجتمعي بعد حادث تكساس

أماني مبارك
لقي 19 طفلا وبالغان مصرعهم في حادث إطلاق نار في مدرسة ابتدائية جنوب ولاية تكساس الأمريكية، قبل أسبوع، في حادث مروع أعاد للأذهان التساؤلات حول حيازة السلاح في الولايات الأمريكية والسبب في تأخر سن قانون يقنن حيازة السلاح، وذلك تزامنًا مع زيادة عدد حوادث إطلاق النار واستخدام الأسلحة النارية في عمليات قتل أو انتحار.

غضب مجتمعي
لا يزال الغضب والحزن يسيطر على سكان الولاية، إثر هذا الحادث الدرامي الذي راح ضحيته أطفال أبرياء، وتختلف ردود الأفعال ما بين غضب من تأخر الشرطة في اقتحام المدرسة وإنقاذ الأطفال، والذهاب بأكليل زهور على النصب التذكاري للأطفال الضحايا.

أشارت صحف أمريكية إلى أن أقارب الأطفال الضحايا في حالة حداد ولا يريدون رؤية الرئيس أو أي سياسي، وذلك على خلفية ذهاب الرئيس إلى هناك لتقديم التعازي.

وتداول رواد مواقع التواصل الاجتماعي مقطع فيديو يظهر فيه أولياء أمور كانوا بالخارج وقت إطلاق النار وحاولوا الدخول إلى المدرسة، وقد اعترضتهم الشرطة وقيدت أيدي بعضهم بينما كان المسلح لا يزال داخل المدرسة.

وقال شهود عيان إن الشرطة كانت مترددة في مواجهة المهاجم. وهو ما أظهرته مقاطع فيديو متداولة يظهر فيها عناصر شرطة متجمعة خارج المدرسة بينما أولياء الأمور يستجدون تلك العناصر أن تقتحم المبنى على الفور.

وتسبب تأخر تدخل الشرطة في تأجيج غضب مجتمعي إزاء الحادث، كما تسبب في الرجوع إلى بيان أصدره حاكم تكساس غريغ أبوت في وقت سابق أثنى فيه على الرد “السريع والناجز” من جانب من وصفهم بـ “مسؤولين محليين شجعان” اعترضوا طريق المسلح حتى من قبل أن يدخل المدرسة.

واعترف مسؤولون بأن الشرطة تأخرت في دخول المدرسة لأكثر من 40 دقيقة، لأنهم لم يكونوا يعتقدون أنها ما زالت حالة “إطلاق نار نشط”. حيث قرر الضابط المسؤول الانتظار حتى وصول بواب المدرسة اعتقادًا منه بأنه لم يعد أحد بالداخل على قيد الحياة.

وتقول إدارة السلامة العامة في تكساس أن تحقيقاتها تظهر أن 19 من ضباط الشرطة وقفوا في الردهة خارج الفصل. بينما كان الأطفال بالداخل يتصلون برقم 911 ، ويقدمون تحديثات حول عدد زملائهم في الفصل الذين ما زالوا على قيد الحياة ، ويطلبون من الشرطة أن تأتي.

أكاليل زهور
وتوجه الرئيس الأمريكي جو بايدن، رفقة زوجته مساء يوم الأحد، إلى تكساس لمواساة أهالي الضحايا، وفور وصوله، وضع بايدن والسيدة الأولى إكليلاً من الزهور على النصب التذكاري للضحايا.


وأُقِيم نصب تذكاري قبالة المدرسة لإحياء ذكرى الضحايا، وضم زهوراً وصوراً كبيرة لكل الضحايا، وتجول بايدن وزوجته من صورة إلى أخرى ولمسا صور الأطفال. معربين عن أسفهم الشديد حيال الحادث المأساوي، ووعد بايدن بإنهاء فوضى السلاح.


مآسي إنسانية وشهادات الأطفال الناجين
نشرت وسائل إعلام أميركية، شهادات لأطفال نجوا من المجزرة يصفون فيها الرعب الذي عاشوه في مدرستهم.

فيما قال اومبيرتو رينوفاتو (33 عامًا) لوكالة “فرانس برس”: “يجب أن نساعد هؤلاء الأطفال على الخروج من هذه الصدمة، من هذا الألم”.

قال سامويل ساليناس (10 أعوام) لقناة “إيه بي سي”، دخل المهاجم الصف وأوصد بابه وقال لنا “ستموتون جميعا” قبل أن يباشر إطلاق النار علينا.

وأضاف الطفل: “أعتقد أنه صوّب نحوي” لكن كرسيا بينه وبين مطلق النار أنقذه من الرصاصة. وحاول ساليناس “التظاهر بالموت” في الغرفة المخضبة بالدماء حتى لا يستهدفه المهاجم.

وقالت ميا سيريلو (11 عاما)، أنها لجأت هي الأخرى إلى التظاهر بالموت، حتى يتحول انتباه القاتل عنها، ولطخت جسدها بدم رفيق لها قتل بجانبها، كما أوضحت لشبكة “سي إن إن” في شهادتها ، وأضافت أنها رأت راموس يقتل مدرستها بعدما قال لها “تصبحين على خير”.

وأكد التلميذ دانيال لصحيفة “واشنطن بوست”، أن الضحايا امتنعوا عن الصراخ أثناء انتظارهم وصول الشرطة لإنقاذهم. وقال: “كنت خائفا ومجهدا لأن الرصاص كاد يصيبني”. مشيرًا إلى أن معلمته أصيبت في الهجوم لكنها نجت من الموت، وأنها طلبت من التلاميذ الهدوء وعدم التحرك حتى تأتي الشرطة.

فيما قالت والدته وتدعى بريانا رويز، إن الأطفال الذين نجوا “يعانون صدمة، وسيتعين عليهم التعايش معها طوال حياتهم”.

كما لقيت معلمتين حتفهما على أيدي المهاجم، وهما إيفا وزميلتها إيرما غارسيا، فبينما كانتا تقومان بتجهيز غرفة الفصل الدراسي المشتركة في المدرسة، دخل المهاجم حاملاً السلاح في وجه الأطفال، ووفقًا لشهادات الأطفال الناجين، فأن المعلمتين غارسيا وميريلز شوهدتا وهما تحاولان حماية الأطفال من الرصاص بجسديهما.

وقال ابن شقيق إيرما غارسيا، ويدعى جون مارتينيز، لصحيفة نيويورك تايمز، إن الشرطة عثرت على غارسيا وهي “تحتضن الأطفال بين ذراعيها في لحظات موتها الأخيرة”.

 

وتوفي زوج المعلمة إيرما غارسيا، بأزمة قلبية عقب مصرع زوجته، وترك الوالدين أربعة أبناء، لا يتخطى أكبرهم الـ 22 عامًا، وجمع ناشطون الخميس على الإنترنت تبرعات لعائلة غارسيا بلغت قيمتها 1.6 مليون دولار، بينما كان هدفهم جمع مبلغ 10 آلاف دولار.

بالأرقام.. تنامي صناعة واستخدام الأسلحة وحوادث إطلاق النار الجماعي
أثار حادث إطلاق النار دعوات جديدة لاتخاذ تدابير للسيطرة على الأسلحة، في بلد شهد حادثي إطلاق نار شرسين في أقل من عشرة أيام، على الرغم من أن كبار الجمهوريين يعارضون تشديد القواعد. ويُعرف إطلاق النار الجماعي بأنه حادثة قتل فيها أربعة أشخاص أو أكثر، باستثناء مطلق النار.

ووفقًا لتقارير، فقد تجاوزت الولايات المتحدة الآن 200 عملية إطلاق نار جماعي منذ بداية عام 2020.

في تقرير نشرته وزارة العدل الأمريكية، فأن شركات تصنيع الأسلحة النارية فى الولايات المتحدة أنتجت خلال السنوات العشرين الماضية أكثر من 139 مليون قطعة سلاح نارى مخصصة للبيع للأفراد، بينها 11.3 مليون قطعة أنتجت فى سنة 2020 لوحدها.

أضاف التقرير أنه فى الفترة نفسها استوردت الولايات المتحدة 71 مليون قطعة سلاح نارى، بينما تم تصدير 7.5 مليون قطعة فقط، ما يعكس الكم الهائل للأسلحة النارية المتوفرة فى البلاد ، والذي ساهم فى تصاعد أعمال العنف المسلح وجرائم القتل.

أوضح التقرير أن قطاع صناعة الأسلحة النارية تضاعف خلال 20 عامًا، كما قفز الإنتاج السنوى للأسلحة النارية المخصصة للبيع التجارى من 3.9 مليون قطعة فى العام 2000، إلى 11.3 مليون قطعة فى العام 2020.

فيما يتم استخدام الأسلحة النصف آلية فى تنفيذ معظم عمليات إطلاق النار الجماعية، ويفضل أغلبية الأمريكيون شراء المسدسات النصف أوتوماتيكية من عيار 9 ملم، وهو سلاح زهيد الثمن ودقيق التصويب وسهل الاستخدام ويشبه السلاح الذى تستخدمه الشرطة.

بالإضافة إلى انتشار وزيادة الأسلحة الشبحية وهي عبارة عن مسدسات أو بنادق تباع أجزاء مفككة ويمكن صنعها فى المنزل كما يمكن شراء بعض أجزائها عبر الإنترنت. ولا تحمل هذه المسدسات الشبحية أرقامًا تسلسلية، ومن ثم لا يمكن تعقب مستخدميها. كما لا يضطر حاملها إلى رخصة حمل سلاح، أو الخضوع لأي قيود مفروضة على مشترى الأسلحة النارية التقليدية مثل صحيفة السوابق والأهلية العقلية والنفسية.

27 حادث إطلاق نار في المدارس خلال عام والرئيس يدين
تشير التقارير إلى وقوع 27 حادث إطلاق نار في المدارس هذا العام وحده. ويتدرب أطفال المدارس الصغار بشكل روتيني على ما يجب فعله إذا دخل مسلح الفصل الدراسي. فيما لم تمر سوى 10 أيام فقط على مقتل عشرة أشخاص في إطلاق نار في نيويورك. لتعقبها مذبحة أطفال مدرسة تكساس.

وكان إطلاق النار عام 2012 في مدرسة ساندي هوك الابتدائية في ولاية كونيتيكت الهجوم الأشد دموية. وتراوحت أعمار عشرين من الضحايا الـ26 بين الخامسة والسادسة.

ودعا خبراء إلى ضرورة تحرك السياسيون والمسؤولين لمواجهة هذه المأساة، مأساة استخدام الأسلحة النارية، والتي تجاوز ضحاياها عدد ضحايا حوادث الطرق.

وتساءل الرئيس بايدن عقب وقوع الحادث، “لماذا ندع هذا يحدث باستمرار؟ لماذا نحن على استعداد للعيش مع هذه المذبحة؟”.

مضيفًا في كلمة ألقاها بالبيت الأبيض إنه “سئم وتعب” من الاستجابة لحوادث إطلاق النار الجماعي. داعيا إلى فرض قيود على الأسلحة. متساءلاً، “كم عدد الأطفال الصغار الذين شهدوا ما حدث – ونظروا إلى أصدقائهم يموتون، وكأنهم في ساحة معركة؟ ارحمونا. ستظل تلك المناظر معهم بقية حياتهم”.

لكن التقارير تشير إلى أن الديمقراطيين لا ينوون الاقتراب من تمرير تشريع أكثر صرامة لمراقبة الأسلحة. ويتهمهم بعض الجمهوريين بالفعل باستخدام حادث إطلاق النار الأخير في المدرسة لتعزيز أهدافهم السياسية.

وذكر مسؤولين من البيت الأبيض بحسب وكالات، بأنه من غير المرجح أن يقدم بايدن مقترحات سياسية محددة أو يسعى لإصدار أمر تنفيذي في الأسابيع المقبلة، لتجنب الدخول في مفاوضات حساسة بين الديمقراطيين والجمهوريين في مجلس الشيوخ.

فيما دعت نائبة الرئيس الأمريكي، كامالا هاريس، إلى فرض حظر على الأسلحة الهجومية في أعقاب عمليتي إطلاق نار جماعي خلفتا قتلى في الولايات المتحدة. حيث صرحت خلال حضورها جنازة روث ويتفيلد، 86 عاما، التي قتلت في حادث إطلاق نار في متجر في 14 مايو الجاري بأنه حان الوقت لقول كفى لعنف السلاح.

مشددة بقولها، “الحل واضح ويشمل أشياء مثل التحقق من خلفية من يشترون الأسلحة وحظر هذه الأسلحة الهجومية. موضحة أن الأسلحة الهجومية صممت لغرض محدد: قتل الكثير من البشر بسرعة. مستطردة، السلاح الهجومي هو سلاح حرب، لا مكان له، لا مكان له في مجتمع مدني”.

أضافت، “لقد طفح الكيل” داعية إلى “التحرك” بشأن أعمال العنف المرتبطة بالأسلحة النارية وهي آفة وطنية. وتابعت، “انفرطت قلوبنا مجدداً. علينا ان نتحلى بالشجاعة للتحرك” متوجهة إلى الكونغرس العاجز عن إصدار التشريع المناسب رغم هذه المآسي.

من جانبها تحقق وزارة العدل الأمريكية بشأن دعوات تفيد بتأخر اقتحام الشرطة للفصل الذي كان يختبئ به المهاجم، في مدرسة في أوفالدي بولاية تكساس، والذي أسفر عن مقتل 19 طفلا ومعلمتين اثنين.


تكساس تخضع لقانون يتيح حمل السلاح دون شروط
وفقًا لصحيفة نيويورك تايمز الأمريكية، فأن ولاية تكساس التي شهدت المذبحة، هي الولاية الأقل تقييدًا في الولايات المتحدة لحمل السلاح، كما تفخر بأنها ولاية بها أصحاب أسلحة تصل أعدادهم إلى أكثر من مليون، رغم تاريخها الحديث في إطلاق النار والقتل الجماعي.

في 1 سبتمبر وقع حاكم الولاية، جريج أبوت، تشريعًا يسمح بحمل مسدس في الأماكن العامة دون ترخيص أو تدريب، والذي وصفه بأنه «أكبر وأفضل» قانون السلاح للدورة التشريعية لعام 2021.

ومنذ ذلاك التاريخ أنهى حاكم الولاية، شرط حصول تكساس على ترخيص لحمل المسدسات . ما يسمح تقريبًا لأي شخص يزيد عمره عن 21 عامًا بحمل سلاح واحد. وهو ما جعل الولاية واحدة من أكبر المدن التي تتبنى قانون «الحمل الدستوري للسلاح» الذي يلغي بشكل أساسي معظم القيود التي تقنن حمل المسدسات.

وعلق المنتقدين، بمن فيهم بعض ضباط إنفاذ القانون، إن القانون يعد تراجعًا خطيرًا عن السيطرة على الأسلحة وسط تصاعد في أعمال عنف السلاح مؤخرًا. حيث ألغى القانون أيضًا شرط الاحتفاظ بالمسدسات في حزام أو كتف.

كما يسمح للسكان بحمل البنادق في الأماكن العامة دون تصريح ويسمح أيضًا بحمل السلاح في حرم الجامعات، وهو قانون أقرته الولاية في عام 2015.

قبل دخول القانون حيز التنفيذ، كان على تكساس إخضاع الأشخاص لفحوصات، ووضع شرط اجتياز دورة تدريبية عن السلامة، وإثبات قدرتهم على إطلاق النار للحصول على ترخيص لحمل مسدس في الأماكن العامة.

خلاف الجمهوريين والديمقراطيين بخصوص قانون السلاح

ولاقى الحادث تنديد واستنكار من قبل المسؤولين في مواقع مختلفة، حيث نددت رئيسة مجلس النواب الأمريكي الديموقراطية نانسي بيلوسي في بيان، قالت فيه، هذا العمل “المقيت الذي سلب مستقبل أطفال أحباء. ما من كلام يصف الألم أمام هذه المجزرة التي ارتكبت بدم بارد وذهب ضحيتها تلاميذ صغار ومدرس”.

بدوره وصف الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما الولايات المتحدة بأنها “مشلولة”. معتبراً أن السبب في ذلك “ليس الخوف ولكن بسبب لوبي السلاح وحزب سياسي لم يظهر أي استعداد للتصرف بأي طريقة قد تساعد في منع هذه المآسي”.

فيما شارك الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب في مؤتمر الجمعية الوطنية للبنادق، أكبر لوبي للأسلحة في أمريكا، يوم الجمعة، بمدينة هيوستن بولاية تكساس، داعيًا إلى إبقاء قانون حيازة الأسلحة كما هو، قائلاً، أن الأمريكيين الصالحين يجب أن يسمح لهم بحيازة السلاح للدفاع عن أنفسهم ضد “الشر”. رافضًا دعوات تقنين حمل السلاح بعد مجزرة مدرسة تكساس.

وأضاف، أن مختلف سياسات الرقابة على السلاح التي يروج لها اليسار لم تكن لتفعل شيئا لمنع الحادث المرعب”. مستطردًا أن الأطفال الذين قتلوا في حادث المدرسة هم ضحايا شخص مجنون خارج عن السيطرة.


متابعًا، “يجب علينا أن نتحد جميعنا جمهوريين وديمقراطيين لتحصين مدارسنا وحماية أطفالنا.. ما نحتاجه الآن هو إصلاح أمني شامل في المدارس وفي جميع أنحاء بلدنا”.
تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here