الهويالوجيا فن القرارات الإنسانوية و الشخصية

الهويالوجيا فن القرارات الإنسانوية و الشخصية

حسن عجمي

الهويالوجيا مركَّبة من “الهوية” و “لوجيا” بمعنى عِلم وبذلك الهويالوجيا عِلم الهوية الذي يهدف إلى تحليل الهوية و دراستها بغرض إيضاح دلالاتها و معانيها. تعتبر الهويالوجيا أنَّ الهوية فن صياغة القرارات الإنسانوية و الشخصية ما يسمح بتحليل الهوية على أنها معادلة فلسفية مفادها التالي : الهوية = قرارات إنسانوية + قرارات شخصية. تنجح هذه المعادلة في التعبير عن أنَّ كل البشر يمتلكون هوية واحدة ألا و هي الهوية الإنسانية كما تنجح في التعبير عن اختلاف هويات الأفراد رغم وحدة هويتهم الإنسانية ما يدلّ على صدق هذه المعادلة.

إن كانت الهوية = قرارات إنسانوية + قرارات شخصية ، و علماً بأنَّ كل البشر يتخذون قرارات إنسانوية (في معظم حياتهم أو في كل حياتهم) كقرارات التصرّف على ضوء المبادىء و القِيَم الأخلاقية كأن لا تقتل و لا تسرق ، إذن كل البشر يمتلكون الهوية ذاتها ألا و هي الهوية الإنسانية الكامنة في إنتاج و اتباع القِيَم و المبادىء الأخلاقية. من هنا ، تنجح الهويالوجيا التي تعتبر أنَّ الهوية = قرارات إنسانوية + قرارات شخصية في التعبير عن وحدة البشر من جراء وحدة هوياتهم الكامنة في امتلاك هوية واحدة لا تتجزأ ألا و هي الهوية الإنسانية. و هذا النجاح دليل التفوّق المعرفي للهويالوجيا و صدقها. فكل البشر يشكّلون إنساناً واحداً لا يتجزأ لأنَّ هويتهم هوية واحدة قائمة على اتخاذهم قرارات إنسانوية مشتركة بين الجميع.

لكن رغم وحدة الإنسانية المتمثلة بوحدة كل البشر في امتلاكهم لهوية إنسانية واحدة ، يختلف الأفراد عن بعضهم البعض باختلاف قراراتهم الشخصية فيمتلكون بذلك أيضاً هويات مختلفة. وبذلك تنجح الهويالوجيا في التمييز بين هويات الأفراد رغم وحدة هويتهم في هوية واحدة ألا و هي الهوية الإنسانية. من هنا ، توحِّد الهويالوجيا بين المذهبيْن الفلسفيين المتنافسين حيال الهوية ألا و هما المذهب القائل بوحدة الهويات البشرية في هوية واحدة هي الهوية الإنسانية و المذهب القائل باختلاف هويات الأفراد لكونها تتضمن المذهبيْن معاً. فكل البشر يمتلكون الهوية الإنسانية ذاتها لامتلاكهم للقرارات الإنسانوية و البشر أيضاً مختلفون بامتلاكهم هويات مختلفة لكونهم يتخذون قرارات شخصية مختلفة.

بكلامٍ آخر ، بما أنَّ الهوية = قرارات إنسانوية + قرارات شخصية ، إذن البشر متحدون في هوية واحدة على ضوء وحدة القرارات الإنسانوية الكامنة في المبادىء و القِيَم الأخلاقية العالمية المشتركة بين الجميع و البشر أيضاً مختلفون في هوياتهم من جراء اتخاذهم قرارات شخصية مختلفة. هكذا توحِّد معادلة الهويالوجيا بين المذهبيْن الفلسفيين المتنافسين السابقين فتحلّ الخلاف الفلسفي بينهما و بهذا تكتسب هذه الفضيلة الأساسية ما يعزِّز نجاحها فصدق مضمونها. مثلٌ على اختلاف هويات الأفراد هو أنَّ فرداً معيّناً قد يتخذ قراراً شخصياً بدراسة الفيزياء بينما فرد آخر يتخذ قراراً شخصياً بدراسة البيولوجيا. وبذلك هذان الشخصان يختلفان باختلاف قراراتهما الشخصية. و هذا ما تنجح معادلة الهويالوجيا في التعبير عنه لأنها تحلِّل الهوية على أنها معادلة رياضية مفادها أنَّ الهوية = قرارات إنسانوية + قرارات شخصية.

تنجح الهويالوجيا أيضاً في التعبير عن أنَّ هويتنا الإنسانية كامنة في إنتاج المعارف والفنون والعدالة. فبما أنَّ الهوية = قرارات إنسانوية + قرارات شخصية ، و القرارات الإنسانوية هي القرارات الأخلاقية (فبلا أخلاق يفقد الإنسان إنسانيته) و من الأخلاقي إنتاج المعارف والعلوم والفلسفات والفنون والعدالة (بسبب فوائدها الكبرى) ، إذن هويتنا الإنسانوية كامنة في صياغة المعارف والعلوم والفلسفات والفنون والعدالة تماماً كما هي كامنة في اتباع المبادىء و القِيَم الأخلاقية و إنتاجها. هكذا تنجح الهويالوجيا في التعبير عن أنَّ الهوية الإنسانية قائمة على بناء المعارف العلمية و الفلسفية و إنتاج العدالة والفنون فبفضل الإنتاج الأخلاقي والمعرفي والفني و سيادة العدالة تتحقق هويتنا الإنسانوية بما تحتوي من أخلاقيات و معارف.

كما تنجح معادلة الهويالوجيا في حلّ إشكالية فلسفية أساسية هي التالية : من الممكن للفرد أن تختلف خلاياه الجسدية كلياً و تختلف معتقداته ومشاعره وسلوكياته بشكل كلي عما كانت عليه. و بذلك ما الذي يجعله الشخص نفسه أي ما الذي يجعله يمتلك الهوية نفسها رغم اختلافه كلياً عما كان في الماضي؟ تجيب الهويالوجيا على النحو التالي : هذا الفرد يمتلك الهوية ذاتها التي امتلكها في الماضي فهذا الشخص هو نفسه رغم اختلافه الكلي عما كان عليه لأنَّ هويته هي قراراته التي اتخذها في الماضي كما هي قراراته التي يتخذها أو سوف يتخذها و لذلك هو مسؤول أخلاقياً و قانونياً عما اتخذ من قرارات شخصية في الماضي و إن اختلف اليوم واختلفت قراراته عما كانت عليه. فبما أنَّ الهوية = قرارات إنسانوية + قرارات شخصية ، إذن تكمن الهوية في القرارات الشخصية كما في القرارات الإنسانوية. و علماً بأنَّ الفرد السابق اتخذ قرارات شخصية في الماضي (و إن كان اليوم يختلف عما كان عليه) و بذلك هو مسؤول عن قراراته الشخصية في الماضي لأنه اختارها ، إذن قراراته الشخصية في الماضي ما زالت جزءاً من هويته وبذلك هذا الفرد السابق يمتلك الهوية ذاتها و إن اختلفت خلايا جسده وقراراته ومعتقداته ومشاعره وسلوكياته اليوم عما كانت عليه في الماضي.

بكلامٍ آخر ، الفرد السابق ما زال هو نفسه و إن اختلف اليوم لأنَّ هويته كامنة في قراراته في الماضي والحاضر والمستقبل و هو بذلك مسؤول عن قراراته في الماضي لأنه اتخذ تلك القرارات تماماً كما هو مسؤول عن قراراته في الحاضر والمستقبل. فبما أنَّ القرارات تحدِّد الهوية فالمسؤولية عن تلك القرارات و ما أنتجت من أفعال ، إذن الفرد يبقى هو نفسه لاتخاذه قراراته الماضوية والعمل على ضوئها في الماضي و إن تغيّر بشكل جزئي أو كلي. هكذا تنجح معادلة الهويالوجيا في حلّ إشكالية كيف أنَّ الفرد يبقى هو ذاته رغم تغيّره أو إمكانية تغيّره كلياً عما كان عليه. و بذلك تكتسب الهويالوجيا هذه الفضيلة الجوهرية الكامنة في حلّ هذا الإشكال الفكري.

تنجح الهويالوجيا أيضاً في التعبير عن الحرية و تضمنها. فبما أنَّ الهوية = قرارات إنسانوية + قرارات شخصية ، و نحن مَن نتخذ هذه القرارات الإنسانوية و الشخصية، إذن هوياتنا من صنعنا نحن. و بذلك نتحرّر من سجون هويات مُحدَّدة مُسبَقاً ما يضمن أننا أحرار بالفعل. هكذا تتمكّن معادلة الهويالوجيا من التعبير عن أننا أحرار و أنَّ هوياتنا من نتاجنا. كما تنجح الهويالوجيا في التعبير عن إمكانية أن تتطوّر هوياتنا من جراء تطوير قراراتنا. فبما أنَّ الهوية = قرارات إنسانوية + قرارات شخصية ، و علماً بأنه من الممكن دوماً تطوير قراراتنا الإنسانوية و الشخصية ، إذن من الممكن دائماً أن تتطوّر هوياتنا. من هنا ، تنجح الهويالوجيا في التعبير عن إمكانية أن نتطوّر بتطوّر هوياتنا بفضل تطوير قراراتنا تماماً كما تنجح في التعبير عن حريتنا. و في كل هذه النجاحات دلالات على صدق الهويالوجيا و تفوّقها المعرفي.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here