القضاء.. والقدر

عبد المنعم الاعسم

رأيي الشخصي في ادارة مرفق من مرافق الدولة

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

القضاء.. والقدر

خرجت معركة السلطة القضائية وحرية التعبير من المحافل الضيقة للنصوص وتفسيراتها الى فضاء الجدل ولغة الانتقام، وباتت قضية رأي عام، وجزءا عضويا من المأزق السياسي للبلاد، والحال، لا جديد في القول بان القضاء العراقي لا حاجة به الى التذكير بالديباجات الدستورية ذات العلاقة باهميته ومكانته في تأمين ثقة المواطن بدولته ومستقبله وتنمية استعداده للدفاع عنها، ثم، لا جديد في القول، ايضا، بان مفاهيم ووحدود ومدونات “حق التعبير” غادرت بيت الطاعة (في العراق وفي العالم كله) الى مديات بلا حدود، واحسب ان العقل الراجح وحده قادر على استيعاب التحولات في هذا المجال، وبناء علاقة ثقة مع الجسم الاعلامي واصحاب الرأي الحر، فلا ينفع اصحاب هذا القرار الدعاء له بـ”النجاح”.. ويومها طلب قاضٍ من داعية قائلا “إدعُ لي” فرد عليه الداعية بالقول: “ما ينفعك ان ادعو لك وفي بابك الفٌ يدعون عليك”.

لقد دخلت السلطة القضائية في عهد رئيسها فائق زيدان، الارض الوعرة لحريات التعبير، من بين وعورات اخرى، وشاءت ان ترفع الاحتراز حيال حساسية واخطار هذا المنحى الذي حُسب لصالح فريق سياسي من فرقاء أزمة البلاد الخانقة، واتضح لمراقبين حياديين وخبراء قانون واعلام ان ردود افعال السلطة القضائية افتقرت للتوازن والتحسب، وبخاصة في ما فُسر على انه اساءة لها في برنامج تلفزيوني عام، وكان الاعتراض على الاساءة سيكون مقبولا لو ان خطاب الرد ابتعد عن اضفاء التقديس على هذه السلطة، ولو تجنب لغة التهديد المبطنة، او بالنفخ في قوانة المنجزات المتحققة، وكأن الامر ينطوي على “قدر” في رقاب العراقيين ان تتحول مؤسسات دولة الى مزارات.

ان المشكلة هذه باتت “شخصية” ومسجلة في حدود مواقف رئيس سلطة القضاء، وهي من زاوية الحرص على القضاء واستقلاله اسهل للمعالجة، وتسويتها(كونها تخص شخصا واحدا) اقل تكلفة من غيرها من المشكلات ذات االطابع البنيوي الجمعي الموصول بخراب منظومة الحكم، وان شكاوى قطاعات متضررة جراء صمت صاحب القرار القضائي حيال اختطاف اعلامي كبير (توفيق التميمي) وتغييبه واغتيال وتهديد العشرات من العاملين في ميدان الاعلام، وانتشار السلاح خارج اطار الدولة، وتقارير الفساد في المفاصل العليا لادارة القضاء، وطمطمة ملف الغارة الجوية على غرفة نوم اكبر مسؤول في الدولة.. وكل ذلك يدفع المواطن الى الخوف على حياته وامنه طالما بقي الخاطفون والمعتدون، طلقاء، في حين تواصل الجماعات المسلحة غير القانونية العربدة في الشوارع، محمية من القضاء.. او من سكوته.. والسكوت من الرِضا.

استدراك:

لقيَ المنصور فقيها اعمى في الطواف، والفقيه لا يعرفه، فامسكه من يديه وقال له: أتعرفني؟ قال (الفقيه): لا أعرفك، لكن قبضتك قبضة جبار”.

عن كتاب “الامامة والسياسة”

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here