انسحاب روسيا من سوريا.. تأثيره وتنافس إقليمي ودولي لاستغلاله (تحليل)

– معلومات توقعت سحب روسيا وحداتها العسكرية من عدة مناطق سورية

انسحاب روسيا من سوريا.. تأثيره وتنافس إقليمي ودولي لاستغلاله (تحليل)

إسطنبول/ أمينة تشليك/ الأناضول

– معلومات توقعت سحب روسيا وحداتها العسكرية من عدة مناطق سورية
– الانسحاب الروسي يأتي على خلفية استراتيجية جديدة تعتمدها موسكو، بسبب الحرب في أوكرانيا
– تسعى الولايات المتحدة وإسرائيل إلى استغلال الانسحاب الروسي المتوقع، للحد من “تمدد” النفوذ الإيراني.
– تركيا لمّحت إلى إطلاق عملية عسكرية بعمق 30 كيلومترا في العمق السوري، لمنع انتشار تنظيم “واي بي جي/ YPG” الإرهابي.

أدى نقص التنسيق بين الوحدات العسكرية الروسية في أوكرانيا والمقاومة غير المتوقعة للأوكرانيين، فضلا عن الدعم العسكري الأمريكي والأوروبي المقدم لكييف، إلى قيام موسكو بوضع حملات استراتيجية جديدة بخصوص سياستها.

ويرى محللون أن تأكد المعلومات بخصوص سحب روسيا وحداتها العسكرية ومقاتلي شركة “فاغنر” الأمنية من بعض مناطق سوريا، مثل إدلب وحماة واللاذقية ومنبج وتل رفعت وعين العرب بريف حلب، يعد محاولة من الكرملين لاستجماع قواه.

هذه التحركات الاستراتيجية التي تضع النظام السوري في موقف صعب من شأنها نقل حرب القوى والنفوذ الدائرة في سوريا إلى مراحل جديدة.

وبالإضافة إلى الدول التي تتحرك في المنطقة بالقوات الوكيلة مثل روسيا والولايات المتحدة وإيران، يمكن القول إن إسرائيل أيضاً قد أصبحت جزءا من الأزمة في سوريا بسبب مئات الهجمات الجوية والبرية التي شنتها على البلاد.

وسبق أن أعلنت إسرائيل، أنها لن تسمح بـ”تمدد” الوجود الإيراني في سوريا، الذي تعتبره “تهديدا” لأمنها القومي.

** الوجود الأمريكي بسوريا

لا ترى إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، الوجود العسكري في سوريا بشكل مختلف عن الإدارات السابقة، وفي هذا الإطار تزعم إدارة البيت الأبيض أن لواشنطن أربع مهمات في سوريا، تتمثل أولا في خفض العنف، وثانيا منع حدوث أزمة إنسانية.

أما المهمة الثالثة فهي زيادة الضغط على تنظيم “داعش” الإرهابي بواسطة وجود عسكري دائم في شرق سوريا، عبر دعم تنظيم “بي كي كي/ PKK” – “واي بي جي/ YPG” الإرهابي، الذي تستخدمه كقوة وكيلة في محاربة “داعش”، وأخيرا دعم إسرائيل ضد المليشيات المدعومة من إيران.

إلا أن تراجع تأثير “داعش” تدريجيا في سوريا، والمذابح التي يرتكبها تنظيم “بي كي كي” (ينشط في عدة دول بالمنطقة بينها سوريا والعراق وإيران)، والتي تعد سببا لحدوث أزمة إنسانية، وهجمات إسرائيل المستمرة، تثير التساؤلات حول جدوى الوجود الأمريكي في سوريا، والدعم العسكري والمالي الذي تقدمه واشنطن لأذرع “بي كي كي” بالبلاد.

ترغب الولايات المتحدة في الاستفادة من الفراغ الذي سيخلفه انسحاب روسيا المرتقب من سوريا، و تدعي أنها ستقوم بـ”أنشطة تجارية” فقط في شمالي البلاد، ستتركز بمجالي الزراعة والبناء، إلا أن أسماء الشركات والمشاريع التي تعتزم تنفيذها محاطة تماماً بجو من السرية.

ترغب واشنطن في السيطرة تماماً على الشمال السوري بواسطة قواتها الوكيلة وتعتزم مواصلة وجودها في البلاد من خلال المشاريع التجارية.

في النهاية أدت تحركات الوحدات العسكرية الروسية في المنطقة إلى تسريع واشنطن جهودها لتنشيط “بي كي كي” في الميدان، بهدف تقليل مخاطر انتشار إيران وقوى المعارضة السورية إلى الحد الأدنى.

** النفوذ الإيراني

تزداد مخاوف واشنطن من قيام إيران بملأ الفراغ الذي سينتج عن انسحاب روسيا المرتقب من سوريا، فكما هو معروف هناك تاريخ طويل للوجود الإيراني في سوريا.

كما أن قوات الحرس الثوري الإيراني و”فيلق القدس” وأجهزة الأمن والاستخبارات الإيرانية، دائماً ما تقدم الدعم العسكري واللوجستي والتدريب من أجل حماية سلطة النظام السوري.

وبعد تراجع العمليات الروسية في سوريا بسبب الحرب على أوكرانيا، ازدادت تحركات إيران وزاد تواجدها في البلاد.

وعقب الخسائر الكبيرة التي تعرض لها “بي كي كي” بسبب هجمات “داعش” على الحسكة (شمال شرق) مطلع عام 2022، تدخلت القوات الخاصة الأمريكية وضمنت انسحاب “داعش” من المنطقة.

وبفضل ذلك تمكنت المليشيات الإيرانية من الحصول على مساحات سيطرة جديدة، حيث زادت من وجودها تدريجيا في الحسكة ومحيطها، ويبدو أن التأثير الإيراني في سوريا سيزداد أكثر مع انسحاب روسيا، ولعل الزيارة التي أجراها رئيس النظام السوري بشار الأسد إلى إيران في 8 مايو/ أيار الماضي دليل على ذلك.

إلا أنه وجب التنبيه أن النفوذ الإيراني في سوريا سيتشكل أيضاً وفقاً لمراكز القوى الأخرى في البلاد، إذ أن إسرائيل أيضاً تعد من القوى الهامة التي ستؤثر على استراتيجيات طهران في البلاد، إلى جانب واشنطن.

** فرصة وتهديد

ترى إسرائيل أن الانسحاب الروسي من سوريا فرصة وتهديد في الوقت نفسه، ففي عام 2018، نفذت مقاتلات إسرائيلية غارة جوية على محافظة اللاذقية شمال غربي سوريا، ما أدى لضرب طائرة روسية كانت تحلق بالمنطقة من قبل أنظمة الدفاع الجوي لدى النظام السوري، وهو ما تسبب في أزمة كبيرة بين روسيا وإسرائيل، قبل احتوائها.

وصرح المسؤولون الإسرائيليون مرارا، بأنهم لا يردون على الوجود العسكري الإيراني في سوريا بالشكل الكافي، تجنبا لضرب طائرات أو وحدات عسكرية روسية عن طريق الخطأ.

وأدى عدم وجود الوحدات الروسية التي طالما شاركت عناصر النظام السوري في هجماته الجوية والبرية، بجبهات القتال إلى راحة نفسية لدى إسرائيل في هجماتها التي تستهدف العناصر الإيرانية.

ففي 12 و27 أبريل/نيسان الماضي، شنت إسرائيل هجمات جوية بالقرب من العاصمة دمشق، أدت لمقتل 4 جنود من قوات النظام السوري، حيث كانت الهجمات تستهدف في الأساس المليشيات الإيرانية.

وفي مايو/أيار الماضي، نفذت إسرائيل هجمات كثيفة على بلدة مصياف غربي حماة، حيث تتواجد المليشيات الإيرانية، وكان الهدف من الهجمات كسر سيطرة طهران في تلك المنطقة.

** عملية عسكرية تركية

يواصل تنظيم “بي كي كي” تكبد خسائر فادحة عقب عملية “المخلب-القفل” التي أطلقتها تركيا في أبريل الماضي، بهدف القضاء على التنظيم وامتداداته في شمال العراق.

أما الدول التي تقدم الدعم المادي والعسكري للتنظيم الإرهابي فتسعى من خلال الصحافة الدولية ووسائل الإعلام لديها للتشكيك في شرعية العمليات العسكرية التركية، ولذلك يكون لتلك العمليات خارج الحدود تأثير كبير على الساحة الدولية.

لمّحت تركيا إلى إطلاق عملية عسكرية جديدة تهدف لتشكيل منطقة آمنة بعمق 30 كيلومترا (داخل سوريا) لمنع انتشار التنظيم الإرهابي واستجماع قواه من جديد عقب التطورات الأخيرة في البلاد.

ولم يتم الإعلان بعد عن تفاصيل العملية إلا أنه يمكن القول إنها ستقضي على وجود “بي كي كي” على الحدود التركية، وستغير مساحات نفوذ القوى الموجودة في البلاد، إلى جانب دعم العودة الطوعية للكثير من السوريين في تركيا.

** الكاتبة: الدكتورة أمينة تشليك، خبيرة في قضايا الإرهاب والتطرف والإرهاب السيبراني.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
, ,
Read our Privacy Policy by clicking here