بمناسبة مجزرة سبايكر: اصحاب الاخدود في القرآن الكريم (الحلقة الرابعة)

الدكتور فاضل حسن شريف
يعتقد البعض أن أصحاب الأخدود هم المنتصرون بعد رمي المؤمنين في المقابر الجماعية. وهذا الاعتقاد باطل بل بالعكس انما الله جل جلاله يؤخر لهم العقاب ليزدادوا اثما كما قال الله سبحانه “وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَار” (ابراهيم 42).
إن الذين حكموا العراق لعقود سابقة هم آباء الذين اقترفوا جريمة سبايكر، فصدام و وزرائه وحاشيته هم قتلة وابنائهم قتله. فوجب على كل من ساعد او تعاطف مع اباء هؤلاء المجرمين قتلة ضحايا سبايكر أن يتبرأ من ذلك والا يحشر معهم يوم لا ينفع مال ولا بنون. وسيصبحون قوم صدام كما هم قوم فرعون كما قال الله عز من قائل “فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ (45) النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ (46) وَإِذْ يَتَحَاجُّونَ فِي النَّارِ فَيَقُولُ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنتُم مُّغْنُونَ عَنَّا نَصِيبًا مِّنَ النَّارِ (47) قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُلٌّ فِيهَا إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبَادِ (48) وَقَالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْمًا مِّنَ الْعَذَابِ (49)” (غافر 45-49).
جاء في أحد التفاسير عن قصة أصحاب الأخدود : كان هناك ملك له ساحر، لما كبر الساحر طلب من الملك أن يرسل له صبيًا يعلمه السحر، فبعث له غلامًا، وفي الطريق مر الغلام براهب جلس عنده سمع منه فأعجب بكلامه ،فصار يتردد عليه كلّما ذهب للساحر في يوم من الايام .حدث مشهد مهيب استغله الغلام، جاءت دابة وقطعت الطريق على الناس ، فأخذ حجرًا وقال: (اللهم إن كان أمر الراهب أحب إليك من أمر الساحر فاقتل هذه الدابة)، فرماها فقتلها ومضى الناس، فحكى الغلام الواقعة للراهب فقال له: بني، أنت اليوم أفضل مني، وإنك ستبتلى. ثم تطور عمل الغلام بأيمانه فأصبح يبرئ الأكمه والأبرص ويداوي الناس، كان صديق للملك أعمى، فسمع بأمر الغلام فأتاه فآمن بالله وشفاه الله. فسأله الملك من رد عليك بصرك فأخبره بأمر الغلام. فالقى القبض على الغلام واخذ يعذبه ليرجع عن دينه، وارسل على الراهب معلمه وشق رأسه بالمنشار. وحاول قتل الغلام ، في كل مرة يهلك جنود الملك ويعود الغلام سالمًا، فقال للملك: اتريد قتلي؟ قال نعم. قال له : أجمع الناس واصلبني على جذع نخلة وتأخذ سهم من كنانتي وتقول بسم الله رب الغلام ثم ارمني. فاني اخبرت ان هذا الفعل فيه مماتي. ولكنه قالها لإحياء الأمة. وهكذا يضحي الاولياء لإنقاذ الامة من نومتها. ففعل الملك، ومات الغلام، فهتف الناس (آمنا برب الغلام) فأمر الملك بحفر الأخاديد لكل من لم يرجع عن دينه ليُلقى فيها، ففعل الجنود حتى جاءت امرأة معها طفلها فتقاعست، فقال الصغير: (يا أماه اصبري فإنك على الحق)، فثبتها الله ولحقت بإخوانها في نار الأخدود. وعن العبرة من قصة الغلام: وعي الغلام بأهمية تثقيف الجماهير بعقيدتهم حتى لا يبقوا على الظلالة .وأنه مكلف بتوصيل الحق لهم فكان في آخر لحظات حياته يفكر بطريقه يوقظ بها وعيهم، فهو موقن أن الجماهير كنز استراتيجي لأي دعوة. ليس هو فقط فقد تجلت هذه الفكرة أيضًا في مواقف أخرى، استخدمها سيدنا موسى عليه السلام حين طلب من فرعون حشر الناس ضحى، وكذلك قوم سيدنا إبراهيم عليه السلام عندما جمعوا الناس ليشهدا عذابه. لان كلمة العدل والحق لا بد أن تكون واضحة بينه. وقد عملها رسول الله صلى الله عليه واله وسلم في فدك حين بلغ بولاية امير المؤمنين عليه السلام فقال (من كنت مولاه فهذا علي مولاه).
القرآن الكريم عادة لا يذكر أماكن وقوع القصص القرآنية ولا أسماء أصحابها والفترات الزمنية التي وقعت. فمثلا أين موقع الأخدود في سورة البروج، ومن هم أصحاب الاخدود او ملكهم او قائدهم، وفي أي زمن او وقت أي نبي. ان المهم في القصص القرآنية العبرة من القصة بأن لا تتكرر أمثالها مرة اخرى. فالذي يشارك الظالم في ظلمه سوف يلاقي الجزاء العادل في الدنيا والاخرة، وان المظلومين هم المنصورون في الدنيا والآخرة. فمظلوم المقابر الجماعية له الجزاء الأوفى في الآخرة بدخوله جنة الخلد اما اصحاب المقابر الجماعية فخاتمتهم الدنيوية الخزي والعار ولعذاب الآخرة اشد وأخزى. جاء في الحديث القدسي (يا عبادي، إني حرَّمتُ الظلمَ على نفسي وجعلتُه بينكم محرَّماً، فلا تظَّالموا). وقال الرسول صلى الله عليه واله وسلم (اتقوا الظلم فإنَّ الظلم ظلمات يوم القيامة). قال الله جل وعلا “وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْماً” (طه 111) و “أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ” (هود 18).
قال الله جل جلاله “وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ ” (البروج 7) أي أن القتلة أصحاب الاخدود يشاهدون المنظر المروع المؤلم بان هؤلاء المؤمنين بعقيدتهم وهي الإيمان بالله الخالق التي يرفضها أصحاب المقابر الجماعية.
كتب الدكتور علي الطويل عن سبايكر جرح الوطن الذي لا يندمل: فاننا نفتح ذلك الجرح العميق الذي تركه اخوة في الوطن والدين فاوغلوا في حقدهم بطعنهم الوطن في احشائه عبر قتلهم المئات من المتطوعين الفقراء المنزوعين من السلاح إلا من سلامة النية وحسن السريرة التي استغلها أصحاب ذلك الفكر الأسود ليوقعوا بهم في مصيدة احقادهم ثارا لجرذهم الذي أسقطته سياسته الرعناء قبل أن يسقط نظامه، لقد سجل آل صدام وعشيرته وانصارهم في ذلك اليوم انتصارا كبيرا ليس انتصار معركة بل انتصار القلب الاسود الحقود على طيبي القلوب وصادقي النية، و واهم من يظن أن القتلة كانوا من التنظيم نعم إن التنظيم كانوا سببا رئيسا من أسباب هذه المذبحة وعنصرا اساسيا فيها، ولكن من قتل اولئك المئات من المتطوعين هي البيئة التي احتضنت التنظيم والمجتمع الذي تربى على قتل الخصوم عبر عقود من الزمن بشعار (بعث تشيده الجماجم والدم) ولا يقوم إلا بالدماء ولا يشعر براحة الضمير الا من خلال ذلك الدم، كما أن من قتل هؤلاء المئات من المتطوعين هو ذلك العنصر الذي خلقه ورباه نظام البعث والدكتاتورية الصدامية، وهذا العنصر متجرد من الاخلاق والقيم والنبل والدين ومن ابسط مايتحلى به الانسان العربي ولكنه متسلح بالهمجية والرعونة وحب الدماء والتسلط ونهب وسلب ارواح الاخرين وأموالهم.
ومن عبر قصة أصحاب الاخدود ان شلة المنتفعين في كل قصة من قصص القرآن وفي كل زمان يعاقبهم الله جل جلاله كعقاب ملكهم او قائدهم او فرعونهم او طاغيتهم فهم أصحاب الاخدود وليس صاحب الاخدود لان الاصحاب هم الذين زينوا أفعال ملكهم وارسلوا له الرسائل بتشجيعه على فعلته المنكرة كما يفعل اليوم كتاب التقارير على الأبرياء والذين يمسكون المؤمنين ارضاءا لطاغيتهم أو يمدحونه بقصائدهم ومقالاتهم أو ما يسمى بالإعلام المنافق.
روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن سورة البروج أنه قال (من قرأ هذه السورة أعطاه الله من الأجر بعدد كل من اجتمع في جمعة وكل من اجتمع يوم عرفة عشر حسنات، وقراءتها تنجي من المخاوف والشدائد).
عن الملك الطاغية قائد اصحاب الاخدود (المقابر الجماعية): في تاريخ اليعقوبي: ذو نواس بن أسعد وكان اسمه زرعة. وفي الكامل لابن الأثير: ذو نواس بن تبان أسعد بن كرب. وفيه عن ابن عباس: أن اسمه يوسف بن شرحبيل وكان قبل مولد النبي صلى الله عليه وآله وسلم بسبعين سنة، وقد فصل اليعقوبي وابن الأثير ترجمته وأخباره.
تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here