زهير بهنام بردى  انسان وشاعر من طراز خاص

د. عامر ملوكا

زهير بهنام بردى عرفته كاسم منذ سنوات طويلة، ولكن أصبحنا أصدقاء وهذه من محاسن وسائل التواصل الحديثة قبل أكثر من ثلاث سنوات وكان شاعرنا الجميل وكونه شاعراً ومهنته التلاعب بالحروف على قلتها يصوغ منها كلمات وكما تقول ماجدة الرومي كلمات ليست كالكلمات، وأنا هنا لست بصدد تحليل ودراسة أشعار المبدع زهير لأن هناك من هم أهل لهذا النوع من التحليل والدراسة والنقد. بتاريخ 5 نيسان 2022 أنزل شاعرنا زهير قصيدة رثاء تحتوي فقط على عشرين كلمة وكأنها اختزلت مجلدات كثيرة من الشوق والحنين، وكأن كلماتها وحروفها تنزف الحزن، وكأن ذاكرتك لا تريد نسيان ذكرى رحيلها المؤلم وأردت أن تقول أن حبك لها أبدي لا يموت إلاّ بالموت ونص القصيدة:

كفى موتا

سرى

٠٠٠٠٠٠

سرى

لا تموتي كثيراً

أجلسي

مشطي شعرك

وأعيدي النبض لقلبك

لنعد إلى البيت

تأخرنا كثيراً

والمقبرة موحشة

٠٠٠٠٠٠

والترجمة الإنكليزية للنص:

Enough death

Sura

………..

Sura

Don’t die too much

Sit down

Comb your hair

And restore your heartbeat

Let’s go home

We’re too late

And the cemetery is desolate

وكتبت تعليقاً عليها بعد أن استوقفني النص كثيراً لأعيد قراءته مرات ومرات وأتأمل المعاني وما بين السطور وحاولت أن أستجمع مفرداتي لأعبر عن اعجابي بهذا النص وأن يرتقي لمستواه، ولكنني أشعر أني عاجز أمام هذه الصياغة الفائقة الفرادة أو التفرد وكمية العزاء والرثاء التي يحملها هذا النص.

نص التعليق:

(كلماتك لو سمعها الموت قبل ان يزور سرى لتردد ملايين المرات قبل ان يزورها ما هذا الوفاء الأبدي أستاذ زهير بكلماتك العشرين عبرت عن كل الوفاء الذي يحمله هذا العالم.)

في المقطع الأول ينادي باسم ابنته وكأنها معه وكأن الموت لم يزرها ويريد أن يعيش حال الوهم وكأنه لا يعرف أنها قد غادرت أو نامت نوماً طويلاً على أمل أن تلتقي بمحبيها بعد زمن يطول أو يقصر، وقد بدأ القصيدة بكفى موتاً وهنا يخاطب الموت من خلال سرى وكأن الموت حالة مجزأة ومرحلية وليست حالة مطلقة بين الوجود أو اللاوجود، ويحاول مخاطبته من خلال سرى بأن يسمح لها بأن تعود وقد ماتت كثيراً، ويستمر بمخاطبتها أجلسي مشطي شعرك وكأنها معه وكأن شيئا لم يحصل وأنه منذ زمن لم يرها وهي تمشط شعرها، ويترجاها أن تعيد النبض إلى قلبها لتعود للحياة وأن ترجع معه إلى البيت حيث تأخرت كثيراً وقلقه يزداد يوماً بعد يوم كلما طال هذا الغياب ويصل إلى خاتمة قصيدته بأنه خائف على سرى أن تبقى لوحدها في هذا المكان الموحش والمليء بالموت.

إنه الموت هذا الحدث التراجيدي، الذي يجعلنا نقف أمامه صامتين مندهشين، حيث تتبعثر كلماتنا، وتقف حائرة محاولةً العبور، ولكنها تبقى عاجزة، سوف نجمعها، ما تبعثر منها وما عصى، جميع الفلاسفة تحدثوا عن الموت وفكروا به كثيراً وهكذا هي العقول الحكيمة والرصينة وقال أفلاطون: “إنه بقدر ما يتعمق الإنسان في التثبت بفكرة الموت ويتوغل في التأمل فيه بقدر ذلك تتسع حكمته” وهكذا فان حال موتانا في القبور كأنهم يقولون لنا أننا هنا نسكن مطمئنين أجسادنا هنا وأرواحنا في السماء انتهى زمن الشقاء والتعب انتهى زمن حب المال والتضحية بكل شيء من أجله، لا زحمة ولا تنافس شريف أو غير شريف على مباهج الدنيا ولم نعد نتعامل مع الوحوش الآدمية والحيوانات البشرية، ولم يعد هناك ظالم أو مظلوم، لا نفكر بالغد وهمومه ولا نلهث وراء المصالح وكم نربح منها إنها نهاية القلق، والتعب والهم والتفكير، حيث أن الرثاء بأقسامه الثلاثة الندب والتأبين والعزاء ولكل قسم ظروفه وخصائصه وتندرج قصيدة شاعرنا زهير تحت قسم العزاء والذي يحاول به الراثي بيان أثر الفقيد ومدى تعلقه به وصورة الكمال للراحل. 

في قصيدته الرثائية يحاول شاعرنا أن يتجاوز مرحلة التأبين وهو يحاول أن يعبر إلى ما وراء الموت وانتقال الفقيدة وفي نفس الوقت اختراق عميق لحقيقتي الموت والحياة ومنطلقاً نحو فضاءات واسعة في تفسير فلسفة الوجود والعدم والخلود، وكثيراً ما تتميز معاني القصيدة الرثائية بالحكمة والهدوء كما بالغموض والعمق حيث تخترق كينونة النفس والكون.

وقد عانى شاعرنا الجميل بفقدان سرى متلازمة القلب المكسور فتؤدي إلى تأثر عضلة القلب وحصول تفاعلات ضارة في الجسم وأيضا نتيجة الحزن الشديد يدفع الدماغ إلى تكوين روابط عصبية جديدة ما يؤدي إلى اضطرابات صحية كثيرة.

وداعا زهير بردى بعد أن غادرتنا جسداً والى الابد ليدخل اسمك إلى الأبد الشعري.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here