البرلمان العراقي يطوي صفحة الصدر.. من الرابح الأكبر؟

طويت، الخميس، صفحة وجود التيار الصدري في البرلمان العراقي بعد أن أدى عشرات النواب الجدد اليمين الدستورية كبدلاء عن النواب الصدريين الذين استقالوا في وقت سابق بناء على طلب من زعيمهم مقتدى الصدر.

وأجمع مراقبون أن المرحلة المقبلة للمشهد السياسي في العراق، “صعب التوقع” ربما ستكون مشابهة لما جرى بعد انتخابات 2018 عندما تشكلت حكومة لم تصمد سوى عام واحد على وقع الاحتجاجات الشعبية.

وكانت الكتلة الصدرية المكونة من 73 نائبا استقالت في 12 من الشهر الجاري بعد جمود استمر شهورا بشأن تشكيل حكومة جديدة مكونة من الفائزين كما ردد الصدر، قابلتها دعوات من قبل قوى الإطار التنسيقي المدعوم من إيران لتشكيل حكومة “توافقية” تضم الجميع.

بلغ عدد النواب الذين أدوا اليمين الدستورية، الخميس، 64 نائبا وغاب تسعة نواب لأسباب غير معلومة، وفقا للمكتب الإعلامي للبرلمان.

حصل الإطار التنسيقي على 40 من مقاعد التيار الصدري، بحسب إحصاء أعدته فرانس برس بناء على الأرقام التي صدرت عن مفوضية الانتخابات.

وهذا يعني أن عدد نواب الإطار التنسيقي زاد إلى نحو 130 ما يجعله القوة الأكبر داخل مجلس النواب ويتيح له تعيين رئيس للوزراء وتشكيل الحكومة بالتحالف مع كتل برلمانية أخرى.

ويضم الإطار كتلا شيعية أبرزها دولة القانون بزعامة رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي وكتلة الفتح.

ويرى الباحث في الشأن السياسي العراقي فلاح المشعل أن “ما حصل اليوم لا ينبئ بإمكانية تشكيل حكومة جديدة بوقت قريب”.

ويقول المشعل إن “هناك إشكاليات كبيرة سواء داخل الإطار وأطرافه المتنافسة، وخارجه أيضا وتتعلق بالكتل الأخرى الكردية والسنية التي كانت متحالفة مع الصدر”.

ويضيف المشعل أن “هذه الخلافات بالتأكيد ستؤخر تشكيل الحكومة والتصويت على اختيار رئيس جديد للجمهورية”.

وفشل البرلمان ثلاث مرات في انتخاب رئيس جديد، بسبب عدم إمكان تحقيق نصاب الثلثين المطلوب داخل البرلمان لتمرير الرئيس، مما أدخل البلاد في مرحلة فراغ دستوري دون حل قريب يلوح في الأفق.

بالإضافة لذلك فإن “خروج الصدر من المشهد، سيزيد التعقيد، في ظل وجود شارع ضاغط متخم بالأزمات وضرورات الحياة المفقودة، وهذا ما سيعقد المشهد أكثر”.

حاول الصدر خلال الفترة الماضية تشكيل حكومة “أغلبية” مع تحالف “إنقاذ وطن” الذي يضم سنة وأكرادا. أما خصومه في الإطار التنسيقي الموالي لإيران، فيريدون حكومة توافقية تضم جميع القوى الشيعية كما جرت عليه العادة.

والأربعاء، اتهم الصدر “أذرع” طهران بممارسة “انتهاكات سياسية” ضد القضاء العراقي في محاولة منها “لتجييرها لصالحها”.

وشدد الصدر أن هذه القوى التي لم يسمها بشكل صريح، “تحاول ممارسة ضغوط ضد الكتل السياسية الأخرى سواء مستقلين أو الكتل غير الشيعية” مع اقتراب موعد عقد جلسة طارئة للبرلمان.

بالمقابل يرى المحلل السياسي غالب الدعمي في حديث لموقع “الحرة” أن “حظوظ الإطار باتت متيسرة جدا لتشكيل حكومة، على الرغم من وجود خلافات داخلية في صفوفه”.

يقول الدعمي: “بالنهاية الإطار مسيطر عليه خارجيا وليس داخليا وبالتالي القوى المحركة له يمكنها توزيع الأدوار وحل هذه المشاكل” في إشارة منه لإيران.

يعتقد الدعمي أن الإطار التنسيقي سيشكل حكومة جديدة “بسهولة ويفرض إرادته على السنة والكرد، وربما هذا سيكون سببا في خلق أزمات جديدة”، مضيفا أن “الإطار لديه أصلا أزمة شيعية مع التيار الصدري، وستكون هناك أزمة مع السنة والكرد، ما يعني أن الحكومة المقبلة ستكون أمامها عراقيل كثيرة”.

الدعمي انتقد خطوة الصدر الأخيرة بالانسحاب من البرلمان مضيفا أن “التيار الصدري سلم سلاحه وقوته في البرلمان والحكومة وقدمها على طبق من ذهب لخصومه”.

ويضيف أنه “كان الأجدى بالصدر عدم الانسحاب والاتجاه بدلا عن ذلك إلى المعارضة داخل البرلمان، بعد أن فشل في تشكيل حكومة أغلبية، وبالتالي يبقى قويا لأنه يمتلك لجانا ومنصب نائب رئيس البرلمان وغيرها”.

ومع ذلك يعتقد الدعمي أن السبب الحقيقي لخطوة الصدر هو أنه “أراد ألا يكون جزءا من حكومة فاشلة وربما يخسر المزيد من الأنصار”.

في تحليل نشر، الأربعاء، على موقع مركز أبحاث “المجلس الأطلسي” قال نائب مساعد وزير الخارجية الاميركي لشؤون إيران والعراق السابق أندرو بيك إن قرار الصدر بالتخلي عن فوزه الانتخابي وانهيار مساعيه لتشكيل حكومة جديد يعتبر بمثابة “هدية لإيران”.

وأضاف بيك أن الخطوة وجهت ضربة للعراقيين العاديين الذين تظاهروا في 2019 من أجل إنهاء النظام السياسي الطائفي وقتلوا نتيجة لذلك.

كما أنها تعد ضربة للولايات المتحدة التي كانت لديها فرصة للمساعدة في الحد كثيرا من النفوذ الإيراني الخبيث الذي ازداد في العراق منذ بعد عام 2003، وفقا لبيك.

واختتم بالقول “كانت تلك الخطوة بمثابة خسارة لواشنطن، لكنها كانت خسارة أكبر للعراقيين والأغلبية التي صوتت من أجل التغيير”.

في السياق ذاته يشير المحلل السياسي الدعمي إلى أن “ما يعول عليه التيار الصدري إذا فشلت الحكومة الجديدة، والواضح أنها ستفشل، هو التوجه لدعم الاحتجاجات المتوقعة ضدها”.

ويتفق المشعل مع هذا الطرح ويرى أن “كل القراءات والمؤشرات تؤكد أن أي حكومة يشكلها الإطار التنسيقي ستكون مشابهة لحكومة عادل عبد المهدي أو ربما أسوأ”.

ويضيف المشعل “حاليا نرى هناك إعادة تدوير لنفس القوى السياسية وانتاجها بطريقة سيئة جدا، ولهذا ستكون هناك ردات فعل شعبية قوية وغاضبة جدا”.

ابتعاد الصدر عن عملية تشكيل الحكومة ربما “يلقي بالمشهد السياسي العراقي في المجهول” وفقا لتحليل نشرته صحيفة “واشنطن بوست” وأعده كل من الباحث في مركز كارنيغي للشرق الأوسط ريناد منصور والزميل في جامعة أرهوس الدنماركية بنديكت روبن دكروز.

ينقل التحليل عن مقابلات أجراها الباحثان مع شخصيات بارزة داخل جماعة الصدر القول إنه زعيم التيار الصدري قد يركز الآن على قيادة الاحتجاجات ضد خصومه.

ويضيف أن كبار قيادات الصدريين يعتقدون أن خصومهم الرئيسيين، كالمالكي وقادة الحشد الشعبي، من غير المرجح أن يحصلوا على دعم كافٍ من الأحزاب الأخرى لتشكيل حكومة في غيابه.

ويتابع أنه “حتى لو نجح خصوم الصدر لي تشكيل حكومة، فإن قيادات الصدريين يقولون إن الصدريين يمكنهم الإطاحة بها من خلال الاحتجاجات”.

لكن مع ذلك يعتقد الباحثان أن شعبية الصدر في الشارع لم تعد كما في السابق، وخاصة في صفوف المحتجين، الذين يعتقدون أن أتباع الصدر قمعوا الاحتجاجات بعنف في عام 2020.

بالتالي ربما سيعقد هذا الأمر جهود الصدر للعودة للشارع مجددا وقد يجد الصدريون صعوبة في استمالة الاحتجاجات لصالحهم وفقا للتحليل.

ويختتم تحليل صحيفة “واشنطن بوست” بالقول إن “الصدر قد يشعر قريبا أن هذا هو الوقت الخطأ للابتعاد عن البرلمان والعودة إلى الشوارع”.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
,
Read our Privacy Policy by clicking here