بسبب سياسات تركيا وإيران للاستيلاء على موارد المياه.. العراق عام 2040 بلا أنهار

معد فياض

يمر العراق بواحدة من أسوأ أزماته في موضوع المياه، والبلد على حافة التصحر بعد أن جفت بالفعل بحيرات: ساوة وحمرين وشحت مياه نهري دجلة والفرات، وارتفعت نسب الاملاح والتلوث في مياه شط العرب، نتيجة السياسات التي تمارسها تركيا، بالدرجة الأولى بسبب السدود التي أنشأتها على نهري دجلة والفرات.

جديرٌ بالذكر أن ملف المياه يشهد توتراً بين البلدان الثلاثة: تركيا وسوريا والعراق، والأخير عارض بشدة إنشاء آخر السدود التركية الكبيرة، سد إليسو، ضمن مشروع جنوب شرق الأناضول، على نهر دجلة.

ووفقاً لتوقعات “مؤشر الإجهاد المائي” فإن العراق سيكون أرضاً بلا أنهار بحلول عام 2040، ولن يصل النهران العظيمان إلى المصب النهائي في الخليج العربي، وتضيف الدراسة أنه في عام 2025 ستكون ملامح الجفاف الشديد واضحة جداً في عموم البلاد مع جفاف شبه كلي لنهر الفرات باتجاه الجنوب، وتحول نهر دجلة إلى مجرى مائي محدود الموارد.

دجلة والفرات

وكان العراق، ولوجود نهري دجلة والفرات، يعتبر من الدول الغنية بموارده المائية حتى السبعينات من القرن الماضي، ففي ذلك الوقت، بدأت سوريا وتركيا بناء السدود على نهري دجلة والفرات مما تسبب بنقصان كبير في تصاريف الأنهار الواردة إلى العراق، وكذلك بدأت نوعية المياه بالتردي. وتسبب هذا الوضع باهتمام أكبر بالحصص المائية لكل دولة متشاطئة في حوضي نهري دجلة والفرات لما له من تأثير كبير على الأمن الوطني واستراتيجيات التنمية لهذه الدول.

وينبع نهر دجلة من جنوب شرق تركيا ويبلغ طوله 1718 كيلومتراً، ويعتبر ثاني أطول نهر جنوب غرب آسيا، وتبلغ مساحة حوضه 472.606 كيلومترات مربعة يمر منه في تركيا (%17)، وفي سوريا (%2)، وإيران (%29) والعراق (%52). أما نهر الفرات فينبع أيضاً من جنوب شرق تركيا ويبلغ طوله 2781 كيلومتراً ومساحة حوضه تبلغ 444000 كيلومتر مربع يقع 28% منها في تركيا و17.1% في سوريا والمتبقي 39.9% في العراق.

نهر دجلة

الموارد المائية في العراق تعتمد بصورة رئيسية على نهري دجلة والفرات اللذين يجريان من تركيا شمالاً باتجاه الجنوب. ويلتقي النهران جنوب العراق في القرنة ليشكِّلا ما يُعرَف بشط العرب، ويأتي معظم مياه النهرين من تركيا بنسبة (71%)، وتليها إيران (%6.9)، ثم سوريا (%4)، والمتبقي من داخل العراق. وعند تحليل هذه النسب نجد أن 100% من مياه نهر الفرات و67% من مياه نهر دجلة تأتي من خارج العراق، أما تصاريف نهري دجلة والفرات فتصل إلى معدل قدره 30 كيلومتراً مكعباً سنويّاً إلا أن هذا الرقم يتذبذب بين 10 إلى 40 كيلومتراً مكعباً اعتماداً على الظروف المناخية. وفيما يتعلق ببقية مصادر المياه في العراق غير نهري دجلة والفرات، فهي تحديداً المياه الجوفية، لكن كمياتها محدودة جدّاً، وقد أشار البنك الدولي إلى أن حجم هذه المياه يبلغ 1.2 بليون متر مكعب وتمثل فقط 2% من المياه المستهلكة في العراق.

واحد من أبرز الاسباب الداخلية لشحة المياه، إضافة للتصحر وتلوث مياه نهري دجلة والفرات وارتفاع نسبة الاملاح في شط العرب، هو سوء إدارة الموارد المائية بعد العام 2003، حيث تولى مسؤولون غير مؤهلين مؤسسات الدولة المعنية بإدارة الموارد المائية مما أدى إلى تفاقم الأزمة المائية، وقد تسبب غياب الأهلية بعدم قيام وزارة الموارد المائية العراقية ببذل أي مجهود لمحاورة دول الجوار لتأمين حصة العراق المائية إطلاقاً. أما على الصعيد الداخلي، فقد تركت الوزارة عمليات صيانة مشاريع الري والبزل وحاليّاً لا يعمل أكثر من 15% من هذه المشاريع. كما قامت الوزارة بمنح حصص مائية لأراض خارج مناطق الإرواء وتحوير شبكات الري من أجل ذلك خلافاً لكل التعليمات ولتحقيق مصالح شخصية، وغابت أية خطة لتشغيل السدود مما أدى إلى انخفاض خزين المياه في هذه السدود إلى أدنى مستوياته، وإضافة إلى ما تقدم، قامت الوزارة بغمر أراض ضحلة كالأهوار مما أدى إلى زيادة الملوحة في هذه المناطق. ناهيك عن ان العراق لا يخزن الفائض من مياه دجلة والفرات بل يتركه يمضي إلى الخليج العربي دون الاستفادة منه.

اتفاقيات ومعاهدات

حسب الوثائق فإن هناك عشرات الاتفاقيات والمعاهدات التي تم ابرامها بين العراق وتركيا لينال العراق حصته القانونية من مياه دجلة والفرات، وغالبية، إن لم تكن جميع هذه الاتفاقيات لم يتم الالتزام بها سواء من قبل تركيا أو سوريا، وهكذا حل الجفاف، تقريباً، في البلاد التي كانت تسمى، منذ آلاف السنين، وادي الرافدين، أو بلاد ما بين النهرين (دجلة الفرات)، حيث قامت اعظم الحضارات على ضفتي النهرين.

لا توجد هناك قوانين دولية حاسمة في موضوع النزاعات بين الدول حول المياه، لكن هناك تفاهمات واتفاقيات وقعت، لأمور متعلقة باستغلال الأنهار لغير أغراض الملاحة، والتي ترفض تركيا (وكذلك إيران) توقيع ما يماثلها، حيث قامت هاتان الدولتان بتشييد السدود والمحطات الكهرومائية والمشاريع الإروائية، وبدون موافقة أو حتى أخذ رأي الدولتين سوريا والعراق الواقعتين أسفل الأنهار الدولية المشتركة، ومن هذه الاتفاقات والمعاهدات، خاصة فيما يهم العراق وتركيا، نذكر:

* الاتفاقية المعقودة أثناء مؤتمر جنيف الثاني للمواصلات في تشرين الثاني 1933 حول “استخدام القوى المائية في الأنهار الدولية”، والتي جاء فيها: أن على كل دولة تحتفظ في حدود قواعد القانون الدولي، بأن تقوم في إقليمها بجميع الأعمال التي تراها ملائمة لاستخدام القوى المائية ما لم تكن هذه الأعمال تمس إقليم دولة أخرى، أو كان يترتب عليها أضرار جسيمة بدولة أخرى. وفي هذا الصدد يتعين قبل تنفيذها التفاوض بين الدول التي يهمها الأمر للوصول إلى اتفاق بشأنها.

* إعلان الدول الأميركية في كانون الثاني 1933، والذي اشتمل على مبادئ تعكس التعاون بين الدول ذات الأنهار المشتركة في مجال استخدام المياه الدولية في الأغراض غير الملاحية، وفي استغلال الموارد المائية الدولية لتوليد الطاقة الكهرومائية، وفي الأغراض الزراعية والصناعية. حيث تضمن الإعلان الحق لكامل الدول في استغلال ما يقع تحت سيادتها من مياه الأنهار الدولية للأغراض المشار إليها، مع التأكيد على أنه لا يحق لأية دولة القيام بتغيير مجرى النهر الدولي لهذه الأغراض دون موافقة الدول ذات الأنهر المشتركة، والتأكد من عدم الإضرار بمصالح هذه الدول. وكذلك عليها، وقبل القيام بأي مشروع، إخطار الدول الأخرى وإرفاق جميع الوثائق الفنية اللازمة لمعرفة صلاح المشروع. وفي حال تعذر الوصول إلى اتفاق بالطرق الدبلوماسية، يُلجأ إلى المعاهدات الجماعية والاتفاقيات السارية في القارة الأميركية.

من الملاحظ أن جميع المعاهدات أعلاه، وغيرها، تنص صراحة على أن أحكامها هي تطبيق لقواعد القانون الدولي، والمقصود بالقانون الدولي هنا، هو ليس مجموعة قوانين محددة يمكن الإشارة إلى رقم القانون وتاريخه، وماذا يحدث في حالة عدم تنفيذه، ولكن المقصود به هو توجهات عامة يمكن الرجوع إليها كدليل عمل، مثل حسن الجوار، وعدم إلحاق ضرر “بالغ” بالدول المجاورة، والتشاور، والإنصاف، والعدل، وغيرها، وكلها أمور عامة.

* نشير هنا إلى معاهدة الصداقة وحسن الجوار الموقعة بين العراق وتركيا في 29 آذار 1946، والتي يتحدث عنها العديد من الكتاب باعتبارها جزءاً من القانون الدولي في تنظيم العلاقة المائية بين دولتين. ويتضمن نص المعاهدة التي تقع في سبع مواد، مع ست بروتوكولات، منها البروتوكول “بشأن تنظيم مياه دجلة والفرات وروافدهما”.

* أُبرمت ،الاتفاقية السورية التركية، عام 1987 لتقاسُم مياه نهر الفرات بينهما خلال فترة ملء حوض سد أتاتورك، التي امتدت إلى 5 سنوات. ونصت ’الاتفاقية المؤقتة‘ على تعهد الجانب التركي بأن يوفر معدلاً سنويّاً لا يقل عن 500 متر مكعب في الثانية عند الحدود على نحوٍ مؤقت إلى حين الاتفاق على التوزيع النهائي لمياه نهر الفرات بين البلدان الثلاثة التي يجري في أراضيها.

* في 1989 وقعت سوريا اتفاقيةً تقتضي أن تكون حصة العراق الممررة إليه على الحدود السورية العراقية قدرها 58% من مياه الفرات، في حين تكون حصة سوريا 42% من مياه النهر. ولاحقاً وقَّع كلٌّ من العراق وتركيا وسوريا مذكرة تفاهم في 3 سبتمبر 2009، من أجل تعزيز التواصل داخل حوض دجلة والفرات، وتطوير محطات مشتركة لمراقبة تدفق المياه.

* في ديسمبر 2014، وقع العراق وتركيا مذكرة تفاهم في مجال المياه، تتضمن 12 مادة، أبرزها تأكيد أهمية التعاون في مجال إدارة الموارد المائية لنهري دجلة والفرات، وتحديد الحصة المائية لكل دولة في مياه النهرين.

الاتفاق الناجح مع تركيا

يذكر عدنان الباجه جي، أن واحدة من الانجازات المهمة التي حققها في مباحثاته المبكرة مع تركيا حول حقوق العراق في مياه نهر الفرات، عندما كان وزيراً للدولة للشؤون الخارجية عام 1966: “زارني السفير التركي لدى العراق في مكتبي ببغداد ونقل لي شكر وتقدير حكومته لموقفي لدى الأمم المتحدة من قضية قبرص التي ساندتهم فيها خلال سنوات عملي كمندوب دائم للعراق في المنظمة الدولية، ووجه لي باسم الحكومة التركية دعوة لزيارة تركيا، وقد حثني رئيس الحكومة عبد الرحمن البزاز لقبول الدعوة، وقد لبيت الدعوة بعد وصولي من نيو يورك إلى العراق بشهر”.

ويتحدث الباجه جي عن تفاصيل زيارته إلى تركيا، قائلاً: “في أنقرة حظيت باستقبال حافل يليق برئيس دولة مع أني كنت وزيراً للدولة وليس وزيراً للخارجية، وأقاموا لي الاحتفالات والتقيت رئيس الوزراء سليمان دميريل، ووزير الخارجية إحسان صبري. وقد رد وزير خارجية تركيا الزيارة حيث جاء إلى بغداد ودخلنا في مفاوضات حول حصة العراق من مياه نهر الفرات ووقتها جعلته يقبل بالتفاوض وفق مبدأ الحقوق التاريخية المكتسبة”.

ويشير إلى تعليق السفير البريطاني ببغداد على هذه المباحثات في تقريره المرسل إلى وزارة خارجيته في 31 مايو (آيار) عام 1966، والذي جاء فيه “إن موافقة تركيا على الالتزام بنصوص القانون الدولي الخاصة بمياه الأنهار المشتركة قد اعتبرت هنا على أنها نصر للدبلوماسية المثابرة التي ينتهجها الباجه جي”.

آخر المحادثات

في أيلول من العام الماضي، أعلنت وزارة الموارد المائية العراقية، عن بدء تركيا والعراق في تفعيل بنود اتفاق جديد حول تقاسُم مياه نهري دجلة والفرات، بما يضمن توزيعاً عادلاً للمياه، ومن أهم ما جاء في الاتفاق إنشاء مركز بحثي مشترك للمياه بين البلدين.

وأكد وزير الموارد المائية العراقي، مهدي رشيد الحمداني، أن ”مذكرة التفاهم تتضمن التزام الجارة تركيا بإطلاق مياه عادلة ومنصفة للعراق إلى نهري دجلة والفرات“، مع الإشارة إلى قرب المباشرة في إنشاء المركز البحثي المشترك في العاصمة بغداد، ليكون انطلاقةً لعهد جديد في العلاقات الثنائية العراقية التركية على صعيد المياه.

الدور الإيراني

لإيران وسياساتها دور سلبي في جفاف العديد من الأنهر والأراضي في المناطق العراقية المحاددة لها، في شمال وشرق وجنوب العراق. وكشف مسؤولون عراقيون عن إنشاء إيران سدوداً جديدة على روافد نهر دجلة، الذي يعتمد عليه العراق بالسقي، مؤكدين أن إيران ترفض تقاسم التفاوض مع الجانب العراقي بشأن حصته المائية رغم الخزين المائي الكبير لديها، محذرين من أن أزمة المياه تجاوزت حدود الزراعة لتهدد حتى مياه الشرب.

وتعد محافظة ديالى، المرتبطة حدودياً مع إيران، الأكثر تضرراً من بين المحافظات العراقية الأخرى بسبب قطع إيران لروافد نهر دجلة، ما تسبب بانخفاض مناسيب المياه في نهر ديالى إلى ما يزيد عن 90% ما دفع وزارة الزراعة العراقية إلى استثنائها من الخطة الزراعية بشكل كامل، كما تسبب ذلك بتعطل الكثير من مشاريع مياه الشرب بسبب عدم وجود مياه في الأنهر التي تعمل عليها.

يذكر أن إيران أقدمت على قطع المياه عن أكثر من 45 رافداً وجدولاً موسمياً كانت تغذي الأنهار والأهوار في العراق، أهمها أنهار الكرخة والكارون والطيب وألوند، وآخرها نهر هوشياري الذي يغذي محافظة السليمانية.

الجفاف يهدد أنهار العراق

وكانت الحكومة العراقية قد أعلنت عن أن إيران أوقفت منابع نهر ألوند الداخلة إلى الأراضي العراقية بشكل كامل، وهي خطوة رأى المسؤولون العراقيون أنها تؤثر على الزراعة والثروة الحيوانية في مناطق محافظة ديالى التي تبعد أراضيها الزراعية عن نهري دجلة والفرات.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
, ,
Read our Privacy Policy by clicking here