الفحوالوجيا عِلم المعاني والدلالات

حسن عجمي

الفحوالوجيا مشتقة من “فحوى” و “لوجيا” بمعنى عِلم. وبذلك الفحوالوجيا عِلم الفحوى الذي يدرس الفحوى علمياً فيعتبر أنَّ الفحوى معادلة رياضية مفادها التالي: الفحوى = المعنى × الدلالة. من هنا، لا يوجد فحوى لأية كلمة أو عبارة بلا معنى و دلالة.

مثل ذلك التالي: عبارة “الكون موجود” لها فحوى لأنها تملك معنى من جراء إمكانية وصف الكون على أنه موجود و لها دلالة لكونها دالة على الكون بفضل وصفه على أنه موجود. أما عبارة “العدد خمسة متزوِّج” فلا فحوى لها لأنها خالية من معنى و دلالة. فعبارة “العدد خمسة متزوِّج” بلا معنى و دلالة لأنَّ الأعداد لا تتزوّج ولذلك هي بلا فحوى. كل هذا يشير إلى صدق معادلة الفحوالوجيا القائلة بأنَّ الفحوى = المعنى × الدلالة. و إن امتلكت عبارةٌ فحوى رغم عدم امتلاكها لمعنى و دلالة فحينئذٍ المعادلة السابقة كاذبة. بذلك من الممكن اختبار معادلة الفحوى ما يضمن أنها معادلة علمية (لكونها قابلة للاختبار) فيؤسِّس للفحوالوجيا كعِلم للفحوى.

أما المعنى فمعادلة رياضية مضمونها التالي: المعنى = قِيَم الصدق × شروط النطق. أما قِيَم الصدق فهي التي بفضلها تكون العبارات إما صادقة و إما كاذبة كأن تكون عبارة “الثلج أبيض” صادقة إذا و فقط إذا الثلج أبيض بينما شروط النطق فهي التي تسمح بِنطق العبارات كأن يكون من المسموح معرفياً أن ننطق عبارة “الثلج أبيض” متى أدركنا أنَّ الثلج أبيض. نحتاج إلى قِيَم الصدق و شروط النطق لتحديد المعنى ولذلك المعنى = قِيَم الصدق × شروط النطق. مثل ذلك هو أنَّ عبارة “الثلج أبيض” تعني الثلج أبيض لأنَّ عبارة “الثلج أبيض” صادقة إذا و فقط إذا الثلج أبيض. فإن لم تكن عبارة “الثلج أبيض” صادقة إذا و فقط إذا الثلج أبيض فحينئذٍ عبارة “الثلج أبيض” لا تعني الثلج أبيض. لذا قِيَم صدق عبارة “الثلج أبيض” تحدِّد معنى “الثلج أبيض”. لكن بالإضافة إلى احتياج المعاني إلى قِيَم الصدق تحتاج أيضاً إلى شروط النطق. و مثل ذلك أنَّ كلمة “مرحبا” مالكة لشروط نطق ولا تملك قِيَم صدق فلا نقول إنَّ “مرحبا” صادقة أو كاذبة أي مطابقة للواقع أو غير مطابقة للواقع ولكنها تملك شروط نطق كشرط استخدامها للترحيب. فكلمة “مرحبا” تعني الترحيب لأنها تستوفي شرط النطق بها متى أردنا الترحيب بأحد. من هنا، نحتاج أيضاً إلى شروط النطق في معادلة تعريف المعنى. كل هذا يرينا احتياج المعاني إلى قِيَم الصدق وشروط النطق معاً ما يبرهن على أنَّ المعنى = قِيَم الصدق × شروط النطق.

بالإضافة إلى ذلك، عبارة “العدد خمسة متزوِّج” بلا معنى لأنها خالية من قِيَم الصدق و شروط النطق ما يؤكِّد مجدّداً على أنَّ المعنى = قِيَم الصدق × شروط النطق. عبارة “العدد خمسة متزوِّج” لا تملك قِيَم صدق لأنه من المستحيل أن تكون صادقة كما من المستحيل أن تكون كاذبة. فهي غير صادقة و لا كاذبة بالضرورة لأنَّ الأعداد لا تكون متزوّجة أو غير متزوّجة. كما أنَّ عبارة “العدد خمسة متزوِّج” لا تملك شروط نطق لاستحالة وجود أي ظرف أو شرط يسمح لنا بالنطق بها من جراء استحالة أن تتزوّج الأعداد أو أن لا تتزوّج. من هنا، غياب قِيَم الصدق و شروط النطق يجعل بعض العبارات بلا معان ٍ كعبارة “العدد خمسة متزوِّج” وبذلك قِيَم الصدق و شروط النطق معاً تحدِّد المعاني ما يشير إلى صدق معادلة أنَّ المعنى = قِيَم الصدق × شروط النطق.

من جهة أخرى، الدلالة = وصف × علاقة سببية. بكلامٍ آخر، الكلمة أو العبارة “أ” تدلّ على الواقع أو الممكن (أ) إذا و فقط إذا الكلمة أو العبارة “أ” مُستخدَمة في سياق يصف (أ) بالإضافة إلى أنَّ (أ) سَبَّبَ استخدام “أ”. مثل ذلك أنَّ إسم “سقراط” يدلّ على سقراط الفيلسوف إذا و فقط إذا استخدمنا الإسم “سقراط” في سياق أو خطاب يصف الفيلسوف اليوناني سقراط الذي أنتج المنهج السقراطي القائم على طرح تعاريف للمفاهيم و من ثمّ نقدها وإظهار لاعقلانياتها بهدف استبدالها بتعاريف فلسفية أفضل. هكذا الدلالة كامنة في الوصف.

لكن من الممكن أن تكون أوصافنا خاطئة كأن يكون وصفنا لسقراط وصفاً خاطئاً. لذلك لا بدّ من تعريف الدلالة أيضاً من خلال العلاقات السببية كأن يكون الإسم “سقراط” دالاً على الفيلسوف سقراط إذا و فقط إذا الفيلسوف سقراط ذاته سَبَّبَ استخدام الإسم “سقراط”. وتفصيل ذلك أنَّ وجود الفيلسوف سقراط أدى إلى تداول إسمه في حوارات أفلاطون ما سمح بقراءة إسمه في تلك الحوارات فسَبَّبَ استخدامنا لإسم سقراط. فالعلاقة السببية التي تربط بين الوجود الفعلي للفيلسوف سقراط واستخدامنا لإسم سقراط تضمن أننا نتكلّم فعلاً عن سقراط الفيلسوف بدلاً من شخص آخر. كل هذا يرينا أنه لا بدّ من تحليل الدلالة من خلال الوصف والعلاقة السببية ما يبرهن على صدق المعادلة القائلة بأنَّ الدلالة = وصف × علاقة سببية.

الفحوالوجيا عِلم المعاني والدلالات لكونها تعرِّف الفحوى والمعنى والدلالة على أنها معادلات رياضية و ذلك على النحو التالي: الفحوى = المعنى × الدلالة بينما المعنى = قِيَم الصدق × شروط النطق. ولكن الدلالة = وصف × علاقة سببية. من هنا، قِيَم الصدق و شروط النطق والأوصاف والعلاقات السببية تبني وتحدِّد الفحوى ما يربط الفحوى بما نملك من شروط نطق وأوصاف (المرتبطة بنا لكوننا نحن مَن نصوغ الأوصاف ونستوفي شروط النطق) و ما يربط الفحوى أيضاً بما يوجد في الواقع بفضل قِيَم الصدق والعلاقات السببية. بذلك قدراتنا البشرية (المتمثلة بشروط النطق والأوصاف) بالإضافة إلى ما يوجد في الواقع (من وقائع

متمثلة بالعلاقات السببية و قِيَم الصدق) تُشكِّل الفحوى. هكذا تنجح معادلات الفحوالوجيا في ربط الفحوى بنا و بالواقع معاً ما يعزِّز صدقها وتفوّقها المعرفي.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here