لماذا ؟، لماذا ؟، لماذا ؟، هذه الكلمات الثلاث، اقدمها الى الشباب العراقي النبيه.

لماذا ؟، لماذا ؟، لماذا ؟، هذه الكلمات الثلاث، اقدمها الى الشباب العراقي النبيه. (*) بقلم د. رضا العطار

لماذا اخترت اداة الأستفهام هذه، عنوانا لمقالي هذا ؟ – – – لأن الثقافة العربية معروفة منذ زمن طويل، بانها ثقافة الأجوبة، وليست ثقافة الأسئلة.

الأسئلة في معظم الأحيان ليست ممنوعة فقط، ولكنها محرّمة ايضا.

وما من أمّة عاقبت السائلين على اسئلتهم كما عاقبت الأمة العربية سائليها.

فكل المثقفين والفلاسفة والفقهاء والشعراء والحكماء، الذين سُجنوا وعذبوا وشنقوا طيلة 14 قرنا مضت، كانوا ضحايا اسئلتهم – – – فالثقافة العربية منذ ذلك الحين كانت وما زالت ثقافة الأجوبة عن اسئلة، غير موجودة – – ومن هنا جاء عنوان هذا المقال. لماذا؟ .

ولماذا هنا في هذا المقال هي اسئلة قليلة من بين ملايين الاسئلة التي تعج بها صدور العرب، ولا يستطيعون طرحها على المفتي والخطيب والفقيه والمثقف والسياسي والحاكم والحارس والحاجب، لان السؤال غال ويكلف احيانا حياة الانسان في مجتمعات التخلف والعبودية – – فليس بين شعوب الارض شعب يملك من الأسئلة بقدر ما يملك العرب الان. وليس بين شعوب الارض شعب لا اجوبة عن اشئلته، كما هو حال العرب الان – – – العرب في الماضي والحاضر، امة الأجوبة التي لا سؤال عنها، وليست امة الاسئلة، التي لا جواب لها.

ان سر تقدم بعض الشعوب ورقيها، انها سألت كثيرا واجابت قليلا – ونحن اجبنا كثيرا وسئلنا قليلا، وكانت معظم اجاباتنا مجانية ومكررة، عن اسئلة قليلة ماضية.

الحضارة والثقافة المبدعة هي الحضارة والثقافة السائلة. والامة السائلة هي الامة الناقدة لنفسها نقدا ذاتيا مريرا. ان حضارة وثقافة النقد الذاتي هي الحضارة المبدعة – – والامة السائلة هي الامة الحرة. – – – فكلما زادت مساحة الحرية في امة من الامم، زادت اسئلتها – وكثرة الاسئلة في امة من الامم عنوان الحرية ودليلها – – خلو الثقافة العربية من الاسئلة هو سر موت الفلسفة العربية التي لمعت حينا من الدهر، ثم خبت وانطفأت نهائيا بعد القرن العاشر الميلادي والى الان.

ألم نقفل باب الاجتهاد دهورا طويلة ؟ – – ألم نحرم تدريس الفلسفة والمنطق ؟ – – ألم نقل : من تمنطق فقد تزندق ؟ – – – اليست الفلسفة والمنطق محرمة حتى الان في مدارس بعض الدول العربية وكاننا نعيش في القرون الوسطى، حيث كان البريطانيون في برمنجهام يعلقون على ابواب بيوتهم عبارة تقول : (لا يوجد لدينا فلاسفة) خوفا من بطش الكنيسة !!

ان امة بلا فلسفة هي امة ميتة سريريا، اي ان قلبها مازال ينبض ولكنها مشلولة عن الحركة وعن العمل والتفكير، لان عقلها معطل. ويحتمل ان يتوقف عن الخفقان في اي لحظة نتيجة تحجر شرايينها.

قال الفيلسوف نيتشه : من اراد ان يرتاح فليعتقد، ومن اراد ان يكون من حواري الحقيقة فليسأل – – – ونحن نريد ان نرتاح، لكننا لانريد ان يرتاح الاخرون. – – لا نريد الاعتقاد المسبق – اعتقاد العجائز لكي نرتاح – ان مهمة المثقف العربي الحقيقي هو ان يحيل الاجوبة اليقينية الراسخة القديمة الموروثة الى اسئلة مقلقة وحرجة جديدة – وبهذا وحده يمكن لنا ان نجدد الثقافة العربية ونجعل منها ثقافة السؤال.

فثقافة السؤال هي اعلى مراتب الثقافة – – هي ثقافة الابداع وهي حلم المثقفين الليبراليين وهدفهم الكبير.

* مقتبس من كتاب ( لماذا ) لشاكر النابلسي.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here