أورشليم المدينة التأريخية المقدّسة

أورشليم هي المدينة المقدّسة عند الديانات الثلاث : اليهودية ، المسيحية ، و الإسلامية . وموقعها يشير إلى منطقة النتوءات الصخرية ما بين البحر الأبيض المتوسط ​​والبحر الميت. فمن جهة الشمال والغرب تضيق تدريجياً في وادي يزرعيل (مرج ابن عامر أو سهل زرعين ) ، وتلال الجليل ، بينما تحدّها من الجنوب صحراء يهوذا .

المدينة محاطة بثلاثة وديان شديدة الانحدار (من الشرق والجنوب والغرب). على الجانب الآخر من الوادي الشرقي وعِبرَ وادي قدرون ؛ حيث يقع جبل الزيتون .

تاريخياً ؛ كانت أورشليم مركزاً حضرياً لما يقرب من خمسة آلاف سنة. ويتناقش العلماء إلى الآن حول أصل تسميتها ؛ هل هو سومري؟ أم عبري ؟ أم هكذا إسمها في الأساس ؟

لربما يمكن أيضاً اشتقاق اسمها من اسم إله الغسق الكنعاني “شاليم Shalem”، حيث تشير الحروف الرئيسية في كلمة أورشليم ( ش ـ ل ـ م ) ، إلى العبرية ( شالوم ) ، والتي تعني “السلام”. ومن المفارقات أن المدينة لم تشهد الكثير من السلام على مرّ التاريخ !

حاضراً ؛ مدينة أورشليم مقسمة الى قسمين ؛ القسم الغربي الحديث الذي تم بناؤه بعد تأسيس دولة إسرائيل عام 1948 م ، والقسم الشرقي الذي كان معروفاً في القرون الوسطى باسم (المدينة القديمة) ، وهو محاط بأسوار وبوابات شيّدت في عهد السلطان العثماني “سليمان القانوني” (عام 1494-1566 م) ، وذلك عندما كانت المنطقة بأسرها تابعة للإمبراطورية العثمانية .

المدينة القديمة عبارة عن أربع مناطق: اليهودية ، المسيحية ، الإسلامية ، الأرمنية .

علم آثار والعصر التوراتي

المصدر الرئيسي لتاريخ أورشليم القديمة هو كتاب التوراة ومؤلفات المؤرخ اليهودي فلافيوس جوزيفوس ( يوسف بن متتياهو ، عام 36-100 م) .

في القرن التاسع عشر الميلادي ؛ بدأت التنقيبات الأثرية في مدينة أورشليم وما حولها في محاولة لإثبات قصص الكتاب المقدّس والتأكيد على وجود الشخصيات الرئيسية مثل الملك داود، والملك سليمان . أمّا في الوقت الحاضر؛ فقد توسع الاستكشاف ليشمل جميع أراضي المدينة القديمة ، وضمنها المواقع الأكثر قدسية لدى اليهود .

هناك أدلّة تاريخية واضحة وملموسة في حصول عمليات غزو لعموم المنطقة خلال العصر النحاسي (عام 4500-3400 قبل الميلاد) ، والعصر البرونزي الوسيط الثاني (عام 1800-1500 قبل الميلاد) . حيث شهدت نهاية العصر البرونزي غزو جيوش المملكة المصرية الحديثة للمنطقة تحت قيادة الملك “تحتمس الثالث ” ، وقد عُثر على بقايا آثار ذلك الغزو في بعض المناطق . كما ان العصر الحديدي (عام 1200 قبل الميلاد ) ، قد شهد أيضاً غزو شعوب البحر للمنطقة ، وأسمتهم التوراة بـ “الفلستيون”؛ الذين بدورهم أدخلوا كلا من الحديد ومرّكبات بعض المعادن إلى المنطقة . وعُثر على بقايا تلك المخلفات بشكل أساسي في مدينة غزّة حيث مالوا إلى الاستقرار .

تم جمع طوائف إسرائيل الأصلية تحت مظلة مصطلح “الكنعانيون” ، والذي يتكون من عشرات القبائل الغير متجانسة المذكورة في جميع أنحاء سفر التكوين من كتاب التوراة .

في سفر التكوين (1: 12) : (وَقَالَ الرَّبُّ لأَبْرَامَ: اذْهَبْ مِنْ أَرْضِكَ وَمِنْ عَشِيرَتِكَ وَمِنْ بَيْتِ أَبِيكَ إِلَى الأَرْضِ الَّتِي أُرِيكَ) . وهي دعوة إلى إبراهيم وقبيلته للاستقرار في كنعان . وحسب سفر التكوين ؛ التقى إبراهيم “ملكي صادق” ملك شاليم ،وعقد هدنة معه ، وبارك ملكي صادق ؛ إبراهيم بعد ذلك واعترف بأن إلهه “خالق السماء والأرض” ؛ “وَمَلْكِي صَادِقُ، مَلِكُ شَالِيمَ، أَخْرَجَ خُبْزاً وَخَمْراً. وَكَانَ كَاهِنًا للهِ الْعَلِيِّ.”( تكوين 14:18) . إلاّ أن هناك عدد قليل جداً من آثار الحقبة الكنعانية في أورشليم ؛ عندما زُعم أنها اُحتلّت من قبل طائفة “اليبوسيين “(عام 1500-1000 قبل الميلاد) .

في عام 2005 م ؛ تم الكشف عن هيكل حجري متدرّج كبير يعرف باسم “الأوفل ، أوعِير داود ” في الجزء السفلي من جبل الهيكل . جاء هذا المصطلح من مسلّة أو نقش (ميشع) ، التي دوّنها الملك ميشع في مملكته (موآب) عام 840 قبل الميلاد ؛ احتفالاً بانتصاره على إسرائيل . ويواصل علماء الآثار إلى الآن دراسة محتواها ، ومدى ارتباطها بأحداث الفترة السابقة في عهد الملك داود (حوالي عام 1000 قبل الميلاد) .

لقد ساعد اكتشافان رئيسيان في دعم بعض المعلومات الواردة في كتاب التوراة . حيث يروي سفر صموئيل الثاني (5: 1-12) ، قصة كيف غزا داود أورشليم من قبل أتباعه عندما صعدوا إلى منبع المياه من رأس جيحون ، وعِبرَ مجرى الماء نزلوا إلى المدينة واحتلوها من الداخل . وقد تم اكتشاف هذا المجرى في عام 1867 م من قبل المهندس وعالم الآثار البريطاني تشارلز وارن ( 1840-19217) والذي حمل اسمه ( عمود وارن ) .

يربط نفق “سلوام “؛ المعروف أيضاً باسم نفق (حزقيا) والموجود تحت مملكة داود في أورشليم ، وإسمه جاء من حزقيا ملك مملكة يهوذا الذي حكم في أواخر القرن الثامن وأوائل القرن السابع قبل الميلاد ، وقد بني هذا النفق عندما كان الآشوريون يحاصرون أورشليم .وكانت المياه تتدفق إليه من نبع أم الدرج من جهة الجنوب .

عندما اُكتشف النفق من قبل العالمان ؛ تشارلز وارن ، و “إدوارد روبنسون” (1794-1863 م) ؛ ظهر هناك نقشاً على حائطه . يصف النقش بناء النفق وطريقة إنجازه ، وذلك عندما بدأ فريقان من الحفّارين بالحفر من طرفيه وتلاقيهما في منتصفه. وهذا النقش هو واحد من أقدم الأبجدية العبرية القديمة (نسخة من الكتابة الفينيقية القديمة).

المدافن

يعود تاريخ بعض المدافن الكنعانية المنحوتة على السطوح الصخرية في المدينة إلى ما بين عام 3100 وعام 2900 قبل الميلاد . كما ان أقدم مدافن بني إسرائيل ترجع إلى القرن الثامن قبل الميلاد ، ثم تأتي تباعاً البقية الباقية من فترات الهيكل الثاني والعصر الروماني المتأخر والعصور البيزنطية المبكرة . وكان على مقربة من باب صهيون في البلدة القديمة قبر يقدّسه اليهود يخصّ الملك داود ؛ رغماً من إفادة معظم علماء الآثار من أن هذا الصرح كان بناءً صليبياً وليس يهودياً .

في وادي قدرون ؛ عُثر على نقوش تزّين المقابر والآثار الرئيسية ؛ كتاباتها كانت باللغتين العبرية واليونانية . حيث هناك قبر “هيلينا” ملكة أديابين ( حدياب ـ أربيل شمال العراق ، و الرها / أورفا ـ تركيا) ، والتي تحولت من ديانتها إلى اليهودية ؛ فدفنت هناك . كما توجد مقبرة كبيرة أخرى تُعرف باسم “السنهدرين ” والتي تقع شمال المدينة. سميّت بهذا الاسم لأنها كانت تضم ​​سبعون غرفة . ومن المعروف أيضاً ؛ أن السنهدرين هو المحكمة العليا للأمة اليهودية ، ويبلغ عدد أعضائها نحو سبعين عضواً. وعلى الأرجح قد تم استخدام المبنى فيما بعد من قبل عوائلهم لدفن أجيال مختلفة فيه .

أورشليم اليهودية

ورد في جميع الأسفار ومنها سفر التثنية ( 12: 5 ) ؛ “بَلِ الْمَكَانُ الَّذِي يَخْتَارُهُ الرَّبُّ إِلهُكُمْ مِنْ جَمِيعِ أَسْبَاطِكُمْ لِيَضَعَ اسْمَهُ فِيهِ، سُكْنَاهُ تَطْلُبُونَ وَإِلَى هُنَاكَ تَأْتُونَ” ؛ حيث أُمِرَ الإسرائيليون بعدم العبادة في أي مكان إلاّ في المكان الذي “يختاره الرب”. بعد احتلال أورشليم ؛ كان هذا “المكان” متوافقاً مع التقليد التوراتي ؛ إذ أن أورشليم قد تربعّت على موقع معروف باسم (جبل موريا / جبل الصخرة) ؛ الجبل الذي أظهر فيه إبراهيم وحدانيته ؛ وذلك عندما أخبره الرّب في أن يقدم ابنه قرباناً عند ذلك الجبل . وتصفه التوراة بأنه الهيكل الأول الذي بناه الملك سليمان (عام 970-931 قبل الميلاد) ، حيث عُثر على العديد من القطع الأثرية التي تؤكد وجود هذا المعبد .

دمرّ البابليون معبد سليمان ومدينة أورشليم (عام 587/586 قبل الميلاد) ، وذلك في عهد الملك البابلي نبوخذ نصر الثاني ، وتم أسر العديد من الكهنة والحرفيين ونقلهم إلى بابل . وتعرف هذه الفترة باسم ” المنفى “، وهي الفترة الزمنية التي بدأت فيها كتابة التوراة والانتهاء منها عندما غزا الملك الفارسي ” كورش الكبير ” بلاد بابل عام 539 قبل الميلاد . حيث سمح لليهود الأسرى في العودة إلى أورشليم وبناء معبدها ، وتُعرف هذه الفترة باسم “فترة الهيكل الثاني” (عام 515 ق.م – 70 م) .

في عام 330 قبل الميلاد ؛احتل “الإسكندر الأكبر” معظم أراضي شرق البحر الأبيض المتوسط ​​، بما في ذلك مدينة أورشليم . وبعد وفاته (عام 323 قبل الميلاد) ، تم تقسيم إمبراطوريته بين أركان قيادته في حروب (ملوك الطوائف) ، وعلى مدى عقود عدة دخل السلوقيون والبطالمة في حرب شرسة طمعاً في أرض أورشليم .

في عام 167 قبل الميلاد ، اتخذ الملك السلوقي أنطيوخس الرابع (عام 215 -164 قبل الميلاد) قراراً استثنائياً بحظر الطقوس والممارسات اليهودية. حيث دنسّ الهيكل وأمر اليهود بعبادة الآلهة اليونانية . لكن في عام 165 قبل الميلاد ؛ قاد الكاهن اليهودي “متتيا بن يوحنّا” (من بيت الحشمونية) ، تمرّداً يهودياً والمعروف باسم “ثورة المكابيين” (سميت على اسم الابن الأكبر ـ يهوذا المكابي) ، ضد سلطة اليونانيين وطردهم من أورشليم والمناطق المحيطة. بعد ذلك أخذ اليهود بتطهير وإعادة تكريس الهيكل ، وأصبحت إسرائيل مملكة مستقلة في ظل سلطة الحشمونيين .

في عام 63 قبل الميلاد ؛ احتل القائد الروماني “پومپي الكبير” أورشليم . وقد اختارت روما “هيرود” وهو زعيم قبلي محلي ليكون ملكاً موالياً لروما في المنطقة. بالإضافة إلى بناء الحصون والقصور الضخمة ؛ قام هيرود بتجديد الهيكل وعتبة جبل الهيكل . إذ لا تزال بقايا تجديده واضحة في بعض أسوار المدينة القديمة. كما أن جزءاً من أحد جدرانه يتكون من بعض الأحجار المربعة المنقوشة ، وهو الحائط الغربي (المعروف باسم “حائط المبكى”) في الجزء اليهودي من المدينة ، وله قدسية كبيرة عندهم .

في عام 66-73 ميلادية ؛ ثار اليهود على الإمبراطورية الرومانية ، وكان القائد الروماني الذي تصدى للثوار ؛ الإمبراطور الروماني المستقبلي “ڤيسپاسيان” (حكم عام 69-79 م) وابنه تيتوس (الذي حكم عام 79-81 م) الذي حاصر المدينة لفترة طويلة. أمّا الحدث الأكبر الذي حصل عام 70 م ، عندما اُخترقت جدران الهيكل ودمرت .

” في الجزء اليهودي من البلدة القديمة ، يمكن للمرء زيارة (البيت المحروق) ؛ وهو من مخلفات الدمار الذي لحق بالمدينة في ذلك الوقت. ويمكن أن يتنقل عبر “نفق ربانيك” (نفق يقع تحت الجزء الإسلامي) . ومن الممكن أيضاً ؛ مشاهدة بقايا جدران وأعمدة الهيكل ، وقلعة أنطونيا التي بناها هيرودس الكبير الواقعة في الزاوية الغربية العليا من جبل الهيكل . وعلى الجانبين الشرقي والجنوبي للمدينة حيث أسوار هيرودس بسلالمها ، والمداخل المؤدية إلى الهيكل . أمّا أسفل البناء ؛ تُشاهَد أنقاض [ميكافوت] (صهاريج الماء) المستخدمة للتطهير الطقوسي قبل دخول الهيكل . ” ( سيلبرمان ص 85 )

في عام 135-137 م ؛ ثار اليهود مرة أخرى في عهد الامبراطور “هادريان” (عام 117-138 م) ، المعروفة بـ (ثورة برـ كوخبا) . وبعد الإطاحة بالثورة ؛ شيّد هادريان معبداً على موقع أنقاض الهيكل الثاني ، وغيّر اسم المدينة من أورشليم إلى اسم عائلته “أيليا كابيتولينا Aelia Capitolina “، ومنع اليهود من العيش في المدينة (هذا القرار سرى مفعوله حتى القرن الرابع الميلادي) .

أورشليم المسيحية

تتداخل الأحياء المسيحية واليهودية في المدينة القديمة مع بقايا شارع من القرن الثاني الميلادي يُعرف باسم “كاردو” ؛ والذي يتقاطع مع أجزاء أخرى من المدينة. على طول هذا الشارع توجد بقايا السوق التجاري .

تبقى أورشليم مهمة بالنسبة للمسيحيين الذين يواصلون قبول واحترام معتقدات العهد القديم لليهود. ومع ذلك ؛ فهي الأكثر شهرة بالمواقع الأثرية المقدّسة المتعلقة بقصص يسوع المسيح في الأناجيل . ومؤخراً تم حفر بحيرة ” بيت حسدا ـ أو بيت النعمة ” ؛ وعُثر على معابد وثنية تعود لـ أسكليپيوس (بطل وإله الطب في الديانة والأساطير اليونانية القديمة )، وسيراپيس ( إله الشفاء عند قدامى المصريين) ويُعتقد إنها شُيدت في زمن هادريان ثم تحولت الى كنائس بيزنطية وصليبية لاحقاً .كما تم العثور على الموقع المقدس الأكثر شهرة والمرتبط بيسوع المسيح داخل المجمّع المعروف باسم (كنيسة القيامة) .

في عام 324 م ، قامت “هيلينا” والدة الملك قسطنطين الأول بالحج إلى الأراضي المقدسة ؛ لأنها رأت في أحلامها أماكن قد وطأها يسوع المسيح قبل صلبه ؛ وأنها قادرة على تحديد مواقعها بالضبط بحسب رؤيتها . كما زعمت في أنها قد عثرت على “الصليب الحقيقي” داخل بئر في القسم الشمالي الغربي من المدينة القديمة ؛ بالإضافة إلى قبر يسوع . وبعد ذلك الحدث ؛ قام قسطنطين الأول في بناء كنيسة عند الموقع نفسه ، وتم توسيعها فيما بعد خلال الفترة الصليبية. أما الصرح والأبواب الباقية والمعروفة الآن ؛ فهما من العهد الصليبي .

” تضم الكنيسة عدة شواهد تتماشى مع قصة الصلب. فعلى الجانب الأيمن من المدخل هناك سلّم يأخذ الزوار إلى كنيسة صغيرة تغطي “تل الجلجثة” حيث صُلب يسوع المسيح . كما يوجد عند الباب الرئيسي للكنيسة ؛ الحجر الذي زعم أن تلاميذه قد وضعوا جسده عليه . امّا الجزء الوسطي ؛ فهو القبر نفسه أسفل القبّة في وسط الكنيسة”. ( سيلبرمان ص 118)

في العصور الوسطى ؛ بدأ الحجّاج في تحديد المواقع الأخرى المتعلقة بالقصة. أما في يوم الجمعة العظيمة ؛ حيث يتخذ الحجّاج هذا الطريق مسيراً لهم ، والمعروف باسم ” طريق الآلام أو الأحزان ” وذلك في إعادة تجسيد معاناة يسوع ، ثم ينتهي الموكب في كنيسة القيامة .

في عام 1894م أُكتشف “قبر الحديقة ” من قبل عالم الآثار اليهودي”غابرييل بارخاي” ؛ وهو قبر منحوت في الصخر مع غطائه ، ويقع شمال المدينة القديمة على طريق دمشق . ويُعّد من المواقع المقدسة لدى العديد من الطوائف البروتستانتية. ، وقد حدد بارخاي تأريخ القبر مابين القرن السابع والثامن قبل الميلاد. حيث ان إعادة استخدام القبور في تلك الفترة كانت ظاهرة شائعة ؛ على الرغم من أن هذا يتعارض مع ما جاء في الإنجيل في أن يسوع قد وُضع في “قبر جديد”.

المواقع المسيحية التاريخية الأخرى الوارد ذكرها في الأناجيل :

1. كنيسة كل الأمم على جبل الزيتون ، بُنيت على أطلال بستان ومعصرة الزيتون المعروفة باسم ” جثسيماني ” .

2. كنيسة الصعود على قمة جبل الزيتون . وهو موقع صعود يسوع المسيح إلى السماء .

3. كنيسة رقاد السيدة العذراء؛ الموقع الذي يزعم فيه الكاثوليك أن مريم والدة يسوع ، “نامت” وحملها الملائكة إلى السماء

في حين يعتقد المسيحيون الأرثوذكس الشرقيون ؛ ان قبر مريم يقع قرب بستان جثسيماني .

4. العلّية التي يعتقد المسيحيون أنها كانت موقع “العشاء الأخير” ليسوع المسيح (هذه الغرفة هي جزء من مجمع تم بناؤه خلال الفترة الصليبية ويضم قبر الملك داود في الطابق السفلي) .

يزعم المسيحيون الأرمن الأرثوذكس ؛ أنهم كانوا أول المسيحيين الذين احتلوا جزءاً من المدينة بعد طرد هادريان لليهود . حيث في الجزء الأرمني توجد كاتدرائية القديس يعقوب (شقيق المسيح) راعي الأرمن ، بالإضافة إلى المدارس والمراكز الاجتماعية.

تعتبر أورشليم نقطة انطلاق للحج المسيحي المرتبطة بمواقع العهد الجديد الأخرى مثل ؛ العيزرية ، وعين كرم . أما بيت لحم ؛ فهو مكان ولادة يسوع ، ويقع على بعد حوالي 40 كيلومتراً إلى الجنوب من المدينة .

العصر البيزنطي (1153 م ـ القرن الرابع الميلادي )

نقل الإمبراطور قسطنطين عاصمته من روما إلى “بيزنطة ” (مدينة يونانية قديمة كانت تقع على مضيق البوسفور في تركيا) ، وأطلق عليها اسم “القسطنطينية” في عام 330 م. استمرت تلك العاصمة الجديدة للإمبراطورية الرومانية لألف عام أخرى ، وذلك بعد سقوط الإمبراطورية الرومانية الغربية . وشهد هذا العصر بناء العديد من الكنائس في مدينة أورشليم .

يعكف علماء الآثار في الكشف عن آثار المدينة المقدّسة وما حولها . وكان من بين الاكتشافات المهمة عن الفترة البيزنطية ؛ هي أرضية الكنيسة البيزنطية في “مادبا ” الأردنية ،وتُعرف باسم (خريطة مادبا الفسيفسائية ) ؛ وهي جزء من فسيفسائية أرضية لكنيسة قديمة (مار جرجس) في مدينة مادبا في الأردن . ويوجد في وسطها خريطة لمدينة أورشليم ، حيث توضح الأماكن المقدسة كما كانت معروفة في ذلك الوقت . وهي لا تزال واحدة من أقدم الخرائط التي بقيت على قيد الحياة من العالم القديم .

القُدس الإسلامية

عام 638 ميلادية؛ غزا العرب المسلمون أورشليم . وفي عام 691 ميلادية ؛ أمر الخليفة الأموي “عبد الملك بن مروان ” بناء مزار اسلامي والمعروف باسم “قبة الصخرة” على أطلال الهيكل الثاني المدمّر. حيث تعتبر قبة الصخرة من أقدم نماذج العمارة الإسلامية ، وتعرف بـ (الحرم القدسي الشريف) . والحرم هو ثالث أقدس موقع عند المسلمين بعد مكة والمدينة. وطالما أن المسلمين يؤمنون في أنهم إبراهيميون ، لذا فإن الموقع القديم لجبل الهيكل هو جبل موريا/ الصخرة . ويوجد داخل المزار؛ درابزين خشبي يحيط بالصخرة الأصلية باعتباره مزاراً وليس مسجداً ، وإن المبنى مفتوح لجميع الزوّار.

النبيّ “محمد” كانت له صلة بالمكان من خلال الاسراء والمعراج ، وهي حادثة جرت ليلاً سنة 621 م ، ويعدّها المسلمون من معجزات النبي محمد، ومن الأحداث البارزة في تاريخ الدعوة الإسلامية .

يؤمن المسلمون أيضاً ؛ أن الله أرسل نبيه محمد مع جبريل ليلاً من المسجد الحرام بمكة إلى بيت المقدس على دابة تسمى “البُراق” ، أوحسب التعبير الإسلامي “عرج به إلى الملأ الأعلى عند سدرة المنتهى “أي إلى أقصى مكان يمكن الوصول إليهِ في السماء ؛ وعاد بعد ذلك في نفس الليلة . وسُميت سورة الإسراء على اسم الحدث ( سُبۡحَٰنَ ٱلَّذِيٓ أَسۡرَىٰ بِعَبۡدِهِۦ لَيۡلٗا مِّنَ ٱلۡمَسۡجِدِ ٱلۡحَرَامِ إِلَى ٱلۡمَسۡجِدِ ٱلۡأَقۡصَا ٱلَّذِي بَٰرَكۡنَا حَوۡلَهُۥ لِنُرِيَهُۥ مِنۡ ءَايَٰتِنَآۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلۡبَصِيرُ) .

المسجد الأقصى الذي يقع على الجانب الجنوبي من المجمع ؛ هو المكان الذي انطلق منه النبي محمد . وبمرور الزمن ؛ أصبح المسجد مصلّى ومزاراً في نفس الوقت .

الفترة الصليبية

في الحملة الصليبية الأولى (عام 1095-1102 م) ؛ تمت دعوة جميع المسيحيين لإنقاذ الأرض المقدّسة من الحكم الإسلامي . غزا الحلفاء الغربيون المدينة المقدّسة وأصبحت مملكة مستقلة يحكمها كل من الدوق “ريمون الرابع” ، و “غودفري” دوق بولون ، وذلك خلال عام 1099 م . هذه المملكة استمرت هكذا حتى عام 1187 م ، إلا أن القائد الكردي”صلاح الدين الأيوبي” (عام 1137-1193 م) قد استردها من أيدي الصليبيين .

“عند أسوار المدينة وإلى الشرق من وادي قدرون وجبل الزيتون ؛ حيث شواهد القبور؛ ابتداءً من العصور الوسطى (إن لم يكن قبل ذلك) ، حيث نُقلت نعوش اليهود والمسلمين الذين ماتوا خارج المدينة المقدّسة إلى داخلها ليدفنوا فيها . وذلك لإيمانهم في أن قيامة الأموات و محاسبة الإله للبشر؛ ستجرى على تلك البقعة من الأرض ” ( أوكونور ص 123).

تُعد أورشليم/ القدس ؛ المدينة التاريخية للديانات المتصارعة الثلاث. وكثيرا ما أدى ذلك إلى إثارة التوتر والمواجهات العنيفة في كثير من الأحيان . بالإضافة إلى الخلافات حول الوصول إلى الحيّز المقدّس ؛ تعتبر أورشليم / القدس أيضاً مهمة في الروايات التاريخية التي يتداولها الإسرائيليون والفلسطينيون في مناهجهم الدينية .

على ضوء الجدل والنقاش المستمر حول السيادة بين الإسرائيليين والفلسطينيين ؛ إذ يطالب الطرفان بالمدينة كعاصمة لهما. ولم تعد التنقيبات الأثرية في المدينة تتعلق بالماضي فحسب ؛ بل ساهمت في مد النزاع المستمر، والمتمثل لمن لديه أطول تاريخ في المدينة ، مما جعل جميع تلك التنقيبات والاكتشافات الأثرية سياسية محضة .

على مدى عقود كانت تلك المدينة التاريخية المقدسّة موضع نقاش ودراسة من خلال قادة الدول المعنية والأمم المتحدة والمنظمات الدولية الأخرى . ففي عام 2016 م ؛ كان تعداد سكان أورشليم/ القدس البالغ 850.000 نسمة يتكون من 60٪ يهود ، و 36٪ مسلمين ، و 1.8٪ مسيحيين ، و 1.2٪ غير مصنفين . ويورد المجلد الإحصائي السنوي للمدينة (عام 2000م) عن وجود 1204 معبداً يهودياً ؛ و 158 كنيسة ؛ و 73 مسجداً؛ في حين أن معظم التوتر والمواجهة يحصلان بين اليهود والمسلمين ، أمّا الأقلية المسيحية غالباً ما تنشغل بذلك الصراع ؛ لأن الوصول إلى أماكنهم الدينية يمكن أن يتأثر بالمواقف العدائية بين اليهود والمسلمين .

لقد تزاحمت الديانات الثلاث على تلك البقعة من الأرض ؛ فولّدت صراعاً دينياً وسياسياً واجتماعياً طال أمده إلى الآن . ولسوء الحظ ؛ يبدو أن المطالبات العديدة بشأنها لن يتم حلها في المستقبل القريب . ومع ذلك ، نأمل في أن تتناغم أصوات الأبواق مع قرع الأجراس و تلاوة المؤذنين في تلك المدينة التاريخية العريقة ؛ كي ينعم ساكنيها بالسلام والطمأنينة .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

كارين آرمسترونغ ـ أورشليم مدينة واحدة وثلاث معتقدات ـ كتب بالانتاين للنشر ـ 1997.

آشر نيل سيلبرمان ـ اكتشف الكتاب المقدّس ـ توجستون للطباعة ـ 2021 .

أوليغ غرابار ـ المظهر المقدّس ـ مطبعة جامعة برينستون ـ 1996.

سايمون سيباغ ـ أورشليم : سيرة ذاتية ـ فنتج للنشر ـ 2012 .

جيروم ميرفي أوكونور ـ المدينة المقدّسة ـ جامعة أكسفورد للطباعة ـ 2008 .

سفر التكوين ـ موقع الأنبا تكلاهيمانوت .

سفر صموئيل الثاني ـ موقع الأنبا تكلاهيمانوت .

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here