أُم الهزائم

محمد سيف الدولة

[email protected]

اذا نجح الامريكان فى تأسيس وتمرير مشروع التحالف العسكرى بين العرب و(اسرائيل)، فانه سيكون من اخطر الاعتداءات التى تعرضنا لها فى الـ 75 عاما الماضية ومن اشد الهزائم التى لحقت بنا، من حيث هو ليس فقط تخليا عن الثوابت الوطنية والقومية والعقائدية وتبنى لرواية العدو الصهيونى، بل هو فوق ذلك تسليم قيادة المنطقة الى هذا العدو، وتوظيف الامكانيات العسكرية العربية لحماية امنه الذى تقوم فلسفته الاساسية على القضاء على الوجود العربى وتجريده من كل عناصر القوة والامن والقدرة على الدفاع عن النفس.

انها هزيمة اخطر من كل هزائمنا الكبرى فى 1948 و1967 وكامب ديفيد واوسلو والغزو الامريكى للعراق، انها أم الهزائم:

·       ففى 1948 كانت النكبة والهزيمة التى لحقت بستة جيوش عربية واحتلال 78 % من ارض فلسطين، هى النتيجة الطبيعية لأمة تقبع تحت الاحتلال الاوروبى منذ عقود طويلة. وكان وقتها العالم بعد الحرب العالمية الثانية على شفا تغيرات كبرى تتبدل فيه مراكز القوى العالمية وتسلم القوى القديمة الراية الى القوى الجديدة التى برزت بعد الحرب، وكان مخاض ثورات وحركات التحرر الوطنى فى العالم العربى وكل بلدان العالم الثالث يختمر للخروج من قبضة الهيمنة الاوروبية. أى أن الظروف الدولية والاقليمية والداخلية كانت كلها مهيئة ومبشرة وواعدة بالخروج من عصر الهزيمة والاستعمار واعادة بناء النفس وترميم ما انكسر وهو ما حدث بالفعل فى السنوات من 1956 الى 1973.

 

·       اما بعد 1967 ورغم الهزيمة القاسية والمهينة واحتلال ما تبقى من فلسطين بالاضافة الى سيناء وهضبة الجولان، فلقد رفض العرب شعوبا وحكاما الهزيمة والتوقيع على وثيقة وشروط الاستسلام وتمسكوا وأكدوا على الثوابت العربية والفلسطينية فى مواجهة الادعاءات الصهيونية والاملاءات والضغوط الامريكية، وأصدروا بيانهم الشهير فى مؤتمر الخرطوم وشرعوا على الفور فى التضامن والاعداد لمعركة تحرير الارض وازالة اثار العدوان التى كانت حرب 1973 هى ذروتها.

·       وحتى جريمة توقيع اتفاقيات كامب ديفيد بين مصر و (اسرائيل) وما وجهته من طعنة فى الظهر الى فلسطين والامة العربية وامنها القومى، بعد انسحاب مصر من الصراع والاخلال الرهيب بميزان القوى والتنازل المصرى الرسمى عن فلسطين 1948 للعدو والاعتراف بشرعية دولة الاحتلال، فلم تكن رغم قسوتها هى نهاية المطاف، فلقد اجتمع الجميع انظمة وشعوب وفى القلب منهم الشعب المصرى على رفض المعاهدة والتمسك بالثوابت العربية من تحرير كامل التراب الفلسطينى ومناهضة الصهيونية و(اسرائيل)، وتأسست مئات الحركات واللجان الشعبية لدعم فلسطين ومقاطعة (اسرائيل) ومقاومة التطبيع، واعلن النظام العربى الرسمى حينذاك، صدقا او نفاقا، رفضه اى سلام “منفرد” مع (اسرائيل) الى حين.

 

·       وايضا بعد توقيع م.ت.ف على اتفاقيات اوسلو وانكسار ارادتها بعد ان اخرجها الاجتياح الاسرائيلى من لبنان، وقيامها بالاعتراف باسرائيل والتنازل عن فلسطين 1948 وعن الحق فى المقاومة، سرعان ما تكونت اجيال جديدة من المقاومة التى استطاعت ان تطرد الاحتلال عام 2000 من لبنان وتصد عدوانه 2006. وفى الارض المحتلة تصاعدت العمليات الاستشهادية وحاول ابو عمار الانعتاق من قيود اوسلو خاصة بعد اجتياح شارون للمسجد الاقصى وتفجر انتفاضة 2000 العظمى التى هزت المنطقة وكل العالم، والتى استطاعت فرض مطالبها واجندتها على عديد من الدول العربية بما فيها مصر كامب ديفيد، التى اطلقت قيادتها السياسية حينذاك ايدى الاعلام والمعارضة السياسية لدعم فلسطين وتنظيم اللجان الشعبية لدعم الانتفاضة..الخ، ليتعمق مجددا العداء العربى  (لاسرائيل) شعبيا ورسميا.

 

·       اما الاحتلال الامريكى للعراق فى 2003 بعد 10 سنوات من الحصار، فى اول عدوان عسكرى غربى على بلادنا منذ الحرب العالمية الاولى، والذى كشف وفضح انتهاء صلاحية النظام العربى الرسمى وسقوط شرعيته الى الابد، فانه رغم قسوته قام باطلاق طاقات الغضب العربى الشعبى والسياسى فى العالم العربى من محيطه الى خليجه، والذى كان هو المقدمة الرئيسية التى أدت بعد ثمان سنوات الى تفجر انتفاضات وثورات الربيع العربى فى 2011، والتى كانت نقطة فارقة فى تاريخ العلاقة بين الشعوب وانظمة الحكم، رغم انها لم يكتب لها النجاح والاستمرار.

 

·       الخلاصة انه رغم مرور الوطن العربى وتعرضه لعديد من الاعتداءات والهزائم منذ الحرب العالمية الثانية، الا انها لم تصل ابدا الى ما وصلنا اليه اليوم من انتقال النظام العربى الرسمى بغالبية دوله وانظمة الحكم فيه الى معسكر العدو الصهيونى تحت القيادة الامريكية، للتحالف معه ضد فلسطين وضد الامة وامنها القومى الوجودى وضد مصالحها العليا ومستقبل اجيالها القادمة، فى ظل قبضة فولاذية من الاستبداد تكمم الافواه وتصادر الحريات وتطيح باى معارضة او راى آخر، بحيث لم يبق فى المشهد ولأول مرة، سوى الشعب الفلسطينى بمقاومته الشعبية والمسلحة.

***

·       والمفارقة الكبرى هنا ان انظمة الحكم العربية التى قامت بالانقضاض على الثورات العربية واجهضتها وعصفت بكل من شارك فيها، فعلتها بذريعة انها لم تكن سوى مؤامرات خارجية تستهدف اسقاط الدولة الوطنية، وانه يتوجب القضاء على هذه الثورات/المؤامرات لانقاذ الدولة والحفظ عليها، فاذا بالخطوة الاولى التى تتخذها تحت شعار انقاذ دولها الوطنية هى الارتماء فى احضان مايسترو المؤامرات الأكبر، الولايات المتحدة الامريكية، والانخراط فى احلافه الاقليمية تحت قيادة (اسرائيل).

***

·       ان أى مقارنة بين قوة وحيوية وثورية وفاعلية ردود الفعل الشعبية بعد 1967 أو بعد غزو العراق على سبيل المثال، وبين حالة الصمت المخزى التى ضربت الغالبية العظمى من قوى وحركات المعارضة العربية اليوم، تكشف عمق الأزمة التى تمر بها بلادنا. وضخامة الجهود المطلوبة للخروج منها والنجاة مما يمكن ان يترتب عليها من عواقب كارثية لسنوات وعقود طويلة قادمة.

***

هذه دعوة لسرعة التداعى والتلاقى والحوار والفعل لانقاذ ما يمكن انقاذه.

*****

القاهرة فى 2 يوليو 2022

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here