افراحنا تتحقق، عندما نتوافق مع الاخرين

افراحنا تتحقق، عندما نتوافق مع الاخرين * د. رضا العطار

من هنا نرى ان تجربة الحب هي التجربة الوحيدة التي تسمح لنا بان نفهم بوضوح كيف يمكن ان يتحقق توافق الواحد والكثير. وآية ذلك ان الحب كما يقول الفيلسوف – موريس ندونسل – هو المظهر الوحيد لتولد ال (نحن) التي تنتج عن الهوية اللامتجانسة لكل من (الأنا) و (الأنت) – – – فنحن هنا بأزاء (جماعة) متآلفة، تجمع بين ذاتين متحابتين لا تندمج احداهما في الاخرى تماما بل تبقيان ذاتين مستقلتين.

على حين ان مبدأي (العلية) و (الغائية) قد جعلا الفكر الانساني عاجزا عن معرفة اية هوية اخرى ما عدا هوية التجانس، نجد ان المحبة تعلّمنا انه من الممكن ان تقوم (وحدة) لا تتعارض مع (الكثرة) وتلك هي هوية اللاتجانس ! – – – وحين يقول بعض الفلاسفة ان الحب هو (المعقول الاسمى) فانهم يعنون بذلك ان الحب يوحّد الكثرة دون ان يهدمها او يقضي عليها لانه يستقي هذه (الكثرة) حين يعمد الى (توحيدها) واذا كان من شأن الهوية المتجانسة ان يقلل من حدة الفروق فان من شأن الحب ان يفسرها ويبرزها.

وهذا هو السبب في ان الكثير من فلاسفة الاخلاق يابون ان يعدوا الحب انفعالا او هوى او نزوة لانهم يرون فيه عاطفة Sentiment تعلو على الفهم بطابعه التقسيمي – – – فالحب اداة توحيد وكثرة في آن واحد. ونحن حين نحب فاننا نصبح اكثر اتحادا مع كوننا في الوقت نفسه اثنين ! ومعنى هذا ان المحبين يشاركان في وحدة روحية تجمع بينهما. وبذلك يكسبان طابعا اكثر شخصية مع ترقيهما في الان نفسه على الصعيد الاجتماعي.

وانت حين تحب، فانك تزداد اتحادا بالأخر في صميم ذاتيته الخاصة ، كما انك تريده بوصفه مغايرا لك. ومعنى هذا اننا نحب الاخر بوصفه ذلك الانسان الذي يمثل في نظرنا (سرّا يقلقنا وقد يقضي مضجعنا، عالمين انه ينتسب اولا وقبل كل شئ الى ذاته، والاّ لكان مجرد (شيء) ونحن نحبه في وضوحه وغموضه، في سره وعلانيته في اقباله وتمنعه واثقين من انه ليس موضوعا نمتلكه ونستحوذ عليه بل هو (ذات) حرة لا يمكن ان تستمر في حبنا الا بمقتضى تلك (نعم) المتحددة التي لا تكف عن التصريح لنا بها.

· مقتبس من كتاب مشكلة الحياة د. زكريا ابراهيم جامعة القاهرة.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here