الشعر الغنائي العربي والنكهة الذكورية

الشعر الغنائي العربي والنكهة الذكورية

أ.د عبودي جواد حسن
من اهتمامات اي مراقب هو وضع اصبعه على مواطن الخلل في موضوع اهتمامه والبحث عن مقاربة للمعالجة من اجل التنبيه ومن ثم التقليل التدريجي من فداحة الخلل وفي النتيجة النهائية تحسين العلاقة والتفاعل بين النخبة وعموم الناس. خصوصا اذا كان هذا المراقب يعمل في مجال الراي العام.
طرفا المعادلة في الشعر الغنائي دائما تقريبا هما المراة والرجل ويتجسد ذلك في العلاقة بينهما في محيطهما المتقلب و المتعدد الاطراف. لكن المشكلة تكمن في التكافؤ واتجاه التفاعل بينهما محكوما بالتكاقؤ. لنكتفي بهذه السفسطة ونتطرق لاسباب جعل المراة هدفا في الشعر الغنائي العربي هدفا خنوعا خاضعا لارادة الرجل لاسعاده او كما يقول نزار قباني “لتزيده عشقا ” او ان ” لاتكذبي” ” لا تكذب عليه….” وفي اعتقادي ان هذا المخلوق اي الرجل في غفلة من امره لانه ليس الوحيد الذي تغمره هذه السعادة نتيجة لهذه العلاقة لانه يغفل السبب ويصر على النتيجة وهناك عدة مسببات لهذا الاصرار.
من بين اهم المسببات ان المجتمع العربي عموما هو مجتمع ذكوري-اي فيه السيادة للرجل فهو صاحب الكلمة الاخيرة والقرار النهائي وما المراة في رايه وراي الجماعة معه الا تابع من توابعه يدور في فلكه. فهو المعيل وهو الحامي وهي التي توفر له ولابناءه سبل الراحة وهنا يغيب التكافؤ وتكون للرجل الغلبة ويصبح الآمر الناهي فيما تصبح هي العبد المطيع ومن هنا ينسج خيال الشاعر العربي من حركة وسلوك شلال ذكوري متدفق يستمد قوته من حنان ودفء وطيب علاقته بهذا المخلوق الذي يتميز بنعومته خلقيا وحرصه الشديد على من هو سنده وميله لمن تهواه النفس الانثوية وتعتقد هو الفارس وحامي الحمى. الشاعر يوفر الصورة وينسج هذا الرسم.
والسبب الاخر والمهم ايضا ان المتلقي لايتسم بالحيادية وانما ينظر الى الصورة من منظور الرجل لان من قام برسمها وتلوينها مجازا هو واحد من الذكور. وللعلم يدرك جميع المتلقين ان هذا الانجاز( ألقصيدة) من انجاز الذكور وفيه اي الانجاز رسالة مفادها ان الرجل هو من يحدد اساسيات هذه العلاقة والاخرون وجدوا لخدمته ولتسير اموره .
وهنا قد يسأل سائل لماذا يشارعادة الى المخاطب او الى الغائب في متن الشعر العربي الغنائي بصيغة المذكر؟ وجوابنا هو ان العرب قديما وربما حديثا كانت تميل الى تفضيل الذكور ومتعلقاتها اللغوية ولا تحبذ ذكر الاناث ومتعلقاتها اللغوية حيث الاختلاف من حيث المفرد والمثنى والجمع والمؤنث والمذكر هو البرهان . بخلاف اللغة الانجليزية حيث يشير الضمير (YOU )الى المخاطب المفرد والمثنى والجمع مؤنثا او مذكرا. فدرج الشعراء ماضيهم وحاضرهم في الغالب على استعمال صيغة المذكر في قصائدهم. فسار الشعر الغنائي العربي على هذا النحو. وهناك اسباب اخرى لاستعمال صيغة المذكر مثلا محاولة اخفاء العلاقة بين الرجل والمرأة او الاحتفاظ بسرية العلاقة بين ذكر وانثى لعدم شيوع اختلاط الجنسين واعتبار المراة مخلوق مستغل فدرجت العادة على هذا المنوال.
والجواب الثاني للسؤال اعلاه هوشد انتباه المتلقي وتحببيه بهذا الكائن وجعله يبحث عن جنس هذا المخلوق الموجه له الخطاب اي جعله لغزا يحير المتلقي.كما ان العرب كانوا يسمون المخلوقات الاليفة الجميلة التي يستخدمونها في التنقل والحراسة باسماء الاناث والذكور وفي شعرهم تيمنا بها يستبدلون اسماء الحبيبات من البشر باسماء هذه الحيوانات كالغزال والمهر والناقة للتمويه… وما اكثر ذكر هذه الاسماء مجازا في الشعر الغنائي العربي.
ختاما برغم عذوبة وجمال بعض القصائد الغنائية , يوازي اعتقاد العذوبة هذا لدى المتلقي اعتقاد اخر تقل اهميته احيانا وهوسيادة الذكورية وجعل المتلقي يتخذ جانب المرأة في هذه العلاقة لشعوره بانها هي سبب السعادة الناتجة عن هذه العلاقة. حيث هي فعلا ودون تحيز براي كاتب هذه السطور هي سبب هذا الاسعاد وهذه السعادة. ويحاول المهتمون في هذا الميدان حاليا ملاحظة هذا الخلل وخاصة بعد الانفتحاحات على ثقافات الشعوب الاخرى ومحاولة التصحيح بالاستعانة بالمتعلقات اللغوية الحيادية والميالة الى احداث المساواة.
.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here