المعتقد اولا ، الجغرافية ثانيًا

المعتقد اولا ، الجغرافية ثانيًا:
بقلم ( كامل سلمان )
ملاحظة غريبة تظهر يوم بعد يوم وتتجذر في عقول الناس في مختلف بقاع الأرض هي تفضيل الانتماء العقائدي على الانتماء الجغرافي او الوطني ، المواطنون من أصول صينية الذين يعيشون في الولايات المتحدة الامريكية واوربا واستراليا وكندا رغم مرور أجيال على استيطانهم هذه الاراضي التي يعيشون فيها الا أنهم مازال حبهم وولاءهم للقومية الصينية اكبر من حبهم وولاءهم للأوطان التي نشأوا وترعرعوا فيها . الديمقراطيون والجمهوريون في الحزبين المتنافسين في امريكا بعضهم اصبح الولاء عندهم للحزب ولمبادئ الحزب فوق الولاء الوطني فبعض منهم يفضل انفصال ولايته عن الولايات المتحدة الامريكية في حال فوز الحزب المنافس في الانتخابات العامة ، معظم الشيعة في العالم الاسلامي ولاءهم لقطب الشيعة وقيادتها في ايران على حساب اوطانهم ، الاخوان المسلمين ولاءهم لأردوغان التركي فوق ولاءهم لمصر ، اليهود في انحاء العالم ولاءهم لدولة اسرائيل يفوق ولاءهم للبلدان التي عاشوا فيها اجيال بعد اجيال . كذلك الحال للشيوعيين في العالم مازال ولاءهم للاتحاد السوفياتي وروسيا يزيد عن ولاءهم لبلدانهم ، وهذا النوع من الولاء المعتقدي نراه يزداد ترسخا وقوة في نفوس وعقول البشر في جميع بقاع الارض وهو في منحى تصاعدي ، وربما يأتي اليوم الذي تتشكل فيه قوى العالم على الاسس العقائدية على حساب الأسس الوطنية التي اصبحت قابلة للذوبان والزوال اكثر من اي وقت مضى … ان المفاهيم والكتب والافكار المتداولة والتعليم المدرسي معظمها تركز على الانتماء والحب والولاء العقائدي وقليل منها تلتفت لحب الاوطان ، ثقافة مواقع التواصل الاجتماعي والاعلام في القنوات الفضائية معظمها تصب لصالح الافكار العقائدية والولاء العقائدي التي قد تجرف العقول الى مواقع تخدم دول اخرى تلتقي مع المعتقد وهي عدوة للوطن ، فبسبب هذا الولاء المشحون بالعاطفة سيكون الاصطفاف خلف المعتقد ورجالات المعتقد اكثر من الاصطفاف خلف الوطن . وهذا ماحدث فعلا في التأريخ الحديث عندما انفصلت دولة باكستان التي كانت جزء من الهند بسبب المعتقد سوى أكان هذا المعتقد قومي او ديني او ايدلوجي ونفس الشيء حدث في جنوب السودان وفي البوسنة والهرسك وما يحدث حاليا في الحرب الروسية الاوكرانية . وهذا يعني بأختصار ان الامور في جميع الاماكن من كوكبنا المحترم اصبحت تحت رعاية الايدلوجيات والانتماءات ، وعلى هذا الاساس قد تلغى بلدان وتستحدث بلدان أخرى . وهذه النظرة تتوافق مع الديانات السماوية كافة وتتوافق مع الايدلوجيات كافة وكذلك المذاهب ، ألم يطلق حزب البعث على البلدان العربية مصطلح أقطار في خطوة لإلغاء الوطن على حساب القومية ، ألم يطلق تنظيم داعش على البلدان الاسلامية مصطلح ولايات ….
هذه الافكار إذا هيمنت على العقول القيادية في دول العالم وعلى عقول الناس أجمعين ، فإننا ذاهبون الى حروب مدمرة وقد تكون حروب عالمية تكون فيها نهاية قصة حياة الإنسان الذي نشأ على الارض ولم يكن يعرف معنى العقيدة والانتماء وعاش بسلام ملايين السنين بدون عقائد مبرمجة ولكن مع ظهور العقائد المبرمجة بدأت الخطوات الاولى لنهاية الانسان ، فمنذ ظهور اول الايدلوجيات بشكل واسع بدأت الحروب وها هي اليوم تصل ذروتها …. فهل يستطيع منظروا التعليم والثقافة من اعادة رسم المفاهيم وتحويل جميع العقائد والايدلوجيات الى معتقدات محدودة التأثير وإعادة مفاهيم المجتمع والوطن بغض النظر عن الانتماء الى السطح وجعلها الاولى في التطبيق ، انا اشك في ذلك ، وهذا الاحتمال اصبح ضعيف جدا . .. عندما نتحدث عن التأريخ فإننا نتحدث عن تأريخنا العقائدي الديني بكل التفاصيل وإذا تحدثنا عن تأريخنا الوطني فإننا نمر عليها مرور الكرام دون اية تفاصيل ، وعندما نتحدث عن رموزنا التأريخية فإننا نتحدث عن الرموز العقائدية ولم نستذكر اي رمز وطني والرمز العقائدي قد لا يكون ابن هذه الارض ورغم ذلك فهو الاولى بالذكر والتمجيد ، لإن ثقافتنا أخذت هذا المنحنى .
هذا الإنسان كائن غريب ، يستطيع ان يضحي بأخيه من دمه ولحمه وترابه من أجل إنسان أخر أمتلك القدرة على ان يشتري عقله بكلمات معدودة سماها معتقد ، هذا الاستسلام العقلي الذي يتبعه استسلام نفسي ثم جسدي ثم يتحول الى آلة كأي آلة تحت تصرف الاخرين ، وهذه الأصرة التي تكونت لعشرات السنين تنصهر في ليلة وضحاها …
إذا نحن البشر دخلنا مرحلة المنعطف الخطير والمعركة اصبحت بالحقيقة معركة الايدلوجيات وحتى المصالح التي كانت الى أمد قريب تقف وراء الصراعات الاقليمية والدولية اصبحت هي الاخرى تحت سلطة العقائد ، فكيف سيكون العالم بعد عشرات السنين ؟ وهل هناك حروب عالمية قادمة ام ان الحياة ستنتهي قبل كل هذا وذاك ؟ خاصة ونحن نعلم جميعا ان معظم العقائد تؤمن بإنها يجب تتسيد الارض وإنها حتمية تأريخية !

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here