حب استطلاع

حب استطلاع

  سعد تركي
لا يزعجني ما يصفني به معارفي بـ”الشايب الفضولي”، ولا يردعني ما أسمعه بأني أدسّ أنفي الكبير في ما لا يخصّني، فحبّ الاستطلاع عن أي شيء أصادفه “فضيلة” أعتزّ بها وواحد من مباهج الحياة التي يزداد ولعي بها ومواظبتي عليها كلما تقدمت عاماً آخر.
منذ سنوات عدة، منعني أولادي من قيادة سيارتي الخاصة التي استحوذ عليها ابني الأكبر، خشية ـ كما يقولون ـ من ارتكابي للحوادث، بعد أن اصطدمت بي دراجة نارية، وكالعادة فقد تحملت الأسرة فصلاً عشائرياً كبيراً، لأنَّ أمثال هذه الحوادث لا يُسأل فيها عن السبب بل النتيجة.. راكب الدراجة كُسرت يده ورجله إثر اصطدامه بسيارتي ولم تفلح شهادات الشهود بأنَّ الشاب كان “يفحّط” في الشارع العام وفقد توازنه.
من يومها تخصص حبّ الاستطلاع عندي في مراقبة الحوادث المرورية، ولحسن حظّي، فما يمرّ أسبوع إلا أصادف واحداً أو اثنين في طريق ذهابي أو عودتي من مقهى أم كلثوم في شارع الرشيد. بالطبع استثني الحوادث العنيفة التي تؤدي إلى الوفاة أو نزف الجروح، فالموت ومنظر الدم يثيران رعبي الأزلي.
أحرص دوماً على اختيار مقعد قرب شباك الكيه، وحين تقتنص عيناي الفاحصتان المتلصصتان حادثاً أترجّل من السيارة، وكالعادة أجد قبلي مجموعة من زملاء حبّ الاستطلاع، لنسمع المصطدمَيْن يكيلان الشتائم أحدهما ضد الآخر حتى لا يتبين لنا من هو المخطئ والمقصر، وغالباً ما ينتهي العراك بحضور أعمام المتخاصمين فيلجأ أضعفهما لطلب “العطوة”.
قبل بضعة أيام، تنبهت إلى ما لم أنتبه له من قبل.. كان شرطي المرور النحيل ذو الشارب الكثّ والشعر المصبوغين بسواد فاحم يقف بين سائقين بلا أدنى اهتمام.. لم يُبدِ رأياً أو قراراً في أيهما المتسبب بالحادث، واكتفى بالرجوع إلى منصته فور أن استسلم الأضعف فيهما للأقوى بصراخه العالي.. دنوتُ من الشرطي لأعرف ـ بعد تصاعد أدرينالين حبّ الاستطلاع في دمي ـ عن أي السائقين كان مخطئاً، أجاب ببرود: كلاهما مخطئ، الأول جاء عكس السير والثاني بلا إجازة سوق!.
الصباح
تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
,
Read our Privacy Policy by clicking here