الأنظمة السياسية تنتج معارضة شبيهتها

الأنظمة السياسية تنتج معارضة شبيهتها

علي مهدي الاعرجي

سنوات طويلة ونحن نعاني من ارهاصات الماضي حيث غيبت ملامح الدولة و انتهى عهد التعامل والتبادل الرصين بين الدولة و المجتمع ,منذ عام 1958 غادر الفرد العراقي مفهوم التواصل و الثقة المتبادلة بينه و بين المنظومة الحاكمة و تحول الصوت العام الى صرخات الصمت حيث الانقلاب على النظام الذي كان يتسم في المرونة بعض الشيء و يملك في بعض مفاصله حرية انتخاب و تبادل ديمقراطي لأسس العمل النقابي و النيابي في نهج الحكومات حينها, الى نظام عسكري يعتقد في صوت السلاح ولغة الدم ,لذلك كان انعكاسات الأنظمة على المعارضة متماشي مع شكل النظام وهذا لا ينطبق على بلد دون اخر بل هي قاعدة عامة أشبه في قوانين الفيزياء! النظام الديمقراطي ينتج معارضة ديمقراطية و الأنظمة الدكتاتورية تنتج معارضة مشابهة لها . ان اعتلال نظام ما قبل 2003 اولد لنا معارضة تفهم روح القيمية التفردية لا أرغب في القول هي أيضا تملك النفس الديكتاتوري الا أنها تمتاز في الوحدوية و السلطوية, وهذا انعكاس طبيعي لواقع اجتماعي حيث لا يمكن خلق مثل وقيم من العدم !لابد ان تأتي من المجتمع وتعيد رسم نفسها بالتدريج .حيث شهدنا في مجلس الحكم و التعاقب الدوري لاستلام ملفات البلد كانت تملك الطموح والنفس الوحدوي ,أي انهم يملكون نفس الانفراد في السلطة و الا ما قيمة الشهر في الحكم و ما يعني هذا التبادل سوى إرضاء للرغبات و كسر جماح بعض من ذاتهم السلطوية . نعم نحن كشعب لم يفهم لغة التحرر ولم يفهم لغة الحوار ولم يدرك معنى ان تتيح لنفسك الحق في اختيار من ترغب في العمل السياسي و لان المجتمع مغلق ويعاني من تضيق ديني و عشائري و ان اغلب من جاء الى البلاد هو يملك نزعة دينية و قبلية لذلك تراجع الفرد في اعتقاداته و خياراته تارك الباب الى المؤسسة الدينية في حرية الاختيار بدلا عنه كما أتاح لصوت القبيلة ان يعتلي فوق منصة القانون وهنا كان أول خطوات الانحدار. في النهاية سقطت المنظومة الدينية في نجاحها بادارة ملف المرحلة بسبب فساد الراي السياسي .و استحواذ القيادات على مفاصل الدولة بالكامل و الاستيلاء على مغانمها ,فلو أتيح لهم في الماضي المجال لربما كانوا شركاء مع النظام السابق في إدارة البلد الا ان التفرد هو من اقصاهم بشكل كامل .هذه الأنظمة تمتلك نوع من الأحادية في الفكر و ينعكس على التطبيق لذلك كانت و لازالت فجوة كبيرة بينهم و بين الجيل الصاعد الذي اوجد على مفهوم الحرية و الانتخاب و العمل الديمقراطي وهذا يخالف عقلية المنظومة الحاكمة فبمجرد أن تخالفهم الراي تجد نفسك متهم بالعمالة او الخيانة وهذه نفسها اتهامات وادعاءات المنظومة الحاكمة في الماضي إلا أن الفرق كان الدم مقنن في أماكن القتل المخصصة بدل من الفوضوية الحادثة الآن .

ان مطالبنا الان في الدخول بمرحلة انتقالية جديدة تهدف الى ترسيخ ملامح الحكم ضمن الفكر العقائدي الحديث و هذا الأفق الفكري يختلف عما يدين به ساسة السلطة حيث لايزال الافق الضيق منحصر في منظومة المعارضة في ظل حكومة ديكتاتورية وهنا لابد للقائد ان يمسك بزمام القوة ويتفرد في القرار و يتصلب من اجل ان يعمل على قلب نظام الحكم . لذلك هناك فجوة كبيرة بين قيادات ما بعد 2003 و قيادات الجيل الصاعد .لذلك نحن نطالب بترك رسم ملامح المرحلة القادمة بالشكل الذي يدركه الناخب الحديث . من الصعب جدا ان اتحدث مع شخص ولد عام 2000 يدرك المفاهيم الديمقراطية بشكل مغاير لما املكه انا الذي امضيت عقدين من عمري تحت نظام ديكتاتوري وعقدين مع نظام متحول .مفهوم المعارضة هو مفهوم ينتجه النظام و السلطة الحاكمة لذلك الجيل الشاب الجديد في الفكر المعارض يملك صوت يختلف عن صوتي لا يخاف لا يؤمن بالوحدوية و لا يعتقد بوجود الحاكم المفرد صاحب القول النافذ ,الذي يجب أن يطاع و الذي يجب ان يظهر بالشكل المهيب! من اجل ان يشفي جانب العبودية و الذل السيادي الذي ولدت انا عليه ورضعت مفاهيمه كمواطن في ظل النظام الديكتاتوري, حيث لا استطيع الحديث تجاه انعدام المنجز من قبل الحكومة .على العكس من الجيل الجديد الذي يرفض الشعارات و الرمزية و يبحث عن منجز خدمي لا منجز ترفي بل مطالب يومية لحياة إنسانية كريمة كما هي في أي بلد من بلدان العالم لذلك الفجوة التي حدثت بين السلطة و الجيل الجديد كانت سريعة لان ثقافة المعارض انفعالية تفاعلية مع الواقع ,حكومة جاءت بمحض ارادتهم و لم تأتي بقوة السلاح لذا له الحق كمواطن ان يغير ما يرغب تغيره لان الجميع جاء في اصبعه البنفسجي. هذا الادراك لا يستطيع فهمه من قبل رجل الدولة المتحول من معارض لمنظومة ديكتاتورية يملك في معتقده تراكمات منها , الى تسلط سيادي مع انفراج يمكن ان يعتبر ديمقراطي, الا انه بمجرد ان يتعرض العرش الى شيء من التهديد تعاد الى الواجهة العنجهية السابقة و التمسك و التفرد في الحكم ويصبح جلاد في نظر المواطن الحديث و في معتقده يدافع عن حقوقه و عن الوطن و لدى المواطن العابر انه رجل امن يدير مفاهيم المرحلة من أجل استتباب الوضع العام .

الغريب في الأمر ان جميع قيادات المنظومة الحاكمة في البلاد تعترف بوجود الضعف و الهوان في منهجية إدارة المرحلة وتفشي الفساد و انعدام و انهيار الخدمات و تراجع البلد ضمن المصنفات العالمية لمستوى الاستحقاق المعاشي للإنسان وهم من أوصل البلاد الى هذه المرحلة لكن بمجرد ان تطالب او تخرج للتغيير تتحول الى إرهابي او متمرد خارج عن السلطة .لذا لو كانت معارضة السلطة السابقة ديمقراطية لكان نتاجها اليوم ديمقراطي و لما اصبحنا اليوم نترقب الاحداث القادمة خوف من تصارع الفرقاء الساسة على مصالحهم الخاصة بين مناصر للحكومة و بين من يدعي المعارضة ويحولون الأرض الى حمام و بركة من الدماء التي كثير ما ارتوى بها الشارع العراقي و الذي يتسم في التعطش الى امتصاص الدماء منذ فجر التاريخ حتى ينتهي عهد البشرية .

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here