مقدمة في دراسة النظرية الأدبية: الفصل الأول

مقدمة في دراسة النظرية الأدبية: الفصل الأول
ترجمة
ا.د. كاظم خلف العلي
استاذ اللسانيات والترجمة بكلية الآداب-جامعة البصرة
[email protected]

1- مقدمة المترجم : كان أبي رحمه الله رجلا بسيطا مؤمنا صائما مصليا ولم تلمس الخمرة شفتيه يوما، لكنه كان يقول لي عندما كنت احني ظهري منكبا على اوراقي وكتبي ايام دراستي في البكلوريوس “القراية مزة”. وهكذا فإن “نظريته” في القراءة كانت تتلخص في الجرعات البسيطة التي توصل بمجملها إلى الهدف الأهم والأكبر. وانطلاقا من هذا، كانت اهتماماتي منذ وقت مبكر تنصب على متابعة الأعمال والنصوص البسيطة غير المعقدة وغير الطويلة إيمانا مني أن هذه الأعمال والنصوص تضيف لي قدرا كبيرا من المعارف المتنوعة بأيسر الطرق واسرعها. وتعمق هذا التوجه لدي على وجه الخصوص في ظل الظرف العراقي الذي تميز بكثرة المنغصات والهموم والمشاكل البيئية والخدمية والنفسية والاقتصادية منذ العام 1979 صعودا.
ومن هنا تحديدا وقع اختياري على ترجمة كتاب الأستاذ روجر وبستر الموسوم “دراسة النظرية الأدبية: مقدمة” الذي لا تزيد عدد صفحاته على (117) من القطع الصغير والذي ينقسم إلى خمسة فصول وهوامش ومسرد بالقراءات الاضافية. وبوصف الكتاب دليلا تمهيديا لدراسة النظرية الأدبية، فإنه يربط المفاهيم النظرية بالمصطلحات التقليدية كي لا تكون المجالات التي نوقشت غير مألوفة تمامًا. ويرمي الكتاب إلى توسيع رؤية القارئ للأدب، وتشجيع طبيعة ذات خصوصية استفهامية. ويقدم الكتاب بأسلوب ممتع وشيق ومبسط إشارات مهمة لعدد واسع من النظريات الأدبية بما فيها البنيوية وما بعد الحداثة والتاريخية الجديدة وما بعد استعمارية والهوية الجنسية فضلا عن عدد كبير من الأدباء والنقاد والمنظرين الأدبيين مثل اليوت واوستن وديكنز وماثيو آرنولد وأف آر ليفيز وأي آي رݘاردز وبارت وفوكو وآخرين.
وقد واجهتني في ترجمة الكتاب مجموعة من المصاعب التي استعنت عليها بعدد من الوسائل المتنوعة ومنها استشارة مجموعة من الأصدقاء وهم كل من الأستاذ الدكتور شهاب احمد الناصر والأستاذ الدكتور عقيل عبد الحسين والدكتور عادل الثامري والدكتور صفاء الشحماني والأديب و الناقد رياض عبد الواحد فلهم جميعا اسمى آيات الشكر و العرفان.
2- تقديم: النظرية الأدبية هي الدراسة المنهجية لطبيعة الأدب وطرق التحليل الأدبي. ومنذ القرن التاسع عشر، اشتمل البحث الأدبي على النظرية الأدبية واعتبارات التاريخ الفكري والفلسفة الأخلاقية والنبوءة الاجتماعية ومواضيع متعددة التخصصات ذات صلة بكيفية تفسير الناس للمعنى. وفي العلوم الإنسانية في الأوساط الأكاديمية الحديثة، فإن النمط الأخير للمعرفة الأدبية هو فرع من ما بعد البنيوية. وبالتالي، أصبحت الكلمة “نظرية” مصطلحًا شاملاً للمقاربات العلمية لقراءة النصوص، وبعضها مستمد من علم الاجتماع والفلسفة القارية.
وأصبحت ممارسة النظرية الأدبية مهنة في القرن العشرين، ولكنها تملك جذورا تاريخية تعود إلى اليونان القديمة (إذ غالبًا ما يستشهد بشعر أرسطو في وقت مبكر)، والهند القديمة (مقالة بهاترا موني عن ناتيا شاسترا)، وروما القديمة (رسالة لونجاينوس في السامي) وعراق القرون الوسطى (الجاحظ البيان والتبيين والحيوان، وكتاب البديع لابن المعتز). وتمثل النظريات الجمالية للفلاسفة من الفلسفة القديمة حتى القرنين الثامن عشر والتاسع عشر تأثيرات مهمة على الدراسة الأدبية الحالية، وترتبط نظرية الأدب ونقده بتاريخ الأدب.
إن المعنى الحديث لـ “النظرية الأدبية” يعود إلى الخمسينات تقريبًا من القرن الماضي عندما بدأ علم اللغة البنيوي لفرديناند دو سوسور في التأثير بقوة على النقد الأدبي في اللغة الإنگليزية. لقد وصف النقاد الجدد ونقاد آخرون متأثرون بالشكلانية الأوربية (و خصوصا الشكلانية الروسية) بعضًا من جهودهم المجردة بأنها “نظرية” أيضًا. ولكن لم يكن يُنظر إلى “النظرية الأدبية” على أنها مجال موحد حتى بدأ التأثير الواسع للبنيوية في الظهور في العالم الأكاديمي الناطق باللغة الإنگليزية.
وفي العالم الأكاديمي للمملكة المتحدة والولايات المتحدة، كانت النظرية الأدبية في أشهر حالاتها منذ أواخر الستينات (عندما بدأ تأثيرها ينتشر إلى الخارج من جامعات مثل جونز هوبكنز وييل وكورنيل) في الثمانينات (الوقت الذي كانت تدرس فيه في كل مكان تقريبًا بنحو ما). وأثناء هذه الفترة الزمنية، كان يُنظر إلى النظرية الأدبية على أنها متطورة أكاديميًا، وسعت معظم أقسام الأدب بالجامعات إلى تدريس النظرية ودراستها ودمجها في مناهجها الدراسية. وبسبب الارتفاع السريع في شعبيتها والصعوبة في لغة نصوصها الرئيسة، فإنه غالبًا ما تم انتقاد النظرية باعتبارها غامضة وبلا قيمة وسريعة الزوال .وتظهر العديد من الروايات الأكاديمية الساخرة في تلك الفترة، مثل تلك التي كتبها ديفيد لودج، النظرية بنحو بارز. ويشير بعض الباحثين، النظريين والمعارضين للنظرية، إلى مناقشات الثمانينات والتسعينات حول المزايا الأكاديمية للنظرية على أنها “حروب النظرية”.
وبحلول أوائل التسعينات، تراجعت بنحو طفيف شعبية “النظرية” كموضوع مثير للاهتمام في حد ذاتها (إلى جانب فرص العمل لـ “المنظرين” البحتين) حتى مع دمج نصوص النظرية الأدبية في دراسة كل الأدب تقريبًا. وفي العام 2010، هدأ الجدل حول استعمال النظرية في الدراسات الأدبية، وتميل المناقشات حول هذا الموضوع في الدراسات الأدبية والثقافية الآن إلى أن تكون أكثر اعتدالًا وأقل نشاطًا. ومع ذلك، فإن بعض الباحثين مثل مارك باورلين يواصل القول بأن المنظرين الأقل قدرة قد تخلوا عن الأساليب المثبتة في نظرية المعرفة، مما أدى إلى ثغرات مستمرة في التعلم والبحث والتقييم. ويعتمد بعض الباحثين بنحو كبير على النظرية في عملهم، بينما يذكرها آخرون بنحو عابر أو لا يذكرها على الإطلاق، لكنها تمثل جزءا مهم معترف به من دراسة الأدب.
والغرض من هذا الكتاب هو توفير دليل تمهيدي للقضايا الرئيسة، وربط المفاهيم النظرية بعناية بالمصطلحات الأكثر تقليدية لضمان أن المجالات التي تمت مناقشتها ليست منطقة غير مألوفة تمامًا. والكتاب يتمحور حول قضايا التأليف والقراء مبدئيًا، ويثير قضايا أخرى عن الطرق التي يتم بها تصنيف الأدب واستهلاكه، كما أنه يبحث في علاقة النصوص الأدبية بكل من الأفراد والمجتمع وينظر في الطرق التي تخضع بها النصوص لتفسيرات مختلفة عبر الحدود الثقافية والتاريخية.
واخيرا فإن مؤلف الكتاب هو الأستاذ روجر وبستر مدير الدراسات الثقافية في جامعة جون مورس في ليفربول .

الفصل الأول: نقاط الاختلاف
Points of Departure

أصبحت مكانة النظرية الأدبية في دراسة ما يسمى بصورة شائعة “الإنگليزية” أكثر أهمية بصورة متزايدة في السنوات الأخيرة. ولم يمض وقت طويل فعليا على دراستي للحصول على شهادة في “اللغة الإنگليزية وآدابها” في أوائل السبعينات على ظهور النظرية الأدبية في أي مكان كموضوع في المنهج الدراسي. وكان ثمة مقرر اختياري في تاريخ النقد الأدبي والذي، كما سنرى، يمثل مجالا مختلفا إلى حد ما، وكان هناك اهتمام كبير بتاريخ اللغة الإنگليزية من الأنگلوساكسونية والإنگليزية الوسيطة إلى القرن العشرين، ولم يجري إيلاء إلا القليل من الاهتمام للقضايا التي أضافت إلى أو عززت الطرق التي يقرأ بها الطلاب الأدب ويدرسونه. في الواقع، كان هناك ثمة مكانة قليلة لما تتكون منه “اللغة الإنگليزية” أو “الأدب” والسبب الذي يكمن وراء ذلك. وللإفراط في التبسيط، قرأ العديد من الطلبة “اعمال” “المؤلفين” من “فترات” معينة التي كانت تعنى بنحو أساس “بالشخصيات”، ويبدو أن هذه الأصناف غير إشكالية إلى حد ما حتى لو كانت هناك نقاشات صحية عن التفسير قبل أن ينتهي النقاش عادةً حول معنى معين ونهائي، كما يأمل المرء (1).
وبدأ مدرسو الأدب وطلابه مؤخرًا، لأسباب متنوعة، في النظر إلى هذه النشاطات والأصناف والقيم التي تنطوي عليها بنحو مختلف نوعًا ما. وتتناول العديد من المقررات الدراسية التي تتضمن دراسة النصوص الأدبية الآن الأسئلة والقضايا الموجهة بواسطة النظرية الأدبية والتي ربما جرى تجاهلها أو عدها بدهية، و هي بالتالي أفكار ومفاهيم غير قابلة للاعتراض. وتظهر النظرية الأدبية بنحو متزايد في المناهج الدراسية في العديد من المؤسسات. وقد يكون هذا واضحا في مقرر في حد ذاته: كعنصر أساس أو اختياري في برنامج دراسي. وربما يكون الأهم من ذلك، أن النظرية أصبحت واضحة أيضًا في أشكال ضمنية للعديد من المقررات الدراسية التي تم تصورها عن طرق أكثر تمسكا بالأعراف وأكثر تقليدية في تنظيم مختارات من النصوص الأدبية للدراسة: مثل الجنس الأدبي (رواية، شعر أو دراما)، أو الفترات (قرون، عقود أو غير ذلك من المتغيرات)، النزعات (مثل الرومانسية، الحداثة)، المؤلف (المؤلفون) (مختارات من الكتاب “العظماء” وأحيانًا كتابا غير عظماء جدا). وفي الحالة الأخيرة، لم يعد من الممكن عد معايير ترتيب النصوص الأدبية واختيارها- وفي الواقع ما هو مقصود بصنف “الإنگليزية” أو “الأدب”- أمرًا مفروغًا منه. وقد نقول انه مثلما تتغير تجاربنا القرائية ونحن ننتقل من الطفولة إلى البلوغ، ونصبح أكثر وعيا بالسرديات وهي تخترع أو تبنى بعدة طرق مستعملة وسائل وتقنيات معينة- فإننا نتوقف عن أن نكون قراء بريئين- وبنحو مماثل- انتقلت الدراسة الأدبية من موقف ينظر إلى الأدب بوصفه ظاهرة “طبيعية” في الغالب إلى نهج أكثر استجوابًا يسائل الآن العديد من الجوانب التي عدت سابقًا غير قابلة للسؤال وواضحة و طبيعية (2).
لقد استقبل ظهور النظرية الأدبية بردود متباينة. وفي السبعينات من القرن الماضي، أصبحت النظرية الأدبية الأوروبية، أو بالأحرى المنظرون، بارزة بنحو متزايد: ربما يكون من المهم أن كتاب النظرية الأدبية قد منحوا في بعض الأحيان مكانة بارزة أكثر مما يستحقون- ولا يزالون كذلك في بعض الأوساط. وكانت هناك مناقشات حامية في المجلات والصحف والمؤسسات الأكاديمية اذ بدا أن هناك استقطابًا بين الأفكار الجديدة الراديكالية، التي غالبًا ما تكون أجنبية في الأصل، والتي جمعت معًا تحت المصطلحين الأحاديين “النظرية” أو “البنيوية”، والآراء الأكثر تقليدية التي تتميز بمصطلحات مثل الإنسانية أو الفطرة السليمة أو التقاليد. ومن المؤكد أن المجموعات- التي كانت موجودة وما زالت موجودة- عارضت بشدة أي تغيير في دراسات اللغة الإنگليزية كما تشكلت قبل ظهور النظرية الأدبية. لقد كانت عبارة “أزمة دراسات اللغة الإنگليزية” شائعة جدًا في أوائل الثمانينات، وكان من المهم ظهور عدد من المجالات الجديدة للدراسة الأكاديمية في مؤسسات التعليم العالي، مثل الدراسات الثقافية ودراسات الاتصال، والتي مثلت تحديًا بطرق مختلفة لمحتوى مقررات اللغة الإنگليزية التقليدية ومنهجياتها إضافة إلى تعطيل احتكار الثقافة الأدبية التي كانت موجودة في الأوساط الأكاديمية. وهكذا كان تأثير النظرية الأدبية في العقد الماضي إذ يصعب على الناقد الأدبي الكتابة اليوم من دون الانخراط في جوانب منها على مستوى ما، ويبدو أنه من الصعب أيضًا على طالب الأدب تجاهل تلك الأفكار التي أثرت في طرق قراءة النصوص الأدبية والتي دمجت في خطاب النقد الأدبي.
ويرمي هذا الكتاب إلى أن يكون مقدمة لبعض جوانب النظرية الأدبية وقد حاولت الإشارة إلى فقرة المزيد من القراءة لأولئك الذين يرغبون في متابعة دراستهم في اتجاهات معينة حيثما أمكن، أي إلى اراء مرتبطة بالنقد الأدبي الأكثر تقليدية مع تلك الناشئة عن النظرية الأدبية والتي قد يُنظر إليها على أنها تتحداها أو تعدلها. ومثلما سنرى، سيكون من الخطر افتراض أن النظرية الأدبية تقدم صيغًا مضمونة للتفسير، أو أنها مجرد طريقة بديلة للقراءة. النظرية الأدبية هي منطقة معقدة ومتغيرة، تختلف عن بعض الأصوليات النقدية السابقة، وتتميز بالنقاش والاختلاف أكثر من الإجماع.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here