فيلم سيدة الجنة مواقف الفقهاء الحلقة الثانية

نجح الشيخ ياسر الحبيب في اثارة موضوع كسر ضلع الزهراء على الملأ ، وتحدث لهم عن تفاصيل القصة من خلال أبرز وسيلة إعلامية وهي السينما ، حيث أخرج الرواية من مخطوطاتها القديمة وجعلها تنطق وتتحرك وتثير النقاش والشجن والعواطف ، وطرح هذه الرواية للنقاش ليس من خلال الطرق السندية القديمة ولا المحاججة المنطقية داخل الحوزات الدينية بل طرحها على العالم أجمع بلغة عالمية هي اللغة الانكليزية ، وقدم للمسلم وغير المسلم قصة مضطربة تفتقد للمصداقية والإنصاف لايعرف المشاهد اصلها ، وهي تنتظر الرد على نفس المستوى ، فمن هو الذي يستطيع فضح هذه القصة وكشف الخفايا التي خلقتها واخرجتها بهذا الشكل ، نحن نتوقع قيام المرجعية صاحبة الاختصاص برد فحوى قصة الشيخ ياسر الحبيب وكشف الخطأ الذي قام به ، والجناية التي ارتكبها بحق جماهير كل المذاهب  … ردٌ يناسب مستوى الفيلم ، يشرح فيه القصة الحقيقية باللغة العربية والانكليزية لغرض كشف التزوير الذي قام به ياسر الحبيب ، كما توقعنا قيام خطباء المنابر الذين لا تشرد عنهم شاردة ولا واردة بتحليل القصة والرد عليها تحليلا وشعرا حسب طريقتهم لكي يمنعوا اتباعهم من التصديق بمثل هذه الاقوال ويحصنوا وعيهم من قبول الحكايات غير اللائقة بالامام علي وفاطمة الزهراء حصرا ، وعدم تسخير هذه الرموز المقدسة للمناكفة المصلحية والمنافسة على فهم النصوص الدينية حسب فهمهم وتسخيرها لصالحهم واحتكار تفسيرها واستغلالهم في قصة تفتقد للمعقولية ، نعم توقعنا ذلك ، وانتظرنا ومكثنا نترقب ، واسترقنا السمع الى مكتب المرجع الاعلى في لندن ، لكن لا جواب .. ينقل الاعلام والصحف يوميا من هنا وهناك خبرا عن مظاهرة ضد هذا الفيلم ، واخرى تهيب بالشيعة والحكومة البريطانية إيقاف الفيلم وياسر الحبيب عند حده .. وتوقفت بعض دور السينما عن عرضه ، لكن المكتب سكت عن تلك الطلبات وصم السمع عن صرخات فاطمة الزهراء التي يدخل المسمار في ضلعها يوميا في هذا الفيلم ، ويخرج المشاهدون يدينون بكل اللغات من يقدس ويحترم صاحب هذا الفعل المخزي الشنيع . وعندما تبقى القصة بدون رد من اصحاب الشأن الذين درسوا وتضلعوا في قبول او رفض الروايات التاريخية يعني صحة وقوعها .

لقد فرحنا جدا حين أصدر فقهاء ايران ( آيات الله ناصر مكارم الشيرازي ، وحسين نوري الهمداني ، جعفر سبحاني ، لطف الله صافي الكلبايكاني ) فتوى بحرمة جمع المال لهذا الفلم وحرمة مشاهدته ونشره وتوزيعه لانه يضر بالمسلمين ، نعم يضر بالمسلمين ، لكن كيف سيضر هذا الفيلم بالمسلمين ولماذا ؟ لا نعرف ولم توضحه الفتوى . فقد نست هذه المراجع الدينية موقفها السابق من السيد محمد حسين فضل الله ، الذي شكك بنفس الرواية ، وهم انفسهم من تصدى له وأخرجه بسبب ذلك من المذهب وأفتوا بضلالته بعد أن بحث في سند نفس الرواية التي اعتمدها ياسر الحبيب في هذا الفيلم وشكك في متنها .

لقد طرح السيد فضل الله مجموعة من الأسئلة العقلية ووصف الحدث وخرج بنتيجة واضحة هي أن الرواية غير معقولة ، فقد كانت فروسية الامام علي ودوره في الحروب معروفا ويمنع حدوث مثل هذا الامر ، ولم يكن الجانب الآخر بمثل هذه الميزة ، كما كانوا ينادون على الشخص المطلوب من خارج الدار ولا يطرقون بابه ، ولا يعصرون زوجته امام ناظريه خلف الباب ، والباب مصنوعة من السعف ولاتحتاج الى مسامير بل تربط أقسامها بخوص السعف ( انظر تفسير العياشي ج2ص 66، والاختصاص للشيخ المفيدص 186) ، وليس من المعقول أن ينادي عمر بن الخطاب على الامام علي و يتلكأ علي في الخروج إليه ، وتخرج مكانه السيدة فاطمة الزهراء وليس خادمتها فضة ..، مجموعة من الاسئلة كان قد طرحها عام 1993 ، وكانت نتيجتها تحرك مجموعة مكونة من 20 من آيات الله ذكرت اسماءهم في كتاب ( ظلامات الزهراء للعقيلي ، وكتاب الحوزة تدين الانحراف ) أفتوا بضلالة فضل الله وحكموا بخروجه من المذهب ، كما توجد فتوى لمكتب السيد السيستاني في قم بتحريم دعوة فضل الله والاستماع إليه وتحريم كتبه وبيعها باعتبارها كتب ضلال فضلا عن خروجه من المذهب الاثني عشري ( قيل إن السيد السيستاني لا يعلم بهذه الفتوى )، هذا (مضافا إلى شبهات قوية جدا عن علاقته بالجهات الاجنبية) ( انظر كتاب الحوزة العلمية تدين الانحراف ، محمد علي الهاشمي المشهدي ) .

 لقد باغت السيد فضل الله وهو ابن حوزة النجف مراجعها ومراجع إيران في التقرب من تلك الرواية والتشكك في صحتها ، وكأنه فتح باب القمقم الذي كانت تلوذ به شتى الروايات الخرافية ، فتحركت كافة المرجعيات لإدانته بتحرشه بالمقدسات المتوارثة ، واستغلوا انفراده بهذا الطرح ، وعرفوا خلال هذا الصراع معه مواطن ضعف المراجع المتمثلة بالمال القادم من المقلدين له ، وهو بالتالي سينقطع لو استمرت هذه الحملة ضده  ، فبان ضعف جبهته وخطورة موقفه وتسرب الانصار منه ، فحاول التعبير عن تراجعه عن تلك الحقائق التي انكشفت له بكلمات عامة ولسان حاله يقول ما قاله غاليلو ( لكنها تدور ) ، ومن يراجع أقواله يلاحظ مفردات الاعتذار القولي عن جرأة التفكير بذلك الخزين الروائي ، وقال بأنني تساءلت فقط!! فما الداعي لهذه الحملة الكبيرة والواسعة ضدي .

إن الموقف من السيد فضل الله والموقف من الشيخ ياسر الحبيب هو موقف متناقض ومتضارب اتخذته نفس المراجع الدينية ، ولو أمعنا النظر في الأسباب التي أوصلتهم الى هذا التناقض لتوصلنا الى ان الموقف من فضل الله كان وما زال نفس الموقف الحالي للمرجعيات الدينية التقليدية ، فهي تؤمن بهذه الروايات التي وضعها ياسر الحبيب في الفيلم المذكور ، وهي في نفس الوقت ترفض مراجعتها والتفكير بها وتمحيصها ، لأن ذلك يجعلها في موقف شبيه بموقف فضل الله ، وهو سر سكوت مكتب المرجع في لندن ، والمرجعية في نفس الوقت لاتستطيع إدانة الروايات التي اعتمدها ياسر الحبيب فهي مشهورة ومتواترة حسب تقييمهم ، ولا يمكنهم تكذيبها ولا التبرؤ منها ، وهي أحد المكونات الأساسية لثقافة ومبادئ هذه المرجعيات .

وكان موقفهم الجديد المتناقض بتحريم التبرع بالمال لهذا الفيلم ومشاهدته متأثرا بالإسلام السياسي الذي توسع باستمرار منذ قيام الثورة الايرانية وامتدت تأثيراته الى الطوائف الاخرى التي استهدفها ياسر الحبيب ، ويتكون الاسلام السياسي في الوقت الحاضر من مجموعة كبيرة من أتباع المذاهب الأخرى ، فهم من (جيشه) والهجوم على بعض قطعات هذا الجيش هو هجوم على المرجعية السياسية التي تغلب المصالح السياسية على الدين وتؤله لصالح ذلك. فمن المعروف أن الإسلام السياسي بقيادة ولاية الفقيه اصبح يتعامل مع النصيرية والزيدية وجميع المذاهب الاسلامية الاخرى ضمن وحدة الهدف الذي يريد الشيخ ياسر تحطيمها بهذه الطريقة ، فمن المعروف ان عمر بن الخطاب هو أحد رموز حماس المتحالفة مع إيران ، فماذا سيقوله هذا الشيخ لحماس التي تقدس عمر بن الخطاب حامل مفاتيح القدس !! ؟ .

انها فعلا حالة صعبة وتتطلب السكوت ، فلم تصل الدراسات الحوزوية بعد الى تفنيد بعض الروايات التاريخية الضعيفة ، وتظهر بين حين وآخر هجمة مركزة على الذين يتقربون من هذا الحقل ، وامثلة السيد كمال الحيدري واحمد الكاتب ومحسن كديفر ومصطفى ملكيان واحمد القبانجي والشيخ آصف محسني حاضرة ، ومازال هذا الحقل ممنوعا ومغلق الابواب .

 ان الحديث عن اصل المشكلة غير ممكن في الوقت الحاضر ، ويمكن الحديث عن بعض تجليات الحدث مثل تحريم ظهور الشخصيات المقدسة في الفيلم وسماع اصواتهم ، وتمثيل بعض الممثلين الاجانب لتلك الشخصيات، ورفض حالة الجهر والصوت الطائفي العالي الذي يتكلم به ياسر الحبيب عن اسرار المذهب.

 ان حالة استغلال النصوص الدينية للهجوم على الأديان والمذاهب الاخرى مازالت موجودة وسارية المفعول ، ويمكن أن يستعملها الكثير من المتطرفين لإثارة الصراع بين أطراف وفئات الشعب الواحد ، وأمامنا تجربة داعش الذي استخدم نفس الأحكام التي يؤمن بها الأزهر وتؤمن بها كل المرجعيات الدينية ، لذلك لم تنتقد تلك المراكز جوهر الفكر الداعشي ، ولم تفند روايات فقدان حرية الإنسان الحر لحريته عند أسره ، وتحطم علاقته الاسرية بالغاء عقد زواجه مباشرة بحيث تباع زوجته وجميع أفراد عائلته بعد الأسر ويصبح عبدا يباع ويشترى ، ويعتدى على شرف زوجته وبناته بل ويقتل إذا كان من أتباع دين غير سماوي حسب فقه تلك المراجع . كما لم ينتقدوا حد الردة غير المذكور في القرآن ، ولم يعلقوا على أفعال داعش وما يؤمن به من روايات -أدت إلى تلك الأفعال- ، ومازالت هذه المهمة تنتظر التقييم والمراجعة .

ان حالات الاتهام بالعمالة للأجنبي متبادلة ، فقد اتهم بعض المراجع بحصول علاقة للسيد فضل الله مع الأجنبي ، ورد عليهم فضل الله نفس التهمة ، وقال إن الهجوم عليه هو من افعال المخابرات المركزية الامريكية ، وقد اصدر تجمع علماء جبل عامل بيانا اكدوا فيه ان ياسر الحبيب أنتج فيلم سيدة الجنة وروج له بدعم من وكالة الاستخبارات البريطانية وذلك بهدف إشعال فتيل الفتنة بين صفوف المسلمين ( موقع قناة العالم ) . كما اتهمته بعض المصادر وعدد من المقالات المنشورة بعلاقته مع جهاز ام 6 البريطاني الذي يزوده بالمال والحماية والدعم . ولا يمكن إنكار ذلك ولا تأكيده ، والذي يمكن تأكيده هو وجود روايات ضعيفة وضعت في غمرة الصراع السياسي منذ حكم الدولة البويهية التي استعانت بتلك الروايات لتثبيت ايديولوجيتها في الحكم ، ولم تضعها المخابرات الامريكية ولا البريطانية في التراث الإسلامي عامة .

حسين سمسم

 

يتبع

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
,
Read our Privacy Policy by clicking here