فيلم سيدة الجنة جناية كتاب الهلالي الحلقة الرابعة

قلنا في الحلقات الماضية أن كتاب سليم بن قيس الهلالي كان أحد المحطات الرئيسية للخلاف المذهبي ، وبرواياته يشعل البعض العواطف و يوقدون الفتن ويضرمون العداوة ويذكون البغضاء بين أصحاب الدين والوطن الواحد ، وفي هذه الحلقة سنطل على رواية هذا الكتاب ، ونسلط الضوء عليها وعلى رواتها الأوائل .

ولد سليم بن قيس الهلالي عام 2 قبل الهجرة في الكوفة ، وتوفي عام 70 هجرية في مدينة نوبندجان في إيران في بيت أبان بن عياش حسب بعض الروايات ، وكان له من العمر 13 سنة أيام بيعة أبي بكر ، وقد ورد المدينة أيام عمر بن الخطاب ، وبهذا لم يشاهد أحداث ذلك الوقت ولا كسر ضلع الزهراء ، وقال إن سلمان الفارسي (ت 33) رواها له في تاريخ ومكان غير محددين . هرب سليم بن قيس من ظلم الحجاج الثقفي الى إيران والتجأ إلى أبان بن عياش المولود عام 62 هج والمتوفى عام 138 ، ويعني ذلك أن بن قيس الهلالي التجأ إلى طفل يبلغ من العمر 8 أعوام ، ولم تحدد المصادر التي بين أيدينا تاريخ هروبه من الكوفة ، هل هو في نفس سنة وفاته أم قبل ذلك ؟، فكلما تقدم تاريخ الهروب يكون عمر أبان بن عياش أقل ، ونتيجة لذلك قام المتأخرون باطالة عمر سليم بن قيس وجعلوا وفاته عام 76 هجرية ، ولم يكتف البعض الآخر بذلك بل زادوه إلى 90 هجرية .

وضع سليم بن قيس مخطوطته الوحيدة من الكتاب عند أبان بن عياش ، وقبل وفاة أبان بشهر سلم نفس النسخة الى عمر بن اذينة المتوفى في اليمن في حدود عام 168 ، فهو قد فر الى اليمن هربا من المهدي العباسي ( 127 –  158 ) ومات هناك . ويعني ذلك أن النسخة الوحيدة من المخطوطة ظلت في اليمن وليس لدينا رواية تحكي عن كيفية وصولها الى بغداد بعد حوالي قرن ونصف ، أي في القرن الرابع الهجري .

 قال عنه ابن الغضائري ( أن أبان بن عياش ضعيف ولا يلتفت إليه وينسب اصحابنا وضع كتاب سليم بن قيس اليه ) ، وقال الشيخ المفيد( ت 413 ) ( ان هذا الكتاب غير موثوق به ، ولا يجوز العمل على أكثره، فقد حصل فيه تخليط وتدليس)(انظر تصحيح الاعتقاد ص 150 ، وذكر السيد الخوئي ان طرق الكتاب ضعيفة( انظر ج9 ص 262 معجم رجال الحديث ) . يكفينا جرح هؤلاء الأعلام وتضعيفهم لهذا الكتاب كاملا لإسقاط رواياته عن الاعتبار ، ويعضد ذلك عدم ذكر كتاب الكافي للكليني (ت 329) رواية الاعتداء على فاطمة الزهراء ، هذا من ناحية وثاقة السند ، اما متن الرواية فقد قسمته إلى الأقسام الرئيسية التالية ليسهل فهمها ومتابعتها :

1- دعا أبو بكر عليا ع لمبايعته لكنه رفض ذلك ، فلما كان الليل حمل علي ع فاطمة ع على حمار واخذ بيدي ابنيه الحسن والحسين ع ، فلم يَدعْ أحدا من أهل بدر من المهاجرين ولا من الأنصار إلا أتاه في منزله ، فذكرهم حقه ودعاهم الى نصرته فما استجاب منهم إلا أربعة وأربعون رجلا ، فلم يوافِ منهم أحد إلا أربعة : سلمان ، وأبو ذر والمقداد والزبير .

 أن هذا الجزء من الحديث شاذ ولم يذكره علي ع في جميع خطبه، كما لم يذكره مصدر آخر.

2- لما رأى علي خذلان القوم لزم بيته لجمع القرآن ، فبعث إليه أبو بكر للمبايعة فاعتذر علي بذلك . فقال عمر : ما أغنانا بما معنا من القرآن عما تدعونا إليه ثم دخل علي عليه السلام بيته .

3- قال عمر لأبي بكر ( ما يمنعك أن تبعث إليه فيبايع ) فقال أبو بكر من نرسل إليه ؟ فقال عمر نرسل إليه قنفذا ، وهو رجل فظ غليظ جاف من الطلقاء أحد بني عدي بن كعب ( من أقرباء عمر ) .

هذا الجزء يراد منه تحضير مسرح الجريمة وأبطالها وتحديد قرابتهم من عمر ، وبالتالي مسؤوليته عنها ، وقنفذ هو من الرجال المختلف فيهم ،فهو قنفذ بن عمير بن جدعان التيمي وهو بذلك من اقارب ابي بكر وليس عمر ، وقد ذكرت بعض المصادر أن اسمه خلف وقد ولاه عمر في خلافته مكة ثم عزله ، وذكرت بعض المصادر انه من الذين هاجروا إلى الحبشة أي أنه أسلم قبل فتح مكة ولم يكن من الطلقاء .

4- ذهب قنفذ إلى علي فاستأذن علي ع فأبى أن يأذن لهم ، فرجع إلى ابي بكر وعمر ، فقال عمر اذهبوا ، فان اذن لكم والا فادخلوا عليه بغير اذن .

النص في هذا الجزء غير واضح ، فهل استأذن قنفذ من علي في دخول بيته ؟ وهل يوجد في بيت علي ع حاجب يمنعه من الدخول ؟ وهل ان دخول البيت هو الهدف أم دعوة علي ع لمبايعة أبي بكر هي الهدف الرئيسي ، ويستطيع ابو بكر اسماع الامام علي من منبر الرسول في المسجد ، حيث ان بيت الإمام علي له باب واحده تفتح من المسجد النبوي .

5- فانطلقوا فاستأذنوا فقالت فاطمة ع أحرج عليكم أن تدخلوا على بيتي بغير اذن؟ ، فرجعوا .

انطلقوا مرة أخرى الاستئذان فاطمة!!!

6- أمر عمر ناسا حوله أن يحملوا الحطب فحملوا الحطب ومعهم عمر فجعلوه حول البيت ، ثم نادى عمر : والله لتخرجن يا علي ولتبايعن خليفة رسول الله وإلا أضرمت عليك بيتك بالنار . فقالت فاطمة يا عمر مالنا ومالك ؟ فقال : افتحي الباب والا احرقنا عليكم بيتكم . ودعا عمر بالنار فاضرمها في الباب ثم دفعه فدخل فاستقبلته فاطمة ع وصاحت يا أبتاه يارسول الله ، فرفع عمر السيف وهو في غمده فوجأ به جنبها ، فصرخت يا ابتاه فرفع السوط فضرب به ذراعها ، فوثب علي ع فاخذ بتلابيبه ثم نتره فصرعه ووجأ أنفه ورقبته وهم بقتله ، فذكر قول رسول الله ص وما أوصاه .. فأرسل عمر يستغيث فأقبل الناس حتى دخلوا الدار ، وثار علي ع الى سيفه ، فرجع قنفذ إلى أبي بكر وهو يتخوف أن يخرج علي ع بسيفه .

في هذا المقطع يضع عمر الحطب حول بيت الامام علي ، ويجهل كاتب هذه الرواية موقع ومواصفات بيت الامام علي ، فهو ليس قصرا بل هو بيت بسيط محاط من ثلاث جهات بالبيوت ، وبه باب واحدة تفتح على المسجد . وفي هذا المقطع يضرم عمر النار بباب البيت ويدخل منها في فعل اعجازي لم يتأثر بالنار ، وفيه تخرج فاطمة الزهراء ع قبل علي فيضربها عمر لسبب لم تحدده الرواية ، فهي ليست طرفا في البيعة ، ويرى علي ما فعله عمر بزوجته وينتظره لغاية اكمال جريمته ، فيظهر ويصرع عمر ويهم بقتله وعمر يصرخ ويستغيث ، فيتذكر علي وصية النبي ويتوقف ، ونسي الكاتب أن الإمام علي في بداية هذه الرواية اراد تجميع أربعين من الصحابة لمقاتلة قادة السلطة الجديدة ، وفي نهاية هذا المقطع يختفي عمر من الرواية ويظهر قنفذ راجعا لأبي بكر يخبره بخروج علي بسيفه .

7- قال أبو بكر لقنفذ إرجع ، فإن خرج وإلا فاقتحم عليه بيته فإن امتنع فأضرم عليهم النار بيتهم بالنار ، فانطلق قنفذ الملعون فاقتحم هو وأصحابه بغير إذن ، وثار علي إلى سيفه فسبقوه فألقوا في عنقه حبلا . وحالت بينهم وبينه فاطمة ع عند باب البيت فضربها قنفذ الملعون بالسوط ، ثم انطلق بعلي ع يعتل عتلا حتى انتهى به إلى أبي بكر . ويقول سلمان الفارسي رأيت أبا بكر ومن حوله يبكون و ينتحبون!!! مافيهم الا باك غير عمر وخالد بن الوليد والمغيرة بن شعبة .

 وهذه رواية جديدة تختلف عن الرواية السابقة ، ونسى فيها الراوي بأن عمر قد أضرم النار ، ونسي أيضا ضرب عمر لفاطمة الزهراء ، ويبدأ برواية جديدة هي أن قنفذا اقتحم الدار وهو الذي ضربها بالسوط وهو الذي ربط الامام علي ع من عنقه !!! وجره بقوة إلى أبي بكر . وقد خجل المجلسي في بحار الانوار من ذكر ( ثم انطلق بعلي ع يعتل عتلا حتى انتهى به إلى أبي بكر .. ) وتجاوزها

8- فانتهوا بعلي ع إلى أبي بكر وهو يقول : أما والله لو وقع سيفي في يدي لعلمتم انكم لن تصلوا الى هذا ابدا . أما والله ما الوم نفسي في جهادكم ولو كنت استمكنت من الأربعين رجلا لفرقت جماعتكم .

9- ترجع الرواية وتقول : وقد كان قنفذ لعنه الله ضرب فاطمة ع بالسوط، وأرسل إليه عمر :  حالت بينك وبينه فاطمة فاضربها ، فالجأها قنفذ لعنه الله الى عضادة باب بيتها ودفعها فكسر ضلعها من جنبها فألقت جنينا من بطنها .

وهي رواية جديدة ايضا ، ونسى فيها الراوي النار التي أضرمها عمر بالباب ، ونسى أن قنفذا احرق البيت ، فعادت باب البيت الى طبيعتها لغرض وضع فاطمة الزهراء خلفها لكسر ضلعها لكي تلقي جنينها ، وفي هذه الرواية يقوم قنفذ بكسر ضلع الزهراء وليس عمر ، وهي رواية متناقضة مع حوادث الفيلم .

10- فقال عمر : قم يا بن أبي طالب فبايع ، فقال علي فإن لم افعل ؟ قال والله نضرب عنقك .، ثم مد يده من غير ان يفتح كفه فضرب عليها أبو بكر ورضى ذلك منه. فنادى علي ع قبل أن يبايع والحبل في عنقه يا( ابن ام إن القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني ) .

خجل المجلسي من توصيف هذا المنظر الذي صور علي بن أبي طالب بهذا الشكل غير اللائق فاهمله ولم يذكره .

وفي هذه الرواية اجبر علي على مبايعة أبي بكر بالقوة والإكراه ، وأضمر عدم البيعة لأنه لم يفتح كفه ، وهو سلوك لا يليق بالامام علي ويتناقض مع الأحداث اللاحقة .كما أن هذه المبايعة لم تتم تاريخيا حسب عدد من الروايات، فقد ذكر اليعقوبي في تاريخه ( ج2 ص 116 ) ولم يبايع علي إلا بعد ستة أشهر وقيل أربعين يوما . وقال ابن ابي الحديد ( والذي يقوله جمهور المحدثين وأعيانهم ، فإنه امتنع عن البيعة ستة أشهر ولزم بيته ، فلم يبايع حتى ماتت فاطمة ) .وكذا ذكر تلخيص الشافي والبلاذري وإبراهيم الثقفي .

الرواية مضطربة في تسلسلها وفي معانيها ، ويشعر القارئ بان تصحيحا واضافات وروايات اخرى وضعت فيها ، ولا تكشف لنا الرواية من الذي كسر ضلع الزهراء ، ففي الفيلم عمر وفي الرواية قنفذ ، وفي نهاية هذا المقطع اطلب من ذوي الشأن علماء الدراية والرواية والمراجع الكرام الإدلاء بدلوهم وبيان حيثيات هذه الرواية وفصل السقيم عن الصحيح لان اسئلة الناس من جميع المذاهب والشيعة ضمنهم توسعت وهم ينتظرون من يشعل شمعة ويضع الحقائق في مجاريها الصحيحة .

حسين سمسم

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here