التغيير عراقياً

محمد عبد الرحمن

تسعة أشهر مضت على الانتخابات البرلمانية الاخيرة، والمواطنون ما زالوا في حالة انتظار ، فيما الكثير منهم لم يعد يكترث كثيرا بالتصريحات، خصوصا تلك التي تطلقها قوى سياسية تريد ان تشكل الحكومة على وفق مقاساتها، وتتحمس اكثر ممن يرون ويتلمسون تعقيدات المشهد السياسي العراقي، خاصة بعد انسحاب الكتلة الصدرية من البرلمان .

المواقف والتصريحات يلغي بعضها وينسف البعض الاخر، خصوصا لجهة التوافق (كما يحلو للبعض ترديد هذه الكلمة) على رئاسة الوزراء في الاطار التنسيقي، او تقارب الحزبين الكردستانيين لحل عقدة مرشح رئيس الجمهورية، فيما الكثير من الأمور ان لم تكن تراوح في مكانها فانها ذاهبة الى تعقيد، وليس ادل على ذلك من حالة النأي بالنفس (اشخاص وقوى)عن المشاركة في الحكومة او الترشح لرئاسة الوزراء .

والاغرب، ومن باب التهديد، اننا نسمع قوى تقول ان البلد ان لم تتشكل حكومته على وفق المواصفات التي تريدها هي وتصر عليها فهو ذاهب الى الفوضى، وكأننا لا نعيش حالة الفوضى بفعل مواقف قوى متنفذة، رفضت وبعناد قبول أي تغيير ولو جزئي في معادلة الحكم ومنهجه. والذريعة جاهزة طبعا وهي مصالح المكون او المذهب او الطائفة، ناسبة لنفسها حماية تلك المصالح، في حين الداني والقاصي يعرف ماذا الحقت هذه القوى من إضرار وسببت من أزمات وكوارث لمن تدعي تمثيلهم. ومن يتابع ما يكتب وينشر هذه الأيام يجد فيه أمورا مخيفة وتفريطا لا حدود له بمصالح الناس والوطن والمال العام، من قبل القوى ذاتها التي تصر اليوم أيضا على المنهج الفاشل ذاته، الحامي لمصالحها ونفوذها ، وللفساد والفاسدين وجماعات السلاح المنفلت.

ليس من المهم كثيرا الحديث عن انجاز تشكيل الحكومة، فالتساؤلات عديدة : اية حكومة يراد تشكيلها، وما هو برنامجها، وما آلية تكوينها، وهل حقا ستتمتع بامكانية اتخاذ قرارات ومواقف، بعد ان ثبت على وجه اليقين ان المواقف والسياسات والقرارات تتخذ خارج الحكومة، وحتى خارج البرلمان الذي فشل تماما في انجاز مهامه بعد هذه الفترة التي انقضت، دون انتخاب رئيس الجمهورية واستكمال الاستحقاقات الدستورية الأخرى؟ وهذا خرق كبير، ففي دول العالم التي تحترم دساتيرها يجري في حالة كهذه التوجه الى الحل السلمي والدستوري، المتمثل في حل البرلمان واجراء انتخابات مبكرة .

بعض القوى تجهد نفسها الان للبحث عن مخرج من الازمة الراهنة، وهي في جميع الأحوال ليست ازمة وطن ومواطنين، بل ازمة متنفذين ومنهج حكم فاشل ومحاصصة مقيتة. في حين هناك رأي يتسع أنصاره وداعموه ومريدوه ، يقول بانه حتى لو تشكلت هذه الحكومة فما عليها

الا ان تقدم الموازنة لاقرارها، وان تتوجه فعلا مع مجلس النواب الذي فقد الكثير الكثير من صدقية تمثيله، الى اجراء انتخابات بعد تهيئة مستلزماتها وبما يطمئن المواطن على عدم مصادرة صوته وعلى ان يكون البرلمان القادم اقرب الى تمثيل إرادة المواطنين وخياراتهم .

إن البلد يمر بمشاكل لا حصر لها، فالى متى الانتظار؟ وما المنتظر ان يتغير؟ وقد قيل “ان الكتاب يقرا من عنوانه” والمقدمات والمواقف المعلنة لا تجعل المواطن يطمئن الى إمكانية حصول تغيير ذي جدوى، في ظل تحكم وهيمنة القوى ذاتها التي غدت عنوانا للفشل والفساد .

وبالقدر الذي غدا التغيير الشامل ضرورة ملحة، يظل مطلوبا وضوح البرامج والأهداف والآليات وعدم التوقف في منتصف الطريق.

ولنا في عبر ودروس انتفاضة تشرين ما يفيد في رسم معالم القادم من الأيام .

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here