عبد الكريم قاسم في الميزان في تطبيقه عفا الله عما سلف (ح 2)

عبد الكريم قاسم في الميزان في تطبيقه عفا الله عما سلف (ح 2)

الدكتور فاضل حسن شريف

قال الله تبارك وتعالى “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنتُمْ حُرُمٌ وَمَن قَتَلَهُ مِنكُم مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَٰلِكَ صِيَامًا لِّيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ وَمَنْ عَادَ فَيَنتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انتِقَامٍ” (المائدة 95) فالاية واضحة ان الله تعالى هو الذي يعفو عن قتل الصيد في الاحرام وليس خارج الاحرام. والتأكيد ان الله وليس العبد حتى لا يستسهل العبد العفو بقتل الحيوان فكيف بقتل الإنسان الذي لم تتطرق له الآية. فآية القصاص واضحة بهذا الشأن قال الله جل جلاله “وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ” (البقرة 179).

ان الحاكم الذي يعفو عن ظالم نيابة عن اخرين بدون الاذن من شعبه فانه ابتعد عن شرع الله كما قال عز من قائل “وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَىٰ بِنَا حَاسِبِينَ” (الانبياء 47)، و “الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ” (غافر 17)، و “يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا” (ال عمران 30). ان الله سبحانه وتعالى سوف يحاسب عبد الكريم قاسم على دماء الابرياء التي اسيلت بعد قتله عام 1963 من قبل نفس الذين عفا عنهم بعد محاولة اغتياله ومنهم الطاغية صدام. أن على عبد الكريم قاسم أن يسأل مناصريه هل يعفو عن من أرادوا اغتياله لان اي ضرر يصيبه سوف يصيب مناصريه، وهم غالبية الشعب العراقي في وقتها. بل بالعكس استمر في جعل الاعداء في مناصب امنية وعسكرية واستخباراتية حساسة، وهم الذين انقلبوا عليه. وهذا درس للحاكم بان لا يعفو عن مجرم الا بعد استشارة رعيته او اذا اعتقد ان رعيته لم يوافقوا على العفو، وأن لا يقرب من اعتدوا عليه ومناصريهم في مراكز امنية وعسكرية حساسة. والله سبحانه وتعالى طلب من الإنسان أن يتفكر ويستخدم عقله ولا يسير تحت العاطفة . فالحاكم الذي لم يتخذ من عبد الكريم قاسم عبرة له فيعفو عن المجرمين ويقربهم له فانه بذلك كالبهيمة لا عقل له كما قال الله سبحانه “أَفَلَم يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَو آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ” (الحج 46) حيث يرى بام عينيه ما حصل لعبد الكريم قاسم ويكرر الخطأ فانه اعمى القلب. وقال الله عز وجل “أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا” (الفرقان 44).

جاء في شبكة النبأ المعلوماتية حول من القاموس السياسي العراقي المعاصر: عفا الله عما سلف للكاتب حيدر الجراح: عفا الله عما سلف، قصة المأساة العراقية التي لولاها لما وصلنا الى ماوصلنا اليه، ولما عاش العراق هذه الحروب وهذا الخراب المستمر منذ اطلقها الزعيم عبد الكريم قاسم بعد شفائه من محاولة اغتياله من قبل البعثيين وعلى رأسهم صدام حسين. عفا الله عما سلف خطأ تاريخي له نتائجه الوخيمة في تاريخ العراق المعاصر.. المعفو عنهم عادوا وانقلبوا على صاحب العفو بعد سنوات قليلة لينفتح تاريخ العراق على بوابة دامية من العنف المفرط راح ضحيتها صاحب العفو بأيدي القتلة الذين عفا عنهم، وليعيدوا الكرّة بعد ذلك ايضا في العام 1968 ويصبح راس الفتنة راس العراق الكبير وصاحب الالقاب والمقامات العالية، انه قائد العراق الضرورة صدام حسين الذي لم يتعود العفو يوما لأنه يعرف أن المعفو عنهم سينقلبون عليه يوما ما في لعبة من تبادل الأدوار والمواقع لا ترحم أصحاب العافين عن غيرهم. لو، أداة شرط لامتناع كما يعبر سادة القواعد والنحو العربي، وهي مدار كتاب لأحد الروائيين المشهورين واعتقد انه ستبفان زفايج الذي جعل هذه الكلمة مدخلا لسؤال إشكالي حاول من خلاله تخيل العالم وكيف يكون لو ان الكثير من احداثه لم تجر بالشكل الذي جرت به. تخيل ماذا لوان عبد الكريم قاسم لم يعف عمن حاول اغتياله ونفذ فيهم الحكم العادل الذي يوازي جريمتهم؟

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here