الأدب والنظرية الأدبية .. روجر وبستر

ترجمة : ا.د. كاظم خلف العلي
استاذ اللسانيات والترجمة –كلية الآداب – جامعة البصرة
[email protected]
عند تحديد ميدان يسمى النظرية الأدبية، قد يُفترض أن الأدب ظاهرة يمكن تحديدها بسهولة. ومن المؤكد أن مصطلح “الأدب” يستعمل بنحو متكرر بطرق تشير إلى أنه ليس مفهومًا إشكاليًا. تحتوي المكتبات، على سبيل المثال، على أنظمة لفهرسة النصوص الأدبية تميزها بوضوح عن الأنواع الأخرى من الكتابة. وفي الصحف والمجلات عروض للروايات ومجموعات الشعر في اقسام محددة بوضوح. ما تزال الكليات والجامعات والمعاهد الفنية لديها مقررات في الأدب يدرسها طلاب معينون، وما إلى ذلك. ومع ذلك، إذا نظرنا إلى الطرق التي تبني بها مجموعة الكتابة المسماة بمصطلحات مثل “الأدب” أو “الإنگليزية”، فيمكننا بالتأكيد أن نرى الاختلافات الناشئة بين الأوساط الأكاديمية والمؤسسات الشعبية. وتتباين هذه الاختلافات وفقًا للسياقات التي يوجد فيها “الأدب”، لذلك من الواضح أننا قد نتوقع العثور على مجموعة مختلفة من الكتب في قسم الأدب لدى بائعي الصحف في محطة السكك الحديدية عن تلك الموجودة في منهج المقرر الدراسي المتعلق بالقرن العشرين على مستوى شهادة جامعية. والاختلافات ليست ثقافية فحسب، بل تاريخية أيضًا: لقد جرى تعريف الأدب، ضمنيًا عادةً، بطرق مختلفة ونحو ملحوظ في غضون المائة عام الماضية. وحتى في ما قد يبدو على أنه سياق مشترك، مثل سياق المؤسسات الأكاديمية من مناهج المدرسة إلى مقررات نيل شهادة جامعية، هناك مفاهيم متباينة جدًا للأدب وأفكار متضاربة حول ما يشكل نصًا جديرًا بالدراسة في منهج دراسي. وقد سعت العديد من المؤسسات إلى ملاءمة نوع معين من الأدب واستثماره في القيم والحقائق الشمولية على ما يبدو، ودراسة الأدب تحت عنوان “الإنگليزية” منذ أواخر القرن التاسع عشر هو توضيح جيد لكيفية سعي الثقافة الأكاديمية الإنگليزية (بدلاً من البريطانية) إلى تجنيس دراسة الأدب و تنظيمها.
لقد كانت الجمعية الإنگليزية The English Association، التي تأسست عام 1907، الهيئة الرئيسة التي سعت إلى تعزيز دراسة ثقافة ادبية “إنكليزية” في المؤسسات التعليمية، وتطوير مفهوم للثقافة وما يترتب على ذلك من تحسين أخلاقي دافع عنه ماثيو أرنولد Mathew Arnold في القرن التاسع عشر. وطبقت رؤية أرنولد للثقافة على أنها “أفضل ما يفكر به و يعرف في العالم” إلى حد كبير بواسطة الأدب: فقد انغمس الكثير من دراسة الكلاسيكيات وبعد ذلك شعر أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين- في لغة واشكال شبه كلاسيكية جنبًا إلى جنب مع أساطير ريفية وخالدة عن إنگلترا؛ وتعد قصيدة روبرت بروك Rupert Brooke الموسومة “The Old Vicarage Granchester” في (1912) نموذجًا للشعر الذي أصبح يمثل مثل هذه ” الإنگليزية Englishness”. و جادل تيري ايگلتون Terry Eagleton وآخرون أن دراسة الأدب ومؤسسة “الإنگليزية” الثقافية أصبحت بديلاً عن الدين الذي كان يتضاءل بسرعة في تلك الفترة. يمكن للأدب أن يقدم تجربة مماثلة، ومع زيادة حق الانتخاب ومحو الأمية الجماهيرية كان من المهم أن تغرس الدولة القيم الحضارية المناسبة في رعاياها. وعقب تأسيس رابطة اللغة الإنگليزية، وطد تقرير الحكومة عن تعليم الإنگليزية في إنگلترا (1921)، الذي ترأسه الشاعر الإنگليزي الأمهر السير هنري نيوبولت Henry Newbolt المعروف بقصيدته “واصل اللعب! واصل اللعب ! و العب اللعبة”، الموقف الأساس للغة الإنگليزية في المناهج الدراسية الإنگليزية (1).
وبدلاً من رؤية الأدب كجسد متجانس مكون من أعمال ذات خصائص متشابهة تقرأ بطرق متشابهة من قبل جمهور غير متمايز، يمكننا رؤيته كمنطقة في حالة دفق مستمر. وكمصطلحين، فإنه ليس لكل من “الأدب” و”الأدبي” معاني ثابتة ومفردة، ولكن معاني معقدة ومتعددة. وإضافة إلى ذلك، يمكن النظر إلى “الأدب”، كجسم من الكتابة والصفات الأخلاقية والجمالية المرتبطة به عمومًا، على أنه مواقع صراع إذ تتعارض المعاني بدلاً من امتلاكه لقيم وحقائق خالدة وكونية كما يُفترض غالبًا.
ويمكن للنظرية الأدبية، أو بالأحرى النظريات الأدبية، أن تقدم طرقًا مختلفة لتعريف الأدب، أو في الأقل التفكير في ماهية القضايا التي قد تكون عند محاولة تقديم أي نوع من التعريف. وهي ليست بالضرورة متوافقة مع بعضها الآخر، وقد لفت المعلقون الجدد على متن الكتابات المسماة النظرية الأدبية الانتباه إلى المواقف المتضاربة في كثير من الأحيان التي يمكن العثور عليها بين المواقف النظرية المختلفة. لا تقدم النظرية الأدبية حلولاً سهلة أو محكمة فيما يتعلق بماهية الأدب، أو ما ينبغي أن تكون دراسته، ولكن لا ينبغي أن يكون هذا ملمحا سلبيا.
هناك نقطتان أساسيتان تتعلقان بدراسة الأدب تبرزان من النظرية الأدبية لم تكونا واضحتين على الدوام في المقتربات غير النظرية. أولاً ، كما اقترحت آنفا، يصبح الأدب منطقة إشكالية وغير متجانسة: ربما نتحدث عن “انكليزيات” بدلاً من “انكليزية” واحدة في مسح الطرق التي تعمل بها ثقافيًا وتاريخيًا، كشكل من أشكال الكتابة والمعرفة. ثانياً، تحتاج الأنشطة المرتبطة بدراسة الأدب، من القراءة إلى النقد، إلى إعادة تقييم باستمرار.
قد نعد خطاب النظرية الأدبية سلاحًا ذا حدين: فمن ناحية، يمكن أن يشرح أو يزيل الغموض عن بعض الافتراضات أو القيم المتضمنة في الأدب والنقد الأدبي، ولكن من ناحية أخرى، لا ينبغي أن ندع “الحقائق” التي تنبثق من النصوص النظرية تقف دون مساءلة. وربما يكون هذا النهج الحذر إلى حد ما وفعالية التقييم وإعادة التقييم التي من المحتمل أن تكون غير متناهية للمصطلحات والأحكام أو القيم التي تنقلها إحدى السمات الأكثر عمومية للنظريات الأدبية: فهي تميل نحو الوعي الذاتي أو حتى الانعكاسية الذاتية self-reflexivity التي تجنبها النقد الأكثر تقليدية، وهذا الوعي الذاتي غالبًا ما يتمحور حول اللغة- لغة النص الذي يدرس واللغة التي يؤتى بها للتأثير على ذلك النص.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here