بمناسبة انقلاب 17 تموز: أحزاب الشيطان في القرآن الكريم (ح 1)

الدكتور فاضل حسن شريف

قال تعالى في سورة المجادلة “اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ ۚ أُولَٰئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ” (المجادلة 19) قال القرطبي في تفسيره الجامع لأحكام القران: (استحوذ عليهم الشيطان أي : غلب واستعلى ، أي : بوسوسته في الدنيا . وقيل : قوي عليهم. فأنساهم ذكر الله أي: أوامره في العمل بطاعته. وقيل: زواجره في النهي عن معصيته. أولئك حزب الشيطان طائفته ورهطه ألا إن حزب الشيطان هم الخاسرون في بيعهم، لأنهم باعوا الجنة بجهنم ، وباعوا الهدى بالضلالة).

حزب الشيطان في الماضي والحاضر الناس الذين ناصروه و يناصروه في ضلالة الآخرين مثل الحزبيين العقائديين المنتمين لحزب البعث والذين يتبعون اسلوب اغواء الآخرين بالاجبار والقوة والاغراءات في الدخول في شرك هذا الحزب الذي اثبت اجرامه في كل صغيرة وكبيرة. قال الله جل جلاله: “إِن يَدْعُونَ مِن دُونِهِ إِلَّا إِنَاثًا وَإِن يَدْعُونَ إِلَّا شَيْطَانًا مَّرِيدًا (117) لَّعَنَهُ اللَّهُ ۘ وَقَالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَّفْرُوضًا (118) وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الْأَنْعَامِ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّه وَمَن يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِّن دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُّبِينًا (119)” (النساء 117-119)، و “وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ قَالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا (61) قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَٰذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا (62) قَالَ اذْهَبْ فَمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَاؤُكُمْ جَزَاءً مَّوْفُورًا (63) وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُم بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِم بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ وَعِدْهُمْ ۚ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا (64 )” (الاسراء 61-64).

قال السيد محمد حسين فضل الله قدس سره حول ملامح حزب الله وحزب الشّيطان في القرآن: في هذا المقام، نحاول أن نستنطق القرآن الكريم حول حزب الشّيطان، وفي مقابله حزب الله، لنتلمّس الصّفات التي يتحلّى بها كلٌّ منهما. يقول تعالى ـ وهو يصوّر ملامح حزب الشيطان ـ: “أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْماً غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِم مَّا هُم مِّنكُمْ وَلَا مِنْهُمْ وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ * أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذَاباً شَدِيداً إِنَّهُمْ سَاء مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ فَلَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ * لَن تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُم مِّنَ اللَّهِ شَيْئاً أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ * يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعاً فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْكَاذِبُونَ * اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُوْلَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ” (المجادلة 14-19). في هذه الآيات، لفتةٌ إلى المنافقين في المدينة، الّذين كانوا يتحرّكون بين المؤمنين واعدائهم في حركةٍ ازدواجيّةٍ، فمن جهة، كانوا ينفتحون على المؤمنين تحت عنوان الإيمان، من دون عمقٍ في الفكر وفي الشّعور، ومن جهة أخرى، كانوا يلتقون مع الاعداء تحت عنوان آخر، من دون شموليّةٍ في الموقف. وبذلك، كانوا يعيشون الاهتزاز الرّوحيّ والعمليّ على أكثر من صعيد. لذلك يصدر سؤال من هم حزب الشّيطان؟ “أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْماً غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِم” (المجادلة 14)، وهم الاعداء الَّذين تولّاهم هؤلاء المسلمون، فاندمجوا في مخطَّطاتهم، والتزموا مواقفهم، واعتبروا أنفسهم فريقاً لهم في كلّ قضايا السّلم والحرب، “مَّا هُم مِّنكُمْ” (المجادلة 14)، لأنهم لم يعلنوا الإيمان ويمارسوه عمليّاً، ليندمجوا في المجتمع المؤمن اندماجاً روحيّاً ومسلكيّاً، ليكونوا جزءاً منه، “وَلَا مِنْهُمْ” (المجادلة 14)، لأنَّهم إذا كانوا يلتقون معهم بالموقف والمصلحة، فإنهم لا يستطيعون الدخول في نسيج مجتمع الاعداء. وهكذا كان هؤلاء المنافقون مذبذبين في الموقف بين الاعداء والمؤمنين، ما يجعلهم يفقدون شخصيَّتهم الأصيلة، في ما هو الانتماء الرّوحيّ والفكريّ على مستوى الاستقرار والثّبات. “وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ” (المجادلة 14)، وتلك هي سيرتهم، عندما يشعرون بأنَّ المؤمنين لا يمنحونهم الثّقة، أو يخيّل إليهم ذلك من خلال القلق النَّفسيّ الَّذي يعيشون فيه، فيلجأون إلى الحلف الكاذب الّذي يحاولون من خلاله تغطية أوضاعهم السريَّة المشبوهة، وإخفاء مواقفهم السيّئة، “أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذَاباً شَدِيداً” (المجادلة 15)، لأنَّهم يمثِّلون في نفاقهم الخطورة الكبيرة على المجتمع المسلم، في ما يكيدون له، وفي ما يكيد له الأعداء من خلالهم، بإثارة المشاكل في داخله، “إِنَّهُمْ سَاء مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ” (المجادلة 15)، لأنَّهم ينطلقون في ذلك من العقدة الخبيثة الكامنة في مواقع الحقد والعداوة من شخصيّاتهم، ما يجعلهم في حركةٍ دائمةٍ للإضرار بالإسلام والمسلمين.

جاء في مقال للدكتور عبد الخالق حسن عن جرائم البعث لا تتكلموا إن الكلام محرّم: أن الأصوات المطالبة بعدم ذكر جرائم البعث بل التركيز على الحاضر ومشاكله والتطلع إلى المستقبل ، كلمة حق يراد به باطل، أن الكلام عن جرائم البعث أضحى محرما سواء كان البعثيون في السلطة أو خارجها. الملاحظ أن أغلب هؤلاء الوعاظ هم من خلفية بعثية، ففي عهد حكمهم الجائر دمروا البلاد والعباد، قاموا بأسوأ الأعمال الأخلاقية التي يندى لها الجبين مثل التجسس على أبناء جلدتهم، وحتى على ذويهم، وأصدقائهم، فالبعث حاول أن يجعل كل عراقي جاسوساً على الكل، بحيث صار كل عراقي يشك حتى بأقرب الناس إليه من ذويه وأصدقائه. وللأسف الشديد، نجح البعث مع قسم كبير من الناس في إسقاطهم بمستنقع الرذيلة، إذ عمل على تدمير العقل والأخلاق، وتفشي الجريمة، وتفتيت النسيج الاجتماعي. فقد شاهد العالم قيام رئيس جمهورية الخوف بمنح أعلى وسام في الدولة لرجل قتل ابنه، وادعى الأب أن قتله لابنه كان لهروبه من الجيش خلال حرب القادسية المشؤومة، والحقيقة لم تكن كذلك، إذ كان سبب القتل هو جريمة أخلاقية، أراد الأب به غسل العار، واختلق تهمة فرار الابن من الجيش للستر والتخلص من العقاب. فانتهز النظام الفرصة وحوَّل الجريمة إلى عمل وطني شريف ودعاية لحربه المشؤومة. وبهذه الحيلة، لم يتخلص الأب القاتل من السجن فحسب، بل ومُنِح وسام الرافدين أمام وسائل الإعلام ليكون مثالاً لأخلاق بعثية يقتدي به المجتمع العراقي، وهكذا تم تمجيد الجريمة وفق مفهوم البعث للأخلاق والجريمة. البعثيون متلونون: والمؤسف أن البعض مازال يعتقد أننا إذا ما أشرنا إلى دور البعثيين في الجرائم التي ترتكب بحق شعبنا اليوم، قالوا إننا نبالغ ونعطي البعثيين دوراً أكبر من حجمهم، مدعين، أو معتقدين بسذاجة، أن البعث قد قبر وولى. فمعظم العصابات هي تابعة لفلول البعث وتحت أسماء إسلامية. وهذه حقيقة غفل عنها كثيرون من أصحاب النوايا الحميدة. فالبعثيون معروفون بقدراتهم على التلون وارتكاب الجرائم وراء مختلف الواجهات وحسب متطلبات المرحلة. وقد ذكرنا في مقال سابق عن دورهم أيام ثورة 14 تموز، وكيف كانوا يلبسون ملابس المقاومة الشعبية، ويضعون شارات حمامة السلام على صدورهم للإيحاء بأنهم شيوعيون، ويندسون في المظاهرات، ويطلقون هتافات مسيئة للأعراف والمعتقدات الدينية، وحتى قاموا مرة بتمزيق القرآن ليتهموا الشيوعيين والإساءة لسمعتهم وسمعة الحكومة آنذاك. ونعرفهم كيف تحالفوا مع الكورد ونكثوا بهم، ومع الشيوعيين وانقلبوا عليهم، و أرسلوا وفداً من رجال الدين في السبعينات للتفاوض مع الأكراد، محملين بحقائب لاغتيال الملا مصطفى البرازاني، وقد أودى الحادث بحياة هؤلاء، وسلم منها البرازني بأعجوبة. فحزب هذا تاريخه الأسود، ما الذي يمنعه من لبس ثياب الدين والتظاهر بتنظيمات إسلامية، وبأسماء دينية، ونشر صور الزعماء الإيرانيين الدينيين، والتحالف مع مشايخ الوهابية لارتكاب أبشع حرب قذرة ضد الشعب العراقي بذريعة المقاومة. نقول هذا لا من باب التكهن والتخمين، بل هناك معلومات مؤكدة من جهات ذات إطلاع عن قرب، أن معظم قادة هذه التنظيمات الإسلامية كانوا ومازالوا قياديين في حزب البعث وتنظيمات بعثية مثل: فدائيي صدام، وأصدقاء صدام.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here