بمناسبة الهجرة النبوية: هجرة العراقيين بعد الثمانينات (ح 1)

الدكتور فاضل حسن شريف

لم تكن هجرة المسلمين الاولى من مكة الى المدينة بل سبقتها هجرة الى الحبشة بسبب ضغط قريش عليهم “وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً” (النساء 100). خرج النبي صلى الله عليه واله وسلم من بيته متوجها الى المدينة بعد ان رد الله تعالى مكر اعدائه كما جاء في اية 30 من سورة الانفال “وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ” بعد ان حطم الرسول مع علي بن ابي طالب عليه السلام اصنام الكعبة في احد الليالي كما جاء في مسند احمد حيث جاء في الحديث الشريف (يا علي ان اول من كسر الاصنام جدك ابراهيم ثم انت يا علي) كما جاء في الاية “وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ” (الانبياء 60).

جاء في ايات القرآن الكريم عن الهجرة منها قوله تعالى “إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ” (البقرة 218) و “فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ثَوَابًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ” (ال عمران 195) و “فَلَا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِيَاءَ حَتَّى يُهَاجِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ” (النساء 89) وسورة الانفال تحوي ثلاث ايات متتالية عن الهجرة منها “إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ” (الانفال 72) وسورتان في سورة النحل منها “وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ” (النحل 41).

جاء في مبادرة الاصلاح عن المهاجرون العراقيون في المملكة المتحدة وتعبئة الجهود من أجل العراق: شهد العراق هجرة جماعية للملايين بعد عام 2003 بسبب الصراعات الطائفية، إضافةً إلى القلاقل السياسية والاقتصادية المتواصلة. هناك حالياً بالفعل عراقيون في بلدان بعيدة كالولايات المتحدة وأستراليا والمملكة المتحدة والسويد وكندا وفي بلدان متاخمة للوطن أيضاً كالأردن وتركيا وسوريا. غير أن الشتات العراقي بدأ في وقت سابق لذلك بكثير، وتحديداً في منتصف القرن العشرين عندما هاجر العراقيون من اليهود والمسيحيين وأنصار الملكية إلى البلدان الأوروبية فراراً من الاضطهاد والاضطراب السياسي الذي يكتنف مجتمعاتهم المحلية. جاءت موجة الهجرة الثانية عقب الانقلاب البعثي في عام 1963، الذي أطاح بحكومة عبد الكريم قاسم. لكن اختلفت خصائص المهاجرين نوعاً ما هذه المرة، فقد كان أغلبهم مهنيين ومتخصصين ينتمون للطبقة الوسطى، من أطباء ومحامين وفنانين ومفكرين. بعد الانقلاب الذي قامت به قيادة حزب البعث في عام 1968 اشتملت موجة الهجرة على أكراد وآشوريين مسيحيين من الطبقة الوسطى أيضاً، تزايَد شعورهم بالاضطرار إلى مغادرة البلاد بسبب تعصب النظام تجاه الهويات العرقية الأخرى في العراق وتجاه حركات المعارضة السياسية وبسبب مناخ القمع العام الذي ساد البلاد. أدت الحرب العراقية الإيرانية، التي استمرت من عام 1979 إلى عام 1988، إلى هجرة عائلات شيعية في معظمها، كان أفرادها ناشطون في حزب الدعوة الإسلامية الشيعي، أو متعاطفون معه، أو متهمون بالتبعية الإيرانية، أو من سيُرحِّلهم النظام فيما بعد مع ارتفاع حدة التوترات مع إيران. تشكلت تلك الموجة من المهاجرين العراقيين من مزيجٍ مختلط ضم تجاراً خسروا ثرواتهم، ومهنيين أصبحوا عاطلين، وعمالاً متوسطي المهارة، أو غير مهرة، يفتقرون إلى التعليم الجيد والكفاءة. ثم وصلت موجة المهاجرين التالية في عامي 1990 و1991 وذلك خلال حرب الخليج الثانية وفي أعقاب الانتفاضات الشيعية والكردية. وقد استطاع المقتدرون ومن يمتلكون الثروة المادية طلب اللجوء عبر القنوات الشرعية، أما ذوو الإمكانيات المحدودة فقد اعتمدوا على نظام الرعاية الاجتماعية فيها لإعالة أسرهم. وقد شكلت العائلات الشيعية المضطهدة جزءاً كبيراً منهم، بينما كان البقية مهاجرين اقتصاديين يبحثون عن سبل أفضل للعيش. وقد هاجر بعضهم بالفعل فيما مضى إلى بلدان الشرق الأوسط المجاورة أو إلى إحدى الدول التابعة للاتحاد السوفيتي، لكنها في ذلك الوقت كانت قد أصبحت غير مستقرة أو غير مرحبة باستقبال اللاجئين. ي عام 2003 وما تلى ذلك من صراعات وحرب أهلية، وجد عدد متزايد من العراقيين أنفسهم في الشتات. وقد اتبع بعضهم نفس نمط الهجرة التسلسلية والتحق بعائلته الممتدة في البلدان المضيفة التي كان من الممكن الهجرة إليها لجمع شمل الأسرة. في حين سلك البعض الآخر طريقاً أخطر وسافروا في رحلات غير شرعية إلى أوروبا.

كمثال على هجرة العراقيين، لا يوجد رقم محدد لعدد العراقيين في المملكة المتحدة، لكن تشير بعض التقديرات إلى أن هذا الرقم يتراوح بين 350 ألفاً و450 ألفاً، وذلك وفقاً للسفارة العراقية في لندن. نتيجةَ موجات الهجرة وخلفيات العراقيين الذين هاجروا إلى المملكة المتحدة، نجد أن تركيبة الجالية العراقية في المملكة المتحدة شديدة الاختلاط والتفاوُت. فالغالبية من العرب الشيعة والأكراد السنّة، بينما هناك أقليات أخرى كثيرة تشكل جزءاً من خارطة الشتات العراقي، كالسنّة والآشوريين والكلدان والسريان والصابئة المندائيين والتركمان والأكراد الفيليين واليهود. كانت الخلفيات الاجتماعية والاقتصادية لمَن هاجروا في وقتٍ مبكر أكثر ثراءً، وكانوا ذوي مهاراتٍ وتعليم أفضل، وبالتالي وجدوا الاندماج في المملكة المتحدة أيسر ممن وصلوا إلى البلاد في الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي. فكثيرون ممن جاءوا لاحقاً، حتى ممن لديهم مؤهلات، واجهوا صعوبة في الحصول على فرص عمل، في حين أن صدمات النزوح والنفي والحرب خلفت وراءها مشكلات نفسية لدى الكثيرين، جعلتهم يعتمدون على برامج الرعاية الاجتماعية.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here