بمناسبة الهجرة النبوية: هجرة العراقيين بعد الثمانينات (ح 3)

الدكتور فاضل حسن شريف

ان الهجرة في اقامة الحق والعدل على ارض الله الواسعة بعيدا عن البلد الذي لا يقدر المهاجر البقاء به كونه يتعرض الى ضغوطات تمنعه عن اداء واجباته ومنها الدينية تصبح واجبة وعندها عند وفاتهم يلاقون رب رحيم قال الله تبارك وتعالى “وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي سَبِيلِ اللَّـهِ ثُمَّ قُتِلُوا أَوْ مَاتُوا لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللَّـهُ رِزْقًا حَسَنًا وَإِنَّ اللَّـهَ لَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ” (الحج 58)، و “وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّـهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّـهِ ۗ وَكَانَ اللَّـهُ غَفُورًا رَّحِيمًا” (النساء 100)، و “الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّـهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِندَ اللَّـهِ وَأُولَـٰئِكَ هُمُ الْفَائِزُون” (التوبة 20). اما اذا مات الانسان في وطنه خانعا لحكامه الظالمين فان نار جهنم مصيره في الآخرة. قال الله تعالى “إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا” (النساء 97) ونزلت الآية في المسلمين الذين تخلفوا في الهجرة مع الرسول صلى الله عليه وآله وسلم الى المدينة. فكانت عاقبتهم سيئة في الدنيا حيث احرقت قريش ممتلكاتهم وخسروا الاخرة لعدم الهجرة. ومن الهجرات الناجحة قبل هجرة المدينة هجرة المسلمين الى الحبشة لوجود ملك عادل غير ظالم.

ومن مستلزمات الهجرة الايمان كما في الايات “إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا” (الانفال 72) و “وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا” (الانفال 74) و “وَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْ بَعْدُ وَهَاجَرُوا” (الانفال 75) و “الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا” (التوبة 20). و اذا لم تستطع اقامة شعائرك الدينية بدون خوف فعليك الهجرة من بلدك والا فانك ظالم لنفسك “إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا” (النساء 97) عدا المستضعف “إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ” (النساء 98).

آخى رسول الله صلى الله عليه واله وسلم بين أصحابه فآخى بين نفسه وبين علي بن ابي طالب وآخى بين حمزة بن عبد المطلب وزيد بن حارثة وآخى بين ابا بكر وعمر وغيرهم قبل الهجرة. وبعد الهجرة آخى بين المهاجرين والانصار كما جاء في سورة الحجرات اية 10 “إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ”. وتأكدت المؤاخاة في يوم الغدير لذلك يعتبر هذا اليوم يوم الاخوة والمؤاخاة.

جاء في موقع إيلاف عن التهجير والتسفير القسري للاقليات في العراق للكاتب جواد غلوم: ففي اواخر الستينات عندما استلم حزب البعث السلطة في انقلاب عسكري في السابع عشر من تموز عام/ 1968 كان من ضمن أجندته ومهامه حصر العراقيين من غير العِرق العربي وتثبيت اسمائهم وعناوينهم وأمكنة إقامتهم ومراقبة سلوكهم وتحركاتهم خطوة خطوة. ومع انه لا احد يخفى عن سلطة البعث جراء نشر عيونه وجواسيسه في صفوف الناس فقد اشتد التركيز في هذا الجانب على العراقيين ذوي الاصول الايرانية والكرد الفيليين حتى لو اكتسبوا الجنسية العراقية من صنف التبعيّة وقد شملت هذه التسمية الاقوام من الاصول الايرانية والهندية والافغانية وغيرها حتى وان ولدوا هم وابائهم واجدادهم في العراق.

ومع ان هؤلاء قد اكتسبوا الجنسية العراقية لكنهم كانوا محرومين من اشغال الوظائف الحسّاسة في العراق ويمنع انضمامهم الى القوات المسلحة (الشرطة والجيش) باستثناء سوقهم لاداء الخدمة العسكرية الالزامية ، اما التطوع في الجيش او الشرطة فكان محرما عليهم. كما يمنع عليهم الارتقاء في الوزارات التي تعتبر حساسة مثل وزارة الخارجية او الداخلية والدفاع ورئاسة الوزراء والإعلام وديوان رئاسة الجمهورية حتى لو كان بستانيا او فرّاشا أو موظفا بسيطا باعتبارهم مواطنين من الدرجة الثانية او الثالثة يعيشون على هامش الحياة العراقية ولا يطالون مدارج النخبة الحاكمة في وظائفها الرفيعة فاضطر معظم هؤلاء الى مزاولة التجارة والخوض في غمار السوق حتى اشتد عودهم وحققوا ثروات لايستهان بها في التحكم باسواق البلاد وتوفير السلع والخدمات وصاروا قوة اقتصادية يشار اليها البنان غير انهم بين فترة واخرى يتم تهديدهم بالتهجير و تسفيرهم خارج البلاد لاعتبارات طائفية وعرقية محضة كما يبدو ويشاع للوهلة الاولى ولكن السبب الرئيس والاهم هو الاستحواذ على ممتلكاتهم وثرواتهم وسلب ما غنموه وحققوه ومصادرة اموالهم المنقولة وغير المنقولة حيث كان اكثرهم يمتلك مصانع كبيرة منتجة ويعيشون رغدا في بيوت شاسعة وفلل فخمة بسبب نشاطهم التجاري الملحوظ.

وقبيل اندلاع الحرب العراقية الايرانية سنة 1980 اشتد أوار الكراهية ضدّ هؤلاء ووصل مداه الاوسع فكان هؤلاء ضحية نزاعات الجانبين العراقي والايراني المستمرة على طول الخط والحلقة الاضعف لصبّ جام غضب حزب البعث عليهم وكان اشدّها إيلاما وقسوة، حينما تم تدبير عملية انفجار قنبلة وسط حشد من مناصري حزب البعث في الجامعة المستنصرية بنفس السنة والتي جرح على اثرها السيد طارق عزيز جروحا غير بليغة فاتخذت هذه الحادثة المفتعلة ذريعة لتهجيرهم وطردهم من العراق فاقسم الرئيس العراقي السابق صدام حسين وقتها ان لايبقى احد من العراقيين حاملا صفة التبعية الايرانية مقيما في العراق وأُنذرت الشرطة وقوات الأمن باتخاذ الإجراءات العاجلة والعمل الفوري على تهجيرهم ورميهم على الحدود الايرانية وسط الألغام التي زرعت حقولها قبل الايذان بقرع طبول الحرب حيث كانت تلك الحرب توشك أن يشتعل سعيرها بين الجانبين.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here