الأختصاص التفسيري للمحكمه الاتحاديه ودوره في صناعة الازمات (من الكتله الأكبر الى الثلث المعطل)..؟

بقلم أ. د جلال الزبيدي
حقوقي وأستاذ جامعي

المحكمه الاتحاديه العليا بالعراق هي مؤوسسه دستوريه تحترم قيم ومبدأ المشروعيه وتراقب مدى دستوريه القوانين وقد اشارت لذلك الماده 93/اولا من الدستور العراقي النافذ لسنة2005 حيث قالت(تختص المحكمه الاتحاديه العليا.. الرقابه على دستوريه القوانين والانظمه النافذه) فهي بذلك مؤوسسه دستوريه مكلفه بحماية الدستور من اي تجاوز عليه. والمحكمه الدستوريه بالعراق هي الحاضنه والملاذ الامن لتكريس مبادىء العداله القضائيه وقيم الديمقراطيه وحقوق الانسان التي اكدها الدستور العراقي. وهي بذلك اعلى سلطه وهيئه قضائيه مستقله وهي بذلك لا تشكل درجه من درجات التقاضي امام المحاكم. كما ان قراراتها الزاميه باته وقطعيه ولا يمكن الطعن بها امام القضاء. وهنا جدير بالاشاره ان الاختصاص التفسيري للمحكمه الاتحاديه لم يكن قائمآ او موجودآ ضمن اختصاصات المحكمه الاتحاديه بموجب قانون المحكمه السابق رقم 30 لسنة2005. الا ان الدستور العراقي الجديد منحها الاختصاص التفسيري هذا تأسيسآ على الماده 93/ثانيآ حيث قال(تختص المحكمه الاتحاديه العليا.. تفسير نصوص الدستور) وهذا الاختصاص التفسيري للمحكمه فتح الباب على مصارعيه امام قيامها احيانآ بأصدار (اجتهادات) لكن للاسف
تم تكييفها على انها (تفسيرات). والمطلع على فلسفة القانون او المعاجم القانونيه يجد ان هناك اختلاف جوهري واضح بين هذه المفاهيم..؟
عمومآ نجد أن الاختصاص التفسيري للمحكمه الاتحاديه هذا ترك جدلا واسعآ بين رجال القانون والمجتمع المدني واحدث شرخآ في المجتمع السياسي بالعراق. وعرض المحكمه الاتحاديه إلى العديد من الضغوط من القوى المتنفذه..وخاصة اذا علمنا ان (قرارات التفسير) التي تصدرها المحكمه هي ايضآ قطعيه وباته مثلها مثل الاحكام القضائيه للمحكمه الاتحاديه لها قوة الالزام ولا يجوز الطعن بها.. ولكن نتيجة للضغوط او الميول السياسيه المبطنه اضطرت المحكمه إلى اصدار تفسيرات دستوريه متناقضه ومعيبه ومخالفه للدستور احيانآ ..!!
وهكذا نجد ان المحكمه الاتحاديه العليا برئاسة القاضي السابق مدحت المحمود قامت بتفسير الماده 76 من الدستور العراقي بصدد (الكتله الاكبر) هي الكتله التي تكونت بعد الانتخابات من خلال قائمه او اكثر ويتولى رئيس الجمهوريه بتكليف مرشحها لتأليف الحكومه.. وهذه شكلت فضيحه قانونيه وقضائيه مَدويه.. حين حولت الخاسر بالانتخابات نوري المالكي إلى فائز بشكل جائر..؟ وكان هذا مثار استنكار للراي العام والصحافه الدوليه والتجمعات الحقوقيه كون هذا التفسير يحمل ابعاد سياسيه مقنعه وهو يشكل تجاوزآ لادبيات وموروثات الفقه الدستوري المقارن. كما ان هناك شبه اجماع بين الدول التي تأخذ بالنظام البرلماني بان الكتله الاكبر للأحزاب والتكتلات السياسيه هي التي تحدث قبل الانتخابات وذلك من خلال البرامج السياسيه والاقتصاديه وليس بعد الانتخابات وابرز مثال قريب لذلك الانتخابات الالمانيه الاخيره..؟ وهذا التفسير لمدحت المحمود شكل انقسامات كبيره في النسيج السياسي والاجتماعي بالعراق ولا زالت تبعاته السلبيه قائمه.. وحاليآ وبعد الانتخابات البرلمانيه المبكره الاخيره اصدرت المحكمه الاتحاديه برئاسة القاضي جاسم محمد عبود قرار تفسيريآ ليس له سند دستوري لتفسيره بل جاء تفسيرآ للماده 70 من الدستور والتي تعني بانتخاب رئيس الجمهوريه والتي تقول (ينتخب مجلس النواب رئيسآ للجمهوريه… بأغلبية ثلثي مجموع عدد اعضاء مجلس النواب الكلي.. واضافت المحكمه ان النصاب يتحقق بحضور ثلثي مجموع عدد اعضاء مجلس النواب الكلي) ولا نعرف سبب هذا التفسير التعجيزي للمحكمه الاتحاديه علمآ ان جميع الدورات السابقه كان المتعارف قانونيآ بحضور الاغلبيه المطلقه لانتخاب رئيس الجمهوريه وليس باغلبيه الثلثين التي دعت اليها المحكمه اي بحضور222 نائب خاصة وان هناك نظام داخلي لمجلس النواب والذي يؤكد ( ان النصاب يتحقق… بحضور الاغلبيه المطلقه لعدد اعضائه……) وهنا يجب الاشاره ان المحكمه الاتحاديه بهذا التفسير التعجيزي لنصاب انعقاد البرلمان لانتخاب رئيس الجمهوريه قد قام بصناعة (الثلث المعطل)؟وهذه الاحتجاجات والمظاهرات التي يشهدها العراق هو بسبب هذا( الثلث المعطل)والذي أدى لتعطيل عقد البرلمان جلساته لانتخاب رئيسآ للجمهوريه ورئيسا للحكومه وللحكومه ذاتها.. مسالة تدعونا حقآ لمطالبة المحكمه الاتحاديه بالرد على تساؤولاتنا عن سبب انتهاك القيم الديمقراطيه في تفسيرها وصناعتها للثلث المعطل لانه لا يجوز ان يكون ذلك سببآ في مصادره الديمقراطيه بمصادرة اصوات الاغلبيه البرلمانيه لانه لا يجوز دستوريآ وديمقراطيآ ((109 من النواب-وهم الثلث المعطل وهم من الاقليه البرلمانيه لهم العلويه على الاكثريه البرلمانيه الباقيه وعددهم 220 نائب..ومع هذا يتم تعطيل جلسات انتخاب رئيس الجمهوريه لصالح الاقليه النيابيه وليس التزامآ بالاغلبيه البرلمانيه ))؟ كما قد يجد القارئ ان ادعاء (الكتله الاكبر) يكرس الاغلبيه البرلمانيه..؟ ومفهوم (الثلث المعطل) فهو جاء لصالح الاقليه النيابيه..؟ مع اعتراضنا على تفسيري ومفهومي الكتله الاكبر والثلث المعطل كونهما نتاج واقع سياسي وقانوني مأزوم وخلافآ لصحيح القانون وقد يحملان حسابات وابعاد سياسيه والتي ادت إلى انقسام وفوضى سياسيه واجتماعيه وتعريض النظام العام للخطر..؟

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here