نعى نفسه واستنجاد (قصة قصيرة)

Image preview

دخل الحسين إلى خيمته يعالج سيفه ويصلحه , سمعه أبنه الإمام زين العابدين ينشد بصوته الرخيم:

يادهر أف لك من خليلِ ….كم لك بالإشراق والأصيلِ

كم صاحبٍ وطالبٍ قتيلِ ……..والدهرُ لايقنعً بالبديلِ

وإنَّما الأَمرُ إلى الجليلِ ……….وكلُّ حيٍّ سالكٌ سبيلِ

أختنق أبنه بعبرته , لزم الصمت , علم البلاء قد حلَّ ! 

اخترقت أَبيات الإمام أَسماع العقيلة , أَحست أَنَّ شقيقها وأَهلها مصممون على الشهادة ,أمسكت قلبها بذعر , وثبت تجر أذيالها ,فاضتْ عيناها بالدموع , انبرت قائلة لأَخيها : واثكلاه , واحزناه! ليت الموت اعدمني الحياة , ياحسيناه , ياسيداه , يابقية أَهل بيتاه .

 استسلمت ويئست من الحياة !!

اليوم ماتَ جدّي رسول الله , وأمي فاطمة الزهراء , وأَبي علي , وأخي الحسن , يابقية الماضين وثمال الباقين .

تحنن قلب الحسين على أخته , نطق : يا أُخَيَّةَ لا يذهب بحلمك الشيطان .

شحبَ لونُه  , مزق الأَسى قلبها الرقيق المعذب , كلمته بأسًى والتياع : أتغتصب نفسك اغتصاباً, فذاك أطول لحزني وأشجى لقلبي.

لم تمتلك صبرها , تيقنت أَنَّ شقيقها مقتولٌ , شقَّت جيبها , لطمتْ وجهها ,خرَّتْ على الأرض فقدتْ الوعي .

شاركتها النسوة المحنة , صاحت أم كلثوم : وامحمداه , واعلياه , وأمَّاه , واحسنياه , واضيعتنا بعدك.

ذاب قلب الإمام الزاكي , أَثَّرَ المنظرُ الرهيبُ في نفسه , تحسَّرَ , تقدَّم إلى السيدات من بنات الوحي ,أمرهن بالخلود إلى الصبر وتحمل أعباء المحنة الكبرى, ناطقاً: ياأختاه , ياأم كلثوم , وأنتِ يازينب , وأنتِ يافاطمة , وأنتِ يارباب : أنظرنَ إذا قتلتُ فلا تشققنَ عليَّ جيباً, ولاتخمشن وجهاً, ولاتقلن هجراً.

*(استنجاد)

اهتزَّ كيانُ حبيب بن مظاهر الأسدي, يرى الإمام الحسين لوحده تتظافر القوى الغابرة على حربه.

 تقدَّم نحوه قائلاً: إنَّ هاهنا حيًّا من بني أسد, أعراباً ينزلون بين النهرين , وليس بيننا وبينهم إلا رواحة , أتأذن لي في إتيانهم ودعائهم , لعل الله أن يجري بهم إليك نفعاً أو يدفع عنك مكروهاً؟

الإمامُ لا يردُّ مقترحاً, كيف إذا كان من أخلص أصحابه الأفذاذ ؟  أذنَ له .

انطلق مسرعاً , مثل عندهم , خاطبهم : إنِّي أدعوكم إلى شرف الآخرة وفضائلها وجسيم ثوابها, أنا أدعوكم إلى نصرة ابن بنت رسول الله نبيكم , فقد أصبح مظلوماً, دعاه أهل الكوفة لينصروه فلمَّا أَتاهم خذلوه وعدوا عليه ليقتلوه .

استجاب سبعون شخصاً ,فأقبل عليه عبد الله بن بشر الأسدي, نطقَ , أنا أول مَنْ يجيب هذه الدعوة , ارتجز :

قد علم القومُ إذا تواكلوا …..وأَحجَمَ الفرسانُ إذ تناقلوا

أَنِّي شجاعٌ بطلٌ مُقَاتِلُ  ………كأَنَّني ليثُ عرين بَاسِلُ

انسحب من بينهم جبلة بن عمرو قاصداً عمر بن سعد فأبلغه خبرهم , جَهَّزَ من جيشه مفرزة بقيادة أزرق ابن الحارث الصيداوي , منعهم من الالتحاق .

رجع حبيبُ حزيناً , أخبر الإمام , ردَّ عليه : الحمد لله كثيراً.

…………………………………

*للكاتب مجاهد منعثر منشد /المجموعة القصصية (ظمأ وعشق لله) , الفصل الخامس المأساة الخالدة , ص 85ـ86.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here