في حضرة محقق أمنيات : قصة قصيرة

في حضرة محقق أمنيات : قصة قصيرة

بقلم مهدي قاسم

وأخيرا ..
بعد انتظار طويل وجدت نفسي في حضرة محقق أمنيات ، أو هكذا كان يسمي نفسه ، دون أن أعرف كيف قادني إليه دربي مصادفة بحتة .. ربما بدافع من ضجري أو فضولي ..بدا رجلا وقورا لدرجة يجبرك على أخذه على محمل جد ، و اهتمام و اعتبار واحترام ، بدلا من اعتباره غشاشا أو محتالا ، وهو يهتف بين وقت وآخر بصوت عميق و رخيم نبرة وبحتة :
ـــ تعالوا إليَّ .. أنا محقق الأمنيات والسعادة المنشودة !….
كان حضوره الوارف المديد يوحي بهيئة ارستقراطية مهيبة ، مع طلعة بشوشة و لطيفة .. خالقا انطباعا و شعورا كأنه أب حنون لكل الناس .. كان يجلس أمام طاولة عليها صندوق صغير بشق ضيق و طويل ، مكتوب عليه بحروف ملونة وزاهية :
” صندوق الحظوظ و الأمنيات ” !..

وما أن لمحني أمام الطاولة حتى قال مبتسما وبلطف :
ــ لقد لاحظتك واقفا في أقصى الطابور هادئا ، صبورا ، بدون تدافع أو
تشاطر لتأخذ دور غيرك بهدف كسب وقت للوصول إليَّ بسرعة ، فأعجبني تحضر تصرفك وجمال صبرك ، لهذا فسأحاول أن أكافئك على تسهيل أمر اختيارك ، بالطبع إن قرار الاختيار سيرجع لك في النهاية ..
سألته بشيء من حيرة و إحراج وتلبك :
ـــ هل تتفضل عليَّ بقليل من توضيح وتفصيل رجاء ؟ ..
ـــ عندك هنا ، في هذا الصندوق ، ثلاث أوراق للحظ : الأولى هي ورقة حظ المال و الثراء والملك الكثير ، الثانية هي ورقة حظ علم وموهبة .. أما الثالثة فهي ورقة حظ الحب و العشق و جذب قلوب الحسناوات..
رجعت لأسأله مجددا بدافع فضول وحب استطلاع :
ـــ و كيف يساعدني حضرتك على هذا النوع من الاختيار ؟..
ــــ على نحو : إذا قررتَ أن تختار ، و بشكل محدد ، لنقل ورقة المال و الثراء على سبيل المثال ،ـــ بالمناسبة أغلب الناس يختارون هذه الورقة ــ من بين هذه الأوراق الثلاث فأنا سأسحب هذه الورقة المختارة من قبلك مسبقا ، أما إذا كنت تريد أن يكون اختيارك عشوائيا ، فعليك أنتَ بالذات بسحبها من فتحة الصندوق هذه ، فآنذاك ستستل واحدة من بين الأوراق الثلاث..
أطرقتُ رأسي مستغرقا و فكرت مليا ، محتارا في نفس الوقت ، وبدا لي الاختيار المحدد صعب في حقيقة الأمر، ثم قمتُ بتقييم أهمية الحظوظ الثلاثة وأولوياتها وفقا لنداء عقلي قبل رغبات قلبي .. و إذا بيَّ أحسم أمري فجأة ، مختارا واحدة منها في قرارة نفسي ، فرفعت رأسي قائلا لمحقق الأمنيات أنه :
ــ حسنا .. و مهما كانت تبعات اختياري لاحقا .. فقد حسمت أمر الاختيار .. و خلاص ..!..
ــ طيب ! .. أيا منها ؟….
ـــ وقع خياري على ورقة حظ المعارف والعلوم و الموهبة !..
حينذاك أدخل يده إلى فتحة الصندوق مستلا الورقة المطلوبة و كأنه يعرفها من خلال تحسس و مجّسات أصابعه ، ثم قدمها لي مبتسما وهو يقال بلطف و رضا :
ـــ أعتقد أنه اختيار ممتاز و رائع ويليق بشخص طبعه مثل طبعك الظامئ للمعارف والعلوم والفنون !.. و إن كان من المحتمل أن يكون محفوفا بشقاء و كدح وكد مرير بسبب صعوبات عيش محتملة ..ولكنك حتما ستكون في الوقت نفسه ثريا بمدخرات روحك الباذخة و المكتنزة الجميلة بفضل نعمة معارف و مواهب ومتعة فنون ــ بعد صمت قصير أضاف بشيء من شرود و سهوم ــ ولكن أمل في أن لا تندم مستقبلا بسبب هذا الاختيار .. أقول هذا لأنني لاحظت إن كثيرا جدا من الناس يختارون ورقة حظ المال والثراء ، حتى بدون لحظة من التفكير بخيارات أخرى قد تكون أفضل بالنسبة لهم حسب ميولهم شغفا بالمال والنقود .. ربما لاعتقادهم إنهم من خلال ثرائهم يستطيعون شراء العلم والحب أيضا و على حد سواء ، طالما عندهم مال كثير وهم في ثراء وفير ..
تمتمتُ مع نفسي : ” مَن مِنا لا يحب المال والنقود ؟ .. ربما باستثناء صفوة حالمة أن وجدت أصلا ” ؟..
ـــ ماذا قلتَ من فضلك ؟..
أجبته قائلا بابتسامة هي أقرب إلى اسى وحسرة طارئة :
ـــ آه لا شيء كنت أفكر بصوت عال .. ولكن من المحتمل جدا أنه سيأتي بعض من لحظات عابرة سأشعر عبرها بندم و خسارة وحسرة ، كلما ضاقت أحوالي وأموري المعيشية، لكوني لم اختر ورقة المال و الثراء ، ولكن بعد ذلك حتما يغمرني شعور بالرضا والاطمئنان ، مع حبور روحي عميق بصحة وروعة اختياري الجميل ..أنا أعرف نفسي جيدا و أكاد أن أكون متأكدا من ذلك تماما ..
صافحني بحرارة ودية ومع إشراقة دافئة ومحببة أضاءت أسارير وجهه دفعة واحدة وهو يقول مودعا :
ــ كل التوفيق والفلاح في مسعاك الرائع و العظيم !..

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here