إيران: كلاب ضالة تهاجم أطفالاً

طهران صابر غل عنبري

طفل يطعم كلبين ضالين (عطا كناره/ فرانس برس)

يخشى الإيرانيون انتشار الكلاب الضالة في الأحياء ومهاجمتها العديد من الأطفال الأمر الذي أدى إلى مقتل البعض، وسط غياب أي مساعٍ لمعالجة الأزمة.

سمعت فريدة صراخ ابنها هجير (3 سنوات) فذهبت مسرعة إلى الخارج لتجد كلباً شارداً ينهش جسده. المشهد كان مفجعاً فراحت تركض وراء الكلب لإنقاذ ابنها، إلا أنه راح يبتعد ويجر هجير على الأرض. تقول إنه كاد أن يغمى عليها إلى أن مرت سيارة في الحي فطارد السائق الشاب الكلب وأعاد الطفل الذي كان يتنفس بصعوبة إلى والدته. تتابع فريدة القاطنة في مدينة سنندج غربي إيران، في حديثها لـ “العربي الجديد”، أنه “لولا هذا الشاب الذي أرسله الله لما رأيت ابني مرة أخرى، فقد نجا من الموت. لكن بعد مرور ثلاث سنوات تقريباً، ما زال يعاني نفسياً من آثار الحادث. وفي الليل، يصحو مراراً خلال نومه ويبكي كما أنه يخشى الخروج من البيت”.

وتتكرّر الحوادث المماثلة. فإن كان هجير قد حالفه الحظ، إلا أن آخرين لا ينجون من الكلاب الضالة. مؤخراً، شهدت مدينة قم جنوبي العاصمة طهران مقتل طفلين في الرابعة والسادسة من العمر بعدما تعرضا لهجوم من كلاب ضالة. الحادثان المنفصلان وقعا في غضون أسبوعين في قم، الأمر الذي أثار قضية الكلاب الضالة مجدداً، فأصبحت تحتل حيزاً كبيراً في تغطية وسائل الإعلام الإيرانية.

وبعد مقتل الطفلين، استحضرت وكالات الأنباء الإيرانية حوادث مشابهة شهدتها مناطق عدة خلال الفترة الأخيرة. وقتل طفل (12 عاماً) في مقاطعة زرين دشت في محافظة فارس (جنوب البلاد)، وآخر (أربعة أعوام ونصف العام) في مستوطنة أمير أباد في بيرجند (عاصمة محافظة خراسان الجنوبیة شرق إيران) بسبب مهاجمتهما من قبل كلاب ضالة. كما تعرض طفلان آخران لهجوم من كلاب ضالة في ميناء جاسيك المطل على الخليج، بالإضافة إلى طفلة في كرج غربي طهران.

وما من إحصائيات رسمية أو غير رسمية تتعلق بأعداد الكلاب الضالة في إيران، لكنها زادت بشكل كبير خلال السنوات الأخيرة في المدن والقرى وأطرافها. كما ارتفعت نسبة مهاجمة الكلاب الأطفال، فلا يكاد يمر يوم من دون أن تتحدث وسائل الإعلام عن تعرّض طفل هنا أو هناك لهجوم من قبل الكلاب.

ويشكو الأهالي نباح هذه الكلاب في الحارات والأزقة ليلاً، وسط مطالبة المعنيين بإيجاد حل لهذه المشكلة المتفاقمة، من دون أن يكون هناك أي استجابة في ظل غياب قانون شامل في هذا الخصوص، وعدم تخصيص ميزانية لتعقيم هذه الكلاب ووضعها في أماكن خاصة. وبحسب تقديرات الخبراء، تحتاج البلاد إلى 20 تريليون تومان (نحو 472 مليوناً و255 ألف دولار أميركي) لتجميع وتعقيم الكلاب الضالة، إلا أن الأزمة الاقتصادية التي تعيشها تجعلها عاجزة عن تمويل خطة مماثلة.

في المقابل، يرفض المدافعون عن حقوق الحيوان في البلاد إطلاق تسمية “الكلاب الضالة” أو “المشردة” على هذه الكلاب. ويقول العضو في الجمعية العلمية لصحة البيئة محمد رضا محبوب فر لـ “العربي الجديد” إنها “كلاب بلا صاحب” (أو أصحاب)، عازياً ارتفاع عددها إلى “عدم إدارة صحيحة لنفايات المدن”. ويشير إلى أن التغيرات المناخية والجفاف وغيرها من الأزمات البيئية أجبرت الكلاب على اللجوء إلى المناطق السكنية بحثاً عن الطعام. ويرى أن الحل الأفضل هو “إدارة النفايات”، لافتاً إلى أن عدم وجود نفايات المواد الغذائية هنا وهناك يؤدي إلى تراجع أعداد الكلاب الباحثة عن طعام. كما يشير إلى حل آخر يتمثل في تعقيمها مع مراعاة المعايير الأخلاقية واحترام حقوق هذه الحيوانات. ويطالب بتلقيح هذه الكلاب وتعقيمها من قبل متخصصين تحت إشراف منظمة الطب البيطري وإطلاقها لاحقاً.

انتشار النفايات يعد أحد أسباب ارتفاع أعداد الكلاب الضالة (مرتضى نيكوبازل/ Getty)

انتشار النفايات يعد أحد أسباب ارتفاع أعداد الكلاب الضالة (مرتضى نيكوبازل/ Getty)

وفي وقت يعزو البعض في إيران أحد أسباب استمرار هذه المشكلة إلى غياب قوانين ناظمة، يلفت محبوب فر إلى وجود مواد قانونية تنص على ضرورة منع وجود الكلاب الضالة في المدن والقرى حفاظاً على أرواح المواطنين وأمنهم ومنعاً لنقل الأمراض. كما يشير إلى قانون البلديات وإلزامه اختيار مقاولين لتجميع هذه الكلاب من خلال التعاون مع مؤسسات المجتمع المدني، منها منظمة حماية حقوق الحيوان، لكنه يوضح أن المقاولين الذين تعاقدت معهم البلديات لا يبدون تعاوناً في هذا المجال.

وعندما يدور الحديث عن تجميع هذه الكلاب، يستذكر حماة حقوق الحيوان بعض التجارب المريرة (التعذيب أو حرقهم بالأسيد أو غير ذلك)، الأمر الذي يثير غضبهم. ويشير محبوب فر إلى عدم معارضة تجميع الكلاب الضالة كونها تسبب رعباً وأمراضاً في المجتمع، شرط التعامل معها بإنسانية. ويقول إن الكلاب الضالة تشكل “خطراً جاداً” على الحياة البرية في إيران، مشيراً إلى أنها “تعرض التنوع البري البيئي لمخاطر أساسية”. كما يتحدث عن تزاوج الكثير من هذه الكلاب مع الذئاب والثعالب والشغبر، الأمر الذي يؤدي إلى ولادة أنواع من الحيوانات الخطيرة التي تهدد الحياة الإنسانية والبرية.

من جهته، يقول أستاذ البيولوجيا في جامعة طهران حسين آخاني إن وجود هذه الكلاب يعد عاملاً مهماً في انقراض الفهد الإيراني، مشيراً إلى أن وجود كميات كبيرة من الكلاب الضالة في محميات أطراف طهران ومحمية غلستان الوطنية. يضيف أنها تقتل صغار الحيوانات على نطاق واسع. ويوضح أن بحثه الميداني في حديقة “برديسان” في طهران يكشف أن “هذه الكلاب قضت على أرانب الحديقة ما خلف خسائر كبيرة بالبيئة إلى درجة سببت تغيير الغطاء النباتي في المنطقة”.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
,
Read our Privacy Policy by clicking here