السر في وجودنا، هو التحرر من الماضي والانطلاق نحو المستقبل 

*د. رضا العطار

 ضمن (قراءات فلسفية) اقول كيف للانسان ان يتنكر لماضيه، وما وجوده نفسه الا ماضيه،  ألسنا نلاحظ ان الطفل الصغير يولد مزودا بماض طويل ؟ أوليس جسم الوليد الجديد تراثا يحمل آثار الماضي البعيد ؟ والا فماذا يفرض ان تكون تلك الوراثة الثقيلة على كاهل الطفل الصغير وتجعل منه مجرد نهاية مؤقتة لسلسلة طويلة من الانساب والاستعدادات الوراثية والصفات الخلقية والسمات العرقية ؟

 

وردنا على هذا الاعتراض ان الطفل يولد وهو شيخ طاعن في السن لانه يحمل تراث اجداده وآبائه ولكنه لا يظهر الى الوجود حقيقة مكتملة قد تحددت معالمها من ذي قبل، بل هو يظهر على صورة شخصية مرنة تقبل التشكل – – – وليست الحياة الروحية للموجود البشري سوى هذا الجهد الذي يقوم به الطفل من اجل تجديد حياته واستعادة شبابه ! فنحن لا نكف عن طرد احماله الثقيلة الماضية.  وكأن كل حياتنا هي مجرد سعي مستمر نحو الارتداد الى الينبوع الاصلي.  ومن هنا فان وجودنا هو في صميمه تحرير من الماضي من اجل الانطلاق نحو المستقبل.

 

اننا لا ننظر الى الذكريات الماضية على انها موضوعات بل على انها (قيم) او (دلالات). وهنا تتحول الذكريات من موضوعات تقتصر على تأملها الى وقائع حية تحرك الارادة وتنشط مقدرتنا على الحكم – – – وليس يكفي ان نقول ان معرفتنا لماضينا تتغير يوما بعد يوم بل يجب ان نضيف الى ذلك ايضا ان هذه المعرفة لا تلبث ان تنفصل عما اقترن بها من اعراض لكي تستحيل الى نشاط روحي انقى واعمق.

 

فإذا ما تساءلنا ( هل يملك ماضينا ان يسعدنا او يشقينا ؟) كان الجواب لا ونعم، لا لان الماضي نفسه قد اصبح اثرا بعد عين. ونعم، لان فكرتنا عن الماضي تظل تؤثر على سلوكنا ما دمنا نجد انفسنا مضطرين الى معاودة تأويل ماضينا من اجل المضي في طريقنا نحو المستقبل – – –  ولما كان الماضي يمثل الامتلاك، فستظل الارادة البشرية في حاجة الى (الماضي) ما دام الماضي يمثل عالم الوجود. 

 

اننا كائنات تحمل وراء ظهرها (ماضيا) على شكل (مكاسب) ولكننا في الوقت نفسه ذوات واعية تدرك ان ما قد (تحقق) لا يرسم مرة واحدة صورة ما ينبغي ان يتحقق فالماضي يدفع كل من الحاضر والمستقبل – – – فلو كان الانسان اسير ماضيه، الى الحد الذي يتصوره البعض لكانت الحياة البشرية هي اليأس بعينه، اذ ما الياس الاعبودية الماضي – – –  ألا تشعر ايها القاري الكريم باننا نوجد من اجل ( ما لا يمكن التنبؤ به )

اكثر مما نوجد من اجل ( ما لا يمكن استرجاعه ) ؟

 

·      مقتبس من كتاب مشكلة الحياة د. زكريا ابراهيم جامعة القاهرة

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here