تجهيل الناس وأستأجار الدين وسيلتان استعماريتان لاستعباد الشعوب

بقلم:  البروفسور الدكتور سامي آل سيد عكلة الموسوي

 تجهيل الشعوب هي واحدة من اهم أدوات الطغاة والمستعمرين من اجل اخضاعهم وتسهيل حكمهم ونهب خيراتهم وجعلهم دمى يسهل التلاعب بها وتحريكها حسب مشيئة المستعمر وبدون كرامة.  والجهل أصبح وسيلة من وسائل الحرب الباردة.  يقول الفيلسوف والناقد (Noam Chomsky) ان هناك عدة استراتيجيات للتحكم بالشعوب من أهمها إبقاء العامة في حالة من الجهل والغباء وتشجيعهم للرضى بذلك بل ومخاطبتهم وكأنهم أطفال مما يسهل استخدام الجانب العاطفي فيهم وليس الفكري ثم خلق مشاكل لهم لاهائهم فيها.  ومن هذه المشاكل تغييب الامن وافساد الأجهزة الإدارية للدولة وتشتيت حياة الافراد للبحث عن لقمة العيش ومستلزمات الحياة وذلك بتدمير الاقتصاد والخدمات واحتكار المال بيد الفاسدين.  والطامة الكبرى ان المال في العراق اعتبره البعض مال سائب لكل واحد الحق بنهبه.   بهذه الطرق وما شاكلها يمكن للمستعمرين والطغاة سرقة الشعوب و بيع وطنهم وهم خاضعون بسبب التجهيل.   ومن اهم الوسائل لتحقيق ذلك كما اتفق علماء السيكولوجيا وغيرهم هو تزييف الدين وقتل الضمائر وافساد الاخلاق.  وقد تنبه البعض من العراقيين الى ذلك عندما رددوا في ثورة تشرين شعارات مثل (بسم الدين باگونا الحرامية).   هذا النوع من الدين هو الدين المستأجر الذي يأتي به الطغاة لإخضاع الشعوب وليس دين الأنبياء والرسل الذي هو دين الثورة والتحرر.  ان دين الرسل والانبياء ودين الحسين وابيه وجده ليس فيه أحزاب بل هو دين عام لجميع البشر لهذا السبب فأن التحزب باسم الدين هو استئجار لذلك الدين من اجل فئة معينة ومصالح معينة لا ينتج عنها الا الظلم وتشويه ذلك الدين وتجهيل اتباعه.  حتى رسول الله وباقي الأنبياء كانوا انبياء يبلغون رسالات الله ولكنهم تركوا الحكم المدني ينظمه ويقوم به قادة القبائل او الامصار التي دخلت في الدين ولم ينصبوا انفسهم حكام مطلقين على الجميع واستمر ذلك عند الخلفاء الراشدين ثم تحول الى ملك بعد ذلك ولم يسمع من احد من أئمة الشيعة انه ادعى الملك لنفسه او خرج محاربا من اجله حتى الحسين فهو قد خرج من اجل اصلاح الوضع حتى انه طلب من القوم الذين قاتلوه بعد ان دعوه اليهم ان يتركوه ليذهب ليزيد ويضع يده بيده (اختاروا مني واحدة من ثلاث إما أن أرجع إلى المكان الذي أقبلت منه وإما أن أضع يدي في يد يزيد بن معاوية فيرى فيما بيني وبين رأيه وإما أن تسيروا بي إلى أي ثغر من ثغور المسلمين شئتم فأكون رجلا من أهله لي ما لهم وعليّ ما عليهم).

ان على الشعوب ان تشخص امراضها بشكل صحيح وشجاع والا فأنها تموت بسبب اخذ العلاج الخاطئ الذي يحاول ان يدسه اليهم المستعمرون علما بأن اخطر هؤلاء المستعمرين هم الذين يعملون في السر لأنهم يختبأون عن الانظار ويهددون الشعوب من داخلها خاصة ببث الفرقة واشاعة الاخلاق الفاسدة و روح الرضا بالقهر والذل والهوان.   قال ابن خلدون (ان الشعوب المقهورة تسوء اخلاقها) ولذلك عليها ان تثور ضد القهر أولا وضد الظلم والفساد لكي تستعيد كرامتها وذلك ينطبق على العراق قبل ان تفكر في احداث ديمقراطية صحيحة فالديمقراطية المزعومة التي جاء بها الاحتلال الصهيوني الأمريكي هي كذبة ككذبة أسلحة الدمار الشامل التي انكشفت بعد تدمير البلد ولاغراض ستراتيجية تخدم المستعمرين جميعهم.  

أنه من غير المعقول ان نرى بلدا كالعراق تصبح فيه الكهرباء حلما لا يمكن تحقيقه على مدى عشرين عاما دون ان يثور الشعب وان ثار يقتل بمختلف انواع الاسلحة المحرمة دوليا!  وأنه من غير المعقول ان يعتمد العراق الذي يمتلك مخزون هائل من الغاز على مدى هذه الأعوام نفسها على الغاز الذي تزوده به ايران بل وتجعل منه ورقة ضاغطة بل ومذلة.  كما وانه من غير المعقول اطلاقا ان يستورد العراق من ايران الخضروات والفواكه والتمور بينما تترك ارضه بورا او منتوجاته تبور ولا يشتريها احد.  و(من غير المعقول) هذه نحتاج الى مجلدات لكي يتم سردها جميعا وتتحمل مسؤوليتها أمريكا التي جعلت من العراق بيد الفرس.  هذا هو قمة الفساد والتلاعب ولهذا يستخدم التجهيل لكي يصمت الشعب كالطفل الذي يخوفونه بالبعبع عندما يريدون اسكاته.  هذا التجهيل الذي يمارسه منتفعون وخونة ودول أخرى يستخدمون به وسائل متعددة كالدين او التخويف بواسطة شماعة  (صدام وحزب البعث) رغم مضي سنوات على مغادرتهم او اسقاطهم  ليجعلوا من شخوصهم بعابع او اشباح مخيفة وباللهجة العراقية (جاك الطنطل جاك الواوي).   

ومن اهم الأمور التي يستخدمها هؤلاء هو الاستدرار العاطفي لجعل الناس ترضى بالواقع المرير خوفا من (الطنطل) ورضى بالفاسد الذي يحل محل الطنطل.  و هناك امثلة كثيرة على ذلك منها مثلا الاستغلال العاطفي لقضية الحسين و بشكل يعاكس مباديء تلك القضية وذلك عندما يلقي شخص معمم بخطبته على الذين تلاعبوا بمشاعرهم وجهلوهم فيقول للناس بأن المهم هو ان لديهم فرصة للطم والبكاء على الحسين يوفرها لهم الحاكم الشيعي حتى وان كان فاسدا او سارقا فهذا لا يهم.  أي المهم عنده او ما يريد إدخاله في عقول الناس على انه شيء مقبول هو ان الحكم بيد الشيعي حتى لو كان هذا الشيعي وعصابته فاسدين وحرامية وليس المهم الكهرباء او الخدمات والتعليم والصحة والعدل ولكن المهم هو اللطم على الحسين.   وهذا بالضبط خلاف ما أراده الحسين وجده رسول الله واهل البيت عندما صرحوا بان (الحكم يبقى مع الكفر ولا يبقى مع الظلم) . و الشخص الذي يحاول تجهيل العامة هو في قرارة نفسه يضحك عليهم ويردد في نفسه قائلا (لا يوجد فيكم من يعترض فكلكم جهلة)!  فالحسين هو ثورة على الواقع الفاسد وليس لطم وتطبير وقراءة قصائد على لسان السيدة زينب او غيرها من اهل البيت هي في الواقع تسيء لسمعة اهل البيت لو تمعنا فيها بل وتسيء للدين.   ان هناك الكثير من الممارسات الشاذة التي لايمكن ان ترقى الى مقام اهل البيت بل أدخلت من قبل قوميات غير عربية منها ما هو مسيء لاهل البيت ومنها من اجل الاتجار بهم.   وخير مثال على ذلك الصور التي ينسبونها لاهل البيت كالرسول محمد والامام علي والحسين والتي صارت تعلق حتى في البيوت (للتبرك بها) وهي صور مسيئة تماما للحسين واهل البيت أولئك الرجال ذوي السحنة العربية بينما نجد هذه الصور ذات حواجب وعيون (انثوية) ومبالغ بها على غرار الاساطير الهندية والفارسية فعلى الناس الانتباه لذلك وعدم اقتناء هذه الصور المسيئة لاهل البيت.  انها وسيلة من وسائل استدرار العطف والتجهيل وإظهار اهل البيت على انهم فرس او غير عرب وهو بشكل مباشر الحط من مكانتهم.   

 

ان احتكار السلطة والمال من قبل مجموعة من الطغاة والفاسدين والخونة وتجهيل الشعب باسم الديمقراطية هي ليست ديمقراطية بل هي طغيان بلباس الديمقراطية وأن ذلك لايتم الا  عبر الاستقواء بالأعداء التاريخيين للشعب وهم كثيرون ومتعددون في داخل وخارج البلد وكلهم مستعمرون او ذيول للاستعمار.    هذا الاحتكار السلطوي الديمقراطي يشبه عملية سطو على بنك من قبل مجموعة من اللصوص يوزعون الادوار فيما بينهم ثم بعد نجاح العملية يتم توزيع الاموال والمسروقات الاخرى حسب الادوار وتلك هي ديمقراطية اللصوص (الكيكة – حسب ما يسميها المنتفعون من اللصوص).  الجهل هنا عامل اساسي في تمرير ذلك الاحتكار السلطوي ولابد للتجهيل ان يستمر لكي يستمر معه الاحتكار فالشعوب التي لاتقرأ ويتم تجهيلها يسهل حكمها واستغلال عواطفها دون عقلها على العكس من الشعوب المتعلمة التي تناقش ويمكن لها ان تشخص الخطأ ولا تقبل كل ما يقال لها.  فهي تعلم علم اليقين ان (الطنطل) شيء غير موجود وانها تسير مع المباديء لا مع العواطف.  

ولكن هناك امر مهم هو ان الزمن قد اختلف تماما فما كان يمرر من اجل التجهيل او ما شاكله قبل عشرين عاما اصبح تمريره يكاد يكون مستحيلا اليوم بسبب التقدم الكبير الحاصل في التواصل عبر الانترنيت واليوتيوب والقنوات الفضائية التي كلها عابرة للحدود واصبح الوصول الى الكتب وما شابهها لايتطلب الا البحث البسيط في اجهزة الموبايل الصغيرة ولهذا تعمد الدول التي تحكمها سلطات قمعية الى حجب تلك الوسائل عندما تحتاج الى ذلك ولكن بصعوبة بالغة.   اذن فان وسيلة تجهيل الشعوب من قبل سلطات الاحتكار والمستعمرين سوف تصبح غير ذات جدوى مع مرور الزمن بسبب سهولة الوصول للمعلومات العديدة والصحيحة رغم محاولة اولئك للاستفادة بشكل مباشر ببث التجهيل من خلال هذه الوسائل نفسها.  لقد اصبح كل شيء مكشوف وهذا ما سيفرز متغيرات كبيرة سوف تكون مدوية وسوف تكشف امور كانت تخفى عن العامة.  اليوم ليس كالبارحة وغدا هو يوم آخر مختلف عما قبله تماما. 
تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here