السكن العمودي : غلاء الأسعار يحبط الآمال

باسل عباس خضير

السكن العمودي له العديد من الفوائد للإنسان والاقتصاد وغالبا ما تتبعه الدول لتحقيق مزاياه في جذب الأموال والاستثمارات واستغلال المساحات وتركيز الخدمات وتوفير السكن المناسب لمختلف الفئات على وفق ما متاح لهم من إمكانيات وزيادة التقارب الاجتماعي وتقليل الازدحامات وغيرها من الامتيازات ، وفي البلدان التي تشتد فيها أزمة السكن وترتفع بها أسعار المساكن ( الأفقية ) الفردية وتتواجد صعوبات في البناء من حيث توفر مواد البناء والأيدي العاملة وضيق المساحات يتم ولوج السكن العمودي لقدرته في اختصار الزمن والتكاليف ، ومن الناحية الواقعية فان اغلب العراقيين لا يفضلون السكن العمودي لأسباب عديدة أبرزها حجم العائلة الذي لا يترك مساحة كافية لممارسة مختلف الفعاليات والخشية من حصول خلل في الخدمات ينعكس على مجمل الساكنين وتخوف البعض من الإفراط في الاختلاط والرغبة في الحصول على وحدة سكنية مستقلة قابلة للتطوير والإضافة بما يستوعب حاجات المستقبل من الزواج والإنجاب ، كما إن هناك تحفظ لدى البعض من التورط بمشاريع السكن العمودي بعد إن تعرضت بعض المشاريع للتلكؤ او التأخر او النكول ، ولو أحصينا عدد الشقق في العراق لوجدنا إنها لا تشكل إلا نسبة قليلة من عدد الوحدات السكنية بالبيوت ، واغلب الشقق السكنية المنفذة ( سابقا ) تبنتها الوزارات او الشركات لإلحاقها بالدوائر او المنشآت او إن بعضها انشأ لتوفير سكن رخيص لمحدودي الدخل بالتقسيط المريح او من خلال القروض ، وفي وقتنا الحالي ازداد الإقبال على السكن العمودي من باب الاضطرار وبعد إن تغيرت العديد من التوجهات والقناعات ، فعدد السكان في حالة نمو ومراكز المدن امتلأت بالبيوت والإيجارات لا ترحم أمام طلبات المالكين في رفع قيمتها وشروطها شهرا بعد شهر .
وأمام الارتفاع الانفجاري لأسعار العقارات وتقلص المساحات المخصصة للسكن في بغداد ومراكز المدن في المحافظات التي يفضلها المواطن لتوفر الخدمات ولتأمين مستقبل العوائل والهروب من الإيجارات ، ازداد الإقبال على السكن العمودي رغم ما يسجلونه من عيوب وملاحظات ، وقد استبشر أهالي بغداد خيرا بإنشاء مجمع بسماية السكني الذي اعتقدوه فاتحة خير لمعالجة أزمة السكن بأسعار مناسبة كونه بتمويل حكومي وبشروط ميسرة نوعا ما ولكن سرعان ما تبخرت تلك الأحلام ، وأمام عجز الحكومة عن إتباع الحلول الفاعلة لمعالجة أزمة السكن التي تعني النقص بملايين الوحدات ، تحول الموضوع ليأخذ شكلا آخرا بالاعتماد على الإمكانيات الفردية او بالاستفادة من قروض المصارف ومبادرة السكن التي أطلقها البنك المركزي بمنح القروض للراغبين بشراء وحدات سكنية بهيئة شقق في المجمعات السكنية التي تتولاها الشركات المسجلة بهيئة الاستثمار بشروط وتسهيلات من حيث الفوائد ومدة التسديد ، واعتقد البعض أن أزمة السكن بطريقها للحلول بهذه المجمعات خاصة لمحدودي الدخل الذين يرغبون بتحويل الإيجارات لإقساط ، ولكن ما يحصل يحبط ألأمنيات نظرا لارتفاع الأسعار وارتفاع قيمة المقدمة ومقدار الأقساط وشروط السداد فمعظمها خارج إمكانيات الكثير في الدفع آجلا او بالنقد ، واغلب أسعار تلك الشقق أخذت تقترب من أسعار المساكن نظرا لما تحويه من رفاهية وخدمات وكأنها مخصصة للميسورين وليس الفقراء ، واستنادا للمعلومات المتداولة فان سعر المتر المربع الواحد ( بالدولار ) يبلغ 1000 – 1100 في السيدية و1100 في حي الجهاد و1200 في حي العامل و1400- 1500 في الدورة و1250 – 1350 في الكاظمية و1600 في المنصور و1650 في حي الفرات و1800 في العرصات و2200 في المنطقة الخضراء ، وهذه الأسعار ستكون خارج آمال الكثير في الحصول على سكن يؤويهم لأنها تقع خارج إمكانياتهم نقدا او بالتقسيط مما يلجئهم للحواسم والزراعي والتجاوزات او إبقائهم تحت رحمة الإيجارات ، والمواطن يسال أين تذهب أموال البلاد ولماذا لا يخصص بعضها لتمويل مشاريع السكن بالعمارات بما يؤدي لمعالجة حقيقية لمشكلة السكن التي لا يشعر بها إلا من اكتوى بنارها ، ومبادرات السكن التي أعلنت لم ترى النور وان ظهرت فإنها تحتاج لعقود في توفير الخدمات .

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here