عندما استحال ضجري عنكبوتا شرسا : قصة قصيرة

بقلم مهدي قاسم

بدأ الوقت يتثاقل حولي متخثرا ، متعثرا ، مترجرجا ، مثل خطوات سلحفاة عجوز على وشك تعثر وجمود في خطوه الدائر على نفسه في وتجاويف الهواء ، فكرتُ مع نفسي مبهوتا : نعم احيانا يتخثر الوقت حولي مثل ماء فاسد وآسن وكثيف ، ربما يتجمد في داخلي أيضا ولا سيما بين مسامات جلدي ، ليستحيل ، فيما بعد ، إلى قطعة صلدة من جليد متحجر ، متخذا لونا رماديا طاغيا بقسوة ، ثم فجأة و إذا بالوقت و السلحفاة واللون الرمادي الضارب إلى العتمة ، فكل هذا يتحول مستحيلا إلى عنكبوت ضخم ، ينسج حولي ببراعة مذهلة ، خيوط شبكته الدبقة بدوائر هندسية دقيقة ، ولكنها في واقع الحال ، لم تكن خيوطا لينة ولا بنعومة ملمس حرير ،لا أبدا ، كأنما كانت عبارة عن نشارة حديد صلبة مسننة ، حتى شعرتُ بالعنكبوت يضيق الخناق علي بدوائر شبكته التي كادت أن تُكتفّني أيضا ، بل تشلني مقمّطا إياي كطفل رضيع ، أو كأنني ذبابة أسيرة ، عديمة حيلة وقوة ، وكان عليَّ أن انتفض في اللحظة الأخيرة ، مدركا أن السبب الوحيد ، لكل ما يحدث حولي في هذه اللحظة الراهنة والعصيبة ، هو ، هذا الوقت الرمادي الفضفاض و الخالي من أية غبطة أو فرحة ، تنعش روحي أو قلبي ، و لأنه هكذا ، فسرعان ما تحوّل إلى سلحفاة حينا و إلى عنكبوت حينا آخر ، و إلى ذبابة مزعجة و شرسة تحط فوق انفي محرّكة أجنحتها المقرفة المقززة بوقاحة سافرة حينا ثالثا ، و هذه كله في واقع الحال ما كان سوى ضجرا عظيما أخذ بخناقي متحولا إلى هيئات وأشكال آنفة الذكر ، إذن ، وكلما في الأمر ، أنا ضجر ضجرا رهيبا فحسب ، فما عليَّ أن أفعله خلاصا هو أن انتفض بحركة نشطة وحاسمة من مكاني ، منتقلا الى الحمام لأخذ دوشا منعشا ، مستمعا أثناء ذلك إلى أغنية مرحة لتجعلني بمزاج رائق ، ثم وجدت نفسي ارتدي ملابسي الأنيقة ،خارجا من البيت دون وجهة محددة ، تسبقني أجنحة عطري العبقة ،و لكن في اثناء ذلك ومن خلال تواثب خطوي بقوة و ثبات ، خطرت على بالي فكرة ، ربما كان نوعا من تعاطف مباغت مع أي كان يعاني من حالة ضجر مماثلة :

ــ ربما عليَّ أن أنقذ امرأة ما قد يحاصرها عنكبوت ضجر مماثل ،مثلما كنتُ أنا قبل لحظات.. سيدة أو آنسة وهي قد تكون جالسة بسهوم وشرود في أقصى أطراف وحدتها أو متكئة على مقعد في حديقة مهجورة ، أو عند ركن شبه معتم لمقهى جانبي ، تكش عن نفسها ذبابات ضجر أو جحافل وحشة كاسحة ..

هكذا فكرت بحماس طارئ .. سائرا و مبتسما في الوقت نفسه ، بثقة وقوة فتوة تنبض حيوية في داخلي ، مثل مد بحر مرتفع أمواج هديرا .. كل هذا، بينما أنا أخطو بمهابة ملك رصين ينزل من درج مخملي بخطوات بطيئة نحو قاعة احتفالات المساء الواعدة بمسرات مبهجة.

.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here