يد الله مع الجماعة

بقلم: محمد هاشم الصالحي

جاء كبار المدينة إلى إمام المسجد يشكون له تمرد فيل القاضي في المدينة. الفيل كبير وقد تركه القاضي لحاله يصول ويجول في المدينة دون رقيب وهو يخرب المحال التجارية بخرطومه الطويل ويخيف المارة والسابلة في الطرقات. لا أحد يجرء على منع الفيل، فهو ليس فيلاً عادياً، بل هو فيل القاضي والكل يخشى أن يغضب القاضي.
اقترح إمام المسجد هذا على الأهالي التجمع في المسجد بعد صلاة الظهر للتوجه جميعاً إلى مكتب القاضي. هناك يتحدث الإمام باسمهم ويعرض همهم أمام السيد القاضي.
بعد صلاة الظهر، شوهد تجمع ما يقارب 100 شخص في المسجد. سأل الإمام عن البقية الباقية من الذين لم يحضروا. فتبين أن كل واحد منهم منشغل بأمر ما وقد قدم عذراً لعدم قدومه. سار الإمام بالعدد الموجود من الأشخاص متوجهاً إلى مكان القاضي. بعد سيره لمسافة معينة التفت الإمام إلى الوراء فوجد أن عدد الأشخاص قد انخفض إلى النصف. ثم سار شيئاً آخر حتى فوجئ بأن العدد قد انخفض أيضاً وبمقدار ملحوظ.
ما أن وصل الإمام إلى باب مكتب القاضي حتى التفت إلى الوراء فوجد أن العدد المتبقي هو 10 أشخاص فقط. لم يسأل عن البقية فهم يقدمون الأعذار والمبررات في كل مرة حتى أقدم على الدخول إلى غرفة القاضي ليجد نفسه عندها وحيداً وقد تخلى عنه الجميع. وقف الإمام أمام القاضي دون أي إسناد جماهيري من أهل المدينة الذين جاءوه شاكين له فيل القاضي وما خرج الإمام إلاّ لهم ومن أجلهم.
الإمام الذي تألم كثيراً لترك الناس له وبقرار آني جداً قال للقاضي:
– يا سيدي القاضي أن لك في المدينة فيلاً يتجول وحيداً ويبدو عليه الضجر. حرام أن تعذبه كل هذا وعليك أن تجلب له فيلاً آخر ليكون له صديقاً وأنيساً.
أجاب القاضي بعد أن شهق نفساً عميقاً:
– أعذرني أيها الشيخ الجليل، يبدو أن مشاغل الحياة ومشاكل الناس قد ألهتني، ولم أفكر بأن الفيل سيعاني الوحدة كل هذا.
خرج الإمام من عند القاضي ورجع إلى مسجده. بعد يومين اثنين فقط وجد الناس أن فيلا آخر قد التحق إلى المدينة. هذه المرة أصبح الفيلين يخربان السوق ويبطشان بالموجودات وبكل شيء. لم يرضى الناس بفيل واحد حتى أصبح هناك فيلين كبيرين يمشيان في الأسواق.
جاءت الأهالي إلى الإمام من جديد وسألوه عن الذي يحدث. حتى أجابهم الإمام:
– يد الله مع الجماعة. فاذا كنتم خائفين من مواجهة القاضي عليكم بتحمل أعباء خوفكم. إذا لم تكن لديكم الجرأة والشجاعة الكافية في مواجهة النائبات ودرء المظالم فسوف تواجهون أمرّ منها. وإذا لم تعتصموا بحبل الوحدة وروح العمل الجماعي ستكونون متفرقين مشتتين والذئب يأكل من الغنم القاصية. إذا لم تؤلفوا بين قلوبكم وإذا لم يعمل أحدكم من أجل الجميع وإذا لم يستنفر الجميع هممهم من أجل الفرد ستكونون على شفى حفرة من النار.
العبرة هو أننا نتهرب من الحقيقة ونتبع الزيف وننتظر من الأخرين أن يقوموا بالثورة ومن ثم نستفيد منها نحن. ليس فينا شخص مستعد للتضحية والإقدام والجميع ينأى بنفسه عن مشقة الزرع والحصاد ليرجع كالغزال ويستفيد من الثمار في نهاية المطاف. فتغليب المصالح الشخصية على المصلحة العامة سيجعل الجميع قاب قوسين او ادنى من الهلاك.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here