“من المؤكد أنها مفتعلة”.. نيران “غير طبيعية” في الجزائر “تشعل” التساؤلات

بالموازاة مع المآسي التي خلفتها النيران التي أتت على مساحات شاسعة من غابات الشرق الجزائري، يعيش السكان على وقع تضارب الأخبار حول أسباب اندلاع الحرائق التي خلفت بحسب الأرقام الرسمية نحو 37 وفاة منهم 30 في ولاية الطارف وحدها.

حرارة الصيف والرياح وإن كانت السبب الرئيسي في النيران التي أتت على عدة هكتارات، لم تكن وحدها وراء اندلاع الحرائق بحسب وزير الداخلية الجزائري، كمال بلجود.

الوزير قال خلال مداخلة له في نشرة الأخبار الرئيسية على القناة الحكومية “منذ شهر أغسطس، ونحن نكافح وكل المسؤولين على مختلف المستويات، لإخماد هذه الحرائق، التي -أقولها بصراحة- بعضها مفتعل”.

لكنه لم يعط تفاصيل أكثر حول من تتهمهم الدولة بالضلوع في هذه الحوادث.

بلجود قال كذلك إن 39 حريقا اندلع في 14 منطقة، يوم الأربعاء وحده، وإن الحرائق دمرت 3200 هكتار من الغابات والأشجار منذ بداية أغسطس، وفق ما نقلت عنه وكالة أسوشيتد برس.

وعادة ما تشهد الجزائر مع فصل الصيف حرائق في المناطق الشمالية تخلف خسائر في الأرواح وتدمر آلاف الهكتارات من الغابات.

ففي العام الماضي قضى 90 شخصا في حرائق دمرت أكثر من 100 ألف هكتار شمالي البلاد.

وخلال حرائق 2021 أتلفت مئات الهكتارات من الأشجار في منطقة القبائل على وجه الخصوص، اتهمت على إثرها السلطات، الحركة المطالبة باستقلال منطقة القبائل المعروفة اختصارا بـ”ماك” و”وكلاء للمغرب” بالوقوف وراء اندلاع النيران.

وأحالت السلطات نحو 100 متهم بالضلوع وراء مقتل شاب جاء من العاصمة للمساعدة في إخماد النيران، وقالت إثر ذلك أن النيران كانت مفتعلة، أشعلها ناشطون في حركة “ماك”.

ومنطقة القبائل تقع على الجانب الشرقي للعاصمة الجزائر، لها طابع ثقافي ولغوي خاص، حيث تسكنها قبائل الأمازيغ الموزعين على ولايات مثل البويرة وتيزي وزو وبجاية وبرج بوعريريج.

“هذه مأساة.. أنا مصدومة”

عائلة صوّام، واحدة من عشرات العائلات المتضررة من النيران بولاية الطارف، حيث أتت الحرائق على منزلها الواقع بقرية بوحشيشية، في بلدية عين لعسل.

تقع ولاية الطارف في أقصى الشرق الجزائري، وهي متاخمة لتونس، التي عانت هي الأخرى من الحرائق خلال الأيام الأخيرة.

العم عياشي، صاحب بيت احترق بالكامل، قال لموقع الحرة إنه تضرر كثيرا جراء ما حدث لمنزله بين ليلة وضحاها، وكشف أن كل ما يملك، أكلته النيران، مناشدا المساعدة من كل من يستطيع أن ينتشله وأهله من العراء.

العم عياشي قال متحسرا: “صراحة أنا منهك لا أكاد أصدق ما أرى، كل هذا وقع بين ليل وصبحه؟” ثم تابع “صراحة لا أجد ما أقوله إلا طلب المساعدة”.

الرجل لم يتمالك نفسه، ولم يستطع حتى مواصلة الحديث معنا لتواصل زوجته، عروسي سناء، التي قالت إنها لن تستطيع العودة للمبيت في منزلها لأنها تخشى أن تعود إليه النيران مجددا.

وقالت باللهجة الجزائرية لمنطقة الشرق “هذه مأساة.. أنا مصدومة، لا أستطيع العودة لمنزلي، النيران أتت على كل شيء، أمس هربنا وتركنا وراءنا كل شيء، واليوم لم أصدق ما رأيته عندما دخلت بيتي”.

ثم تابعت بحسرة كبيرة “صدقني لم أجد حتى ما ألبسه، كل شيء أصبح رمادا”.

وقالت إنها لن تستطيع المكوث في البيت لأن النيران لا تزال تنتشر في بعض النقاط القريبة وتخشى أن تمتد مجددا نحو “ما تبقى من بيتها” وفق وصفها.

صور حصرية لموقع الحرة من إحدى قرى ولاية الطارف 

من وراء الكارثة؟

بينما لم يتهم الوزير الجزائري أي جهة بالضلوع في إضرام النيران، يدعم عضو الهلال الأحمر بولاية الطارف، أحمد برايكية، الرواية الرسمية ويقول لموقع الحرة: “نعم هذه الحرائق مفتعلة”.

الرجل استغرب كيف تندلع عدة حرائق في وقت واحد وبصفة مفاجئة وقال: “لا يمكنني معرفة من وراء إضرام النيران، لكن المؤكد أنها مفتعلة”.

ثم تابع “الأشخاص وراء هذه الفعلة اختاروا يوما حارا وبه رياح عاتية تساعد على انتشار اللهيب بسرعة” قبل أن يستدرك “لا نريد اتهام أي كان لكن هذا هو الواقع، هذه الحرائق ليست طبيعية”.

وبنبرة حزينة على ما آلت إليه غابة ولاية الطارف، المصنفة محمية عالمية، وفقه، قال برايكية “لا يمكنك أن تتصور كيف كانت الغابة قبل وبعد هذه الحرائق، الخسارة كبيرة جدا”.

ثم كشف أن النيران التي أتت على مساحات شاسعة من الغابة، أدت لنفوق العديد من الأصناف الحيوانية.

برايكية عاد ليؤكد فرضية أن تكون النيران مفتعلة بالقول: “لقد وجدنا إطارات السيارات، لا شك أن هناك أشخاصا وراء ما حدث”.

من المتسبب إذن؟

لحد كتابة هذا التقرير، لم تتهم السلطات رسميا أي جهة، بخلاف السنة الماضية التي قالت فيها الجزائر إن حركة “ماك” والمغرب، كانا وراء النيران.

وعلاقة الجزائر بالمغرب متوترة بشكل غير مسبوق خلال السنوات الأخيرة، وكان ذلك وراء اتهامها للرباط بالوقوف مع حركة “ماك” في عملية إضرام النيران.

وبينما لم يجر اتهام أي جهة خارجية، تداولت وسائل إعلام محلية، مساء الخميس، خبر توقيف ثلاثة أشخاص قد يكونون وراء إضرام النيران في كومة عشب في ولاية الطارف دون ذكر أي تفاصيل، عدا أعمارهم، التي تتراوح بحسب صحيفة الشروق بين 40 و70 سنة.

وجاء في الخبر الذي أوردته الشروق ولم يتأكد رسميا أن قوات الدرك أوقفت ثلاثة أشخاص أضرموا النار عمدا في محاصيل زراعية موضوعة في أكوام وحزم مملوكة للغير”.

الصحيفة نقلت عن بيان للدرك الوطني قوله: “سيقدم هؤلاء أمام الجهات القضائية المختصة، فور الانتهاء من التحقيق”.

هذه التحقيقات وحدها، هي من ستفضي إلى المتورطين في نظر المحلل الجزائري، فيصل مطاوي.

مطاوي الذي أشار في حديث لموقع الحرة أنه بخلاف السنة الماضية، حيث اتهمت السلطات حركة “ماك” والمغرب، لم يجر اتهام أي طرف خارجي لغاية هذه اللحظة.

ولم يستبعد الرجل أن تتضح الصورة بعد نهاية التحقيقات التي باشرتها السلطات، مذكرا بأن رئيس الحكومة الجزائرية، أيمن عبد الرحمن، أشار إلى العوامل الطبيعية ولم يتحدث عن أي تدخل إنساني في الحرائق، بينما حديث وزير الداخلية عن بعض الحرائق المفتعلة يقود للتكهن بأن هذه الحرائق التي اندلعت في وقت واحد “ربما يكون وراءها فاعل حقا”.

وقال في الصدد: عدد الحرائق التي اندلعت خلال 24 ساعة، كبير جدا، وهو ما جعل السلطات ترجح العمل الإجرامي”.

وبالحديث عن الموقوفين في حادثة إضرام النيران في الطارف، قال مطاوي إن العادة في الشرق الجزائري تقضي بحرق العشب اليابس قبل فصل الخريف، وأضاف: “ليس بالضرورة أن يكون عملهم إجرامي” تاركا نتائج التحقيق لتفصل في ذلك.

وختم بالقول: لكن إذا ثبت ضلوعهم في عمل إجرامي، سيتبين من وراءهم، لا بد من انتظار نتائج التحقيقات”.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
, ,
Read our Privacy Policy by clicking here