واشنطن والأزمة العراقية: سفارة فارغة بشكل مرعب وحكومة الكاظمي تحتفي بنجاحات خارجية والبلد ينهار

رسم موقع “ميدل إيست آي” البريطاني مشهدا لغياب الولايات المتحدة وسفارتها في بغداد، عن التطورات السياسية الجارية في العراق، وموقفها من الصراع بين الكتلتين الشيعيتين، ورؤيتها الى زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، مشيرا الى ان التدخل الامريكي الأساسي يتمثل في محاولة التوسط في اقليم كوردستان من اجل الاتفاق على مرشح للرئاسة.

وبداية، لفت التقرير إلى أنه بعد مرور يومين على اقتحام المتظاهرين للبرلمان العراقي في يوليو/تموز، صدر بيان عن جماعة “أصحاب الكهف” يتناول ما يعتبره المصدر الحقيقي للانهيار السياسي في العراق حيث قالت الجماعة إن السفارة الامريكية والسفارة البريطانية ودول الناتو الأخرى هي التي تثير الاضطرابات بين الشيعة، مهددة باستهداف “جميع سفاراتهم وقواعدهم”.

واشار التقرير الى انه بينما تتهم الميليشيا المدعومة من إيران، الولايات المتحدة بالتورط في الفوضى الحاصلة في العراق، فان محللين ومسؤولين امريكيين سابقين، يقولون ان الازمة الحالية تشير إلى تقلص ​​قوة الولايات المتحدة واهتمامها بهذا البلد.

ونقل التقرير عن السفير الأمريكي السابق لدى العراق دوغلاس سيليمان، وهو الآن رئيس “معهد دول الخليج في واشنطن”، قوله ان “لدى الولايات المتحدة القليل مما تفعله في ما يجري في العراق، ولديها أساليب قليلة للتأثير فيها سواء بشكل ايجابي او سلبي”.

“انخراط غائب”

وأكد التقرير؛ أن واشنطن أصبحت اقل حضورا في العراق حاليا، مقارنة بما كانت عليه منذ عقود، مضيفا أنه بينما بقي 2500 جندي امريكي في العراق، فقد تحولت مهمة البنتاغون القتالية ضد داعش في أواخر العام الماضي الى دور “الاستشارة والمساعدة” لدعم الجيش العراقي، مشيرا الى ان هذا الحضور المتواضع امتد الى ما يتعدى المجال العسكري.

وفي الوقت نفسه، فان العراق لم يستقبل سوى زيارتين رفيعتي المستوى من جانب الحكومة الأمريكية في الشهور التي تلت إجراء الانتخابات البرلمانية، في حين أن السفارة الأمريكي المترامية الأطراف بطاقم محدود من العام 2019 عندما أمرت واشنطن جميع الموظفين “غير الطارئين” بمغادرة العراق في ظل تهديدات أمنية.

ونقل التقرير عن مدير العراق السابق في وزارة الدفاع جوناثان لورد، وهو المدير الحالي لبرنامج امن الشرق الاوسط في معهد أبحاث “سي ان ايه اس” قوله ان “انخراط الولايات المتحدة في العملية السياسية العراقية كانت شبه غائبة تماما”.

وتابع التقرير القول ان البعض يعتبر أن الشهور العشرة الماضية منذ الانتخابات، كانت بمثابة فرصة ضائعة للولايات المتحدة التي رحبت بالانتخابات بحذر، وكانت دعمت إدخال تغييرات على قانون يسهل دخول المرشحين المستقلين والإصلاحيين البرلمان.

وبحسب السفير سيليمان، فقد كانت “نتيجة الانتخابات مرضية جدا لواشنطن، حيث رأت الولايات المتحدة في الانتخابات مؤشرا جيدا نسبيا على ان العراق يتجه نحو سياسات مؤسساتية أكثر استقرارا وخلق حكومات أكثر اعتدالا”.

الصدر وواشنطن

الا ان التقرير البريطاني اعتبر ان “هناك القليل من الحب بين الولايات المتحدة والصدر”.

واضاف ان البعض في واشنطن ينظرون اليه على انه خيار محتمل للتصدي لإيران بالرغم من المخاوف بشأن “تعطشه للسلطة وأهدافه لقيام حكم ديني على غرار حكومة ايران الدينية”.

ونقل التقرير عن محلل شؤون العراق في مجموعة الأزمات الدولية لهيب هيجل قوله إن “الولايات المتحدة تنظر الى الصدر على انه قومي متقلب ويتمتع بقاعدة ضخمة. كما ينظر إليه على أنه شخص يمكن توجيهه في اتجاه مفيد للولايات المتحدة، وهو ما حاولت واشنطن القيام به، وستستمر في القيام به”.

ولفت التقرير إلى أن المجال محدود أمام الولايات المتحدة للحوار مع الصدر، إذ بينما يتعامل الصدريون في الحكومة مع المسؤولين الغربيين، إلا أنهم يرفضون التحدث مباشرة إلى الولايات المتحدة، وان الاتصالات بين الطرفين، مهمة متروكة للوسطاء.

الكورد وواشنطن

وذكر التقرير؛ أن المحللين والمسؤولين الأمريكيين السابقين يقولون ان “الجهود السياسية الرئيسية لواشنطن في العراق بعد انتخابات أكتوبر/تشرين الأول، تدور حول محاولة الوساطة في المحادثات بين الحزبين الديمقراطي الكوردستاني والاتحاد الوطني الكوردستاني، من اجل الاتفاق على مرشح توافقي للرئاسة”.

ونقل التقرير ايضا عن مدير مبادرة العراق في معهد “تشاتام هاوس” ريناد منصور قوله إن “موقف الولايات المتحدة المعلن بعد الانتخابات هو انها محايدة ، إلا أن الطريق المفضل للبعض كان يتمثل بالتحالف الثلاثي بين الحزب الديمقراطي الكوردستاني والسنة والصدريين لإخراج الجماعات المتحالفة مع إيران ببطء”.

كما نقل التقرير عن لهيب هيجل قوله “السبب في أننا لم نشهد الكثير من الحديث عن الولايات المتحدة في العملية السياسية في العراق، هو ببساطة لأن ليس لديها دور كبير، ولم ترغب بذلك”.

وبعدما أشار التقرير الى حرب داعش، وتعثر الاقتصاد وتفشي الفقر والفساد وارتفاع تكاليف الغذاء والمعيشة الاخرى وظاهرة الجفاف، وانشغال واشنطن سابقا بالانسحاب من أفغانستان ثم الحرب الاوكرانية، قال إن هذا الوضع الرهيب يعني أن سلسلة الحكومات الضعيفة في العراق، كانت تبحث عن مظاهر لنجاحها في الخارج، مشيرا إلى جهود بغداد بتنظيم الوساطة بين السعودية وإيران، والعمل على التكامل مع الأردن ومصر، ووصف الرئيس جو بايدن لبغداد بأنها أصبحت “منصة للدبلوماسية”.

وتابع أن تركيز الحكومة العراقية على الحملات الدبلوماسية في الخارج، جعلها تبدو كأنها اكثر غفلة ولا تتجاوب بقدر كاف مع حاجات المواطنين العراقيين العاديين، كالذين يحاصرون البرلمان. ونقل عن منصور من “تاشتام هاوس” تساؤله “كما بإمكاننا أن نحتفي بحكومة تأتي فيها النجاحات الرئيسية عندما يذهبون إلى مؤتمرات في الخارج، فيما البلد ينهار؟”.

وختم التقرير بالقول إنه “في هذه الاثناء، فان الازمة السياسية في العراق تتواصل، فيما لا تزال السفارة الامريكية في بغداد فارغة بشكل مرعب”.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here