الملوية والمربع والدائرة!!

قبل سنوات حضرت ندوة عن حضارة بلاد الرافدين وآثارها , فلم تُذكَر الملوية , فنهضت متسائلا: كيف تتحدثون عن الآثار وتغفلون الملوية؟
فضجت القاعة , وكأن التساؤل أيقظ الحاضرين.
وبعد إنتهاء الندوة إقترب مني أستاذ متخصص بآثار العراق في الزمن العباسي , وراح يحدثني عن الملوية , ويأتيني بأدلة وبراهين , وأن الأستاذ الفلاني والفلاني بحثا موضوع الملوية , وإستخلصا أنها تمثل علاقة علمية فلسفية رياضية بين الدائرة والمربع , وأجابت بأسلوب عمراني عن العلاقة المعقدة , فأكدتها وأثبتت أن الدائرة تلد مربعا والمربع يلد دائرة!!
هذه العلاقة بحثها الفلاسفة اليونان ومَن جاء بعدهم , فأعيت العقول المفكرة , وحيَّرت جهابذة العلوم الرياضية.
ويبدو أن قدرات العقل العربي في ذلك العصر بلغت أوجها , فأوجدت الحلول لألغاز وتساؤلات صعبة , بعد أن أصبحت دار الحكمة في بغداد موئلا معرفيا لا يُضاهى , فالعلماء والفلاسفة فيها أعمَلوا عقولهم في المسائل القائمة في عصرهم , ومنها معضلة العلاقة بين المربع والدائرة , وكتعبير عن إدراكهم الصحيح وإكتشافهم أسرار التفاعل بينهما , تمخضت إبداعاتهم عن رمز عمراني (الملوية) , لتكون الشاهد المجسم عن ولادة الدائرة من رحم المربع.
فالشواهد العمرانية مبنية على علوم رياضية وهندسية , بلغت ذروتها في ذلك الزمان , الذي تألقت فيه الدولة العباسية , وفاقت في قدراتها المعرفية أمم الأرض وتسيَّدت عليها.
فكانت فترة ثورة عقلية مطلقة متحررة من قبضة التراب والتصورات المعطلة للتفكير.
ولابد من التعمق في إبراز أسرار هذا الصرح العمراني , الذي يختصر أمهات الأفكار المعرفية والروحية , ولا زلنا ندور حوله ونجهل جوهره ورمزيته الحضارية!!
فأين ملوية وجودنا المعاصر؟!!

د-صادق السامرائي

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here