هل تسيء ظاهرة جمع التبرعات إلى سمعة منظمات المجتمع المدني؟

انتشرت في السنوات الأخيرة ظاهرة «الاستجداء والتسول»، حسب وصف البعض، عبر المنظمات غير الحكومية، حيث مارست بعض المنظمات طريقة «الاستجداء والتسول» من حيث يعلمون أو لا يعلمون مبتعدين عن واجباتهم وأهدافهم التي تأسست من أجلها المنظمة، متخذين منها وسيلة لمساعدة الآخرين من خلال جمع الأموال والمساعدات العينية بطريقة لا تليق بها لأنها شريك مع الدولة في خدمة المجتمع.

ويصف ناشطون هكذا حالات بالسلوك «المعيب وغير الأخلاقي» والذي أساء إلى سمعة منظمات المجتمع المدني، وللحد من هكذا حالات قامت الأمانة العامة لمجلس الوزراء بتعميم كتاب رسمي على جميع محافظات العراق يمنع من خلالها هكذا ممارسات واعتبراها غير قانونية ومخالفة للضوابط.

التبرعات غير قانونية

وتقول مسؤولة منظمة ‹آيسن› لحقوق الإنسان والتنمية المستدامة أنسام سلمان في حديث لـ (باسنيوز)، إن «بعض المنظمات تقوم بجمع التبرعات في الشوارع، وهي بالأصل منظمات مسجلة لأغراض أخرى، وهذه التبرعات تعتبر غير قانونية في بعض الأحيان، حتى البازارات تعتبر نوع من أنواع الاستجداء».

واعتبرت أنسام سلمان، أن «صدور كتاب من الأمانة العامة لمجلس الوزراء بمنع جمع التبرعات من قبل منظمات المجتمع المدني هي التفاتة جيدة بالرغم من أنها جاءت متأخرة».

وتابعت بالقول: «إن كانت المنظمات فعلا تجمع التبرعات لأغراض إنسانية فعليها العمل على ذلك دون إعلانات»، مشيرة إلى أن «هناك تجار ورجال أعمال يثقون بالأشخاص بالنظر لأن أعمالهم وسمعتهم تشهد لهم، مثلاً فريق (هنريك) ومؤسسة (الغد المشرق) وكذلك مؤسسة (هشام الذهبي)، هذه المنظمات الناس تتبرع لها من تلقاء نفسها».

ووصفت مسؤولة منظمة ‹ايسن› هكذا ممارسات بأنها «شيء غير جميل، وقد شوهت عمل منظمات المجتمع المدني والصقت بالمنظمات النزيهة سمعة سيئة نتيجة سوء الاستخدام والفهم والنشر والعمل».

واقترحت أنسام سلمان «تفعيل الدور الرقابي الحكومي على كل المنظمات وكذلك الحد من هذه الظاهرة المعيبة وتخصيص منح بسيطة حكومية للمنظمات المعنية بالإغاثة واستمرار الكشف السنوي على عمل المنظمات وما تنشر بمواقعها».

ويقول الباحث في شؤون منظمات المجتمع المدني الدكتور أركان كيلان في مقال له، إن «ظاهرة الاستجداء والتسول في (المنظمات غير الحكومية) على شكل مجموعات من الشباب نساءً ورجالا، يحملون شهادة تسجيل المنظمة ويرتدون هويات تعريفية لها والبعض منهم يمتلك تخويلا من رئيس المنظمة، متغاضين عن وصولات القبض، يستوقفونك في المناطق والطرق العامة أمام المحال التجارية والمطاعم وحتى الجامعات والتجمعات البشرية، بل البعض ذهب أكثر من ذلك وتسول في المناطق السكنية وطرقوا الأبواب طلباً للمعونة الإنسانية، هي سلوك غير مدني وبعيد عن العمل المنظماتي».

ويقول الباحث، إن «قانون المنظمات غير الحكومية رقم (12) لسنة 2010 في الفصل الرابع المادة (13) حدد موارد المنظمة باشتركات الأعضاء،  التبرعات والمنح والوصايا والهبات والهدايا الداخلية والخارجية، العوائد الناتجة من نشاطات المنظمة ومشاريعها. أي أن القانون لم يذكر وسيلة جمع الأموال كإيراد للمنظمة لغرض تحقيق أهدافها، بل في موضع آخر من القانون نفسه حظر جمع الأموال لدعم المرشحين للمناصب العامة أو تقديم الدعم المادي لهم، إذاً على المنظمات غير الحكومية في العراق التميز بين الاستجداء والتبرع، فلا يوجد سند قانوني لطلب التبرعات المادية والمساعدات العينية وصنفت هذه الأفعال بالاستجداء».

جمع التبرعات يكون في حالات معينة

من جانبها قالت مسؤولة منظمة ‹تولاي› لشؤون الناجيات التركمانيات هيمان رمزي، في حديث لـ (باسنيوز)، إن «جمع التبرعات سواء كانت أموال أو أشياء للدعم الإنساني والإغاثة تكون في حالات معينة كالحروب والنزوح القسري نتيجة الاقتتال الداخلي وعدم استقرار الوضع الأمني داخل المدن المنكوبة، وكذلك تجمع التبرعات أثناء تعرض المدن والبلدان إلى الكوارث الطبيعية كالفيضانات والزلازل وغيرها».

وأشارت رمزي إلى أنه «لا يوجد أي مبرر قانوني لجمع التبرعات، فعلى سبيل المثال جمع التبرعات للحالات المرضية أو لعائلة معينة لا يجوز أبداً، لأننا لا نريد أن نعلم الأشخاص على التقاعس والاعتماد على الآخرين، فهذا تصرف غير أخلاقي».

واقترحت مسؤولة منظمة ‹تولاي› على تلك المنظمات التي تقوم بحملات التبرعات «القيام بحملات توعية لحث المجتمع على مساعدة المحتاجين والتعاطف مع الأيتام لمعالجة وحث الحكومة على توفير ما يحتاجون إليه وليس القيام بحملة تبرعات».

وكانت الأمانة العامة لمجلس الوزراء/ دائرة المنظمات غير الحكومية قد عممت كتبا لجميع المحافظات لرصد ظاهرة جمع التبرعات من قبل بعض (المنظمات غير الحكومية)، بطريق (الاستجداء والتسول) ودعت للحد من انتشار هذه الظاهرة الخطيرة، والتعاون مع دائرة المنظمات غير الحكومية للقضاء على هذه الظاهرة وإبلاغها عن هذه الحالات لغرض اتخاذ الإجراءات القانونية المناسبة لها، وعدم منح كتب للمنظمات من قبل الأجهزة الأمنية والإدارية في المحافظات لتسهيل حركاتها.

ويقول ناشطون في مجال منظمات المجتمع المدني، إن ظاهرة «الاستجداء والتسول» من قبل المنظمات غير الحكومية في العراق تقلل من مكانتها ودورها وشأنها في دعم الدولة وعلى الأصعدة كافة، لذا يجب على المنظمات الابتعاد عن هذه الظواهر السلبية والتميز بين الاستجداء والتبرع لكي لا تفقد حواضنها الاجتماعية.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here