الرجعيون أصبحوا هم التقدميون..!!

حامد شهاب

من مفارقات القدر أن من كنا نتهمهم في الستينات والسبعينات ، وحتى الى مابعدها بسنوات ، بأنهم رجعيون صاروا الآن هم التقدميون، وهم من بنوا أنظمة قوية وعمارات شاهقة وحققوا لبلدانهم مالم تحلم به الأجيال عبر قرون!!

كنا أيام الشباب نردد مثل الببغاء حين نصبح وحين نمسي : موتي يارجعية، وهم الذين أحيوا شعوبهم وأعلوا شأنها ومقامها ، بينما شعوبنا ماتت وتتحسر على رغيف خبز مغمس بالكرامة !!

الرجعيون بنوا لشعوبهم قلاعا من المدن العامرة، وهم الآن يتنعمون بخيرات الدنيا ومباهجها، ونحن التقدميون ، أحلنا بلدنا الى أنقاض وخراب وقتل وتدمير ، وتحولت بلداننا بفضل معارك الطائفية والصراع على مغانم السلطة وكراسيها الى ماكانت عليه أحوالهم في القرون الوسطى!!

الرجعيون أصبح من حقهم أن يتزوجوا أربعة من حلال الله، ويعاشرون جميلات الدنيا وهي تبسط لهم مقام حلهم وترحالهم ، ولهم أموال بمئات الملايين وحتى المليارات من الدولارات في البنوك والتجارة ، ونحن التقدميون لم تعد نملك الدينار الا بشق الأنفس، وراح الكثيرون من فقرائنا يعيش على الإستجداء لتقضية بقية أيام حياته في هذه الدنيا!!

الرجعيون ، رفهوا شعوبهم بمباهج الدنيا وزينتها، وفقراؤنا يعتاشون على المزابل، لسد جوعهم ، وهم في أسفل مراتب الدنيا في العيش وضياع الكرامة!!

الرجعيون أصبحت تحترمهم الدول وتستبقلهم بالأحضان ، وصرنا نحن التقدميون مثل حيوان أجرب، تحل عليه اللعنة أينما حل أو جاب مدن الدنيا!!

الرجعيون بنوا مدارس علم وجامعات محترمة ، ونحن نزلنا بمدارسنا وجامعاتنا الى أسفل السافلين، وصار المتعلم ومن تخرج من الجامعات يتمنى لو بقي أميا ، لم يتعلم من القراءة الخلدونية دار دور ، لانه بقي بلا دار وشعبه بلا دور!!

كم كنا نظلم أنفسنا وشعبنا بوصفنا الآخرين بالرجعية ، والقاء مختلف التهم التي تقلل من شأنهم وتحط من أقدارهم، وهم الذين تحولوا من عصر البعران والتخلف والصحارى الى ما يعز رأس كل عربي، بتلك الأبراج والعمارات الشاهقة التي هي أشبه اليوم بناطحات سحاب الغرب التي بنوها قبل عقود من الزمان!!

الرجعيون صاروا من هم من يتدخلون في شؤوننا ونحن نتوسل بهم لمد العون لبلداننا ، بعد أن كنا نحن نتدخل في شؤونهم، ولا نقيم لهم وزنا ولا قيمة، يوم كانت حسابات الثورية المزيفة الخادعة هي من ورطتنا في رفع تلك الشعارات التي عادت على بلداننا وشعوبنا بالويل والثبور وضياع مستقبل أجيالنا، التي هدر دمها بين القبائل!!

ما أحوجنا نحن التقدميون الى إعادة صياغة مفاهيم الرجعية والتقدمية، ونكف عن كيل التهم جزافا على الآخرين، ونحن ممن أصبحنا على هامش التاريخ، والرجعيون يتقدمون ويبنون معالم التقدم والنهوض والكرامة ، وتحسدهم مدن الدنيا على ما بنوه وأشادوه من معالم تقدم عمراني وعلمي شامخ ، ونحن هدمنا بقية ما بنيناه عبر قرون!!

أخيرا إقتنع التقدميون بأنهم لم يكونوا بتقييمهم منصفين مع الآخرين، وهم من تنصب الآن عليهم لعنات شعوبهم، بينما شعوب الرجعيين تتفاخر بين شعوب العالم بأنهم الأكثر غنا وتقدما ونهوضا ورفاهية ، وهم يستحقون كل تلك المفاخر التي بنوها عن جدارة!!

الرجعيون رفضوا الدخول في مزايدات حروب لاتبقي ولا تذر، ونحن لم نكف عن تجييش الجيوش ، لندخل حربا ونخرج من أخرى ، وشعوبنا تتدحرج في أحوالها نحو هاوية سحيقة وكوارث لها أول وليس لها آخر!!

حقنا كنا نحن الرجعيون ، في أفكارنا ورؤانا.. وهم التقدميون.. وحقائق التاريخ القريب أثبتت بطلان إتهامنا للأخرين بأوصاف لاتليق بهم، ونحن أبقينا شعوبنا في الدرك الأسفل من مراتب القيم ، ولم تحصل ملايين الفقراء التي إفترشت مدن الدنيا ، بعد أن ضاقت بها الأحوال الأرض على قوتها الا بشق الأنفس، وأصبحت الكرامة طعما إفتقدوه منذ عقود ، وتجرعوا من كؤوس التقدميين مرارة الحنظل وضنك الحياة ومرارة العيش الآدمي المنحط في قعرها النتن وأحوالها التي لاتطاق!!

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here