تطور الوساطات

بقلم ( كامل سلمان )

حدثني أحدهم عن قصة حدثت له في العام ١٩٧٨ م وتكرار تلك القصة لأبنه في العام ٢٠٢٢ م اي بعد ٤٤ عام . يقول كنت شابا تخرجت من المرحلة الاعدادية بمعدل جيد وبالصدفة سمعت من خلال احد الاقارب بتوفر بعثة دراسية للدراسة خارج القطر ، وان جميع الشروط المطلوبة متوفرة عندي وكل ما أحتاجه واسطة صغيرة ثم تتم الامور على خير ، وكان خبر البعثة الدراسية قد تم نشره في الصحف المحلية ووسائل الاعلام انذاك … في اليوم التالي جهزت اوراقي والوثائق المطلوبة وضغطت كثيرا على عائلتي لإيجاد واسطة ، وبالفعل كان لوالدي علاقة طيبة مع احد كبار المسؤولين الحزبين في منطقتنا وكان ذلك الرفيق الحزبي مديرا لأحدى الاعداديات ، ذهبنا الى بيته ، استقبلنا ذلك الرفيق الاستاذ بحفاوة كبيرة ثم عرض عليه والدي حاجتنا الى الواسطة لإتمام القبول في البعثة الدراسية ، فقال الرفيق الحزبي ان شاء الله خير وسأسعى معكم بكل ما أستطيع فعله ، يقول صاحب القصة بعد يومين استدعاني الرفيق مع الوثائق الرسمية للذهاب الى شخص يستطيع مساعدتي ، وبالفعل ذهبنا الى دائرة البعثات في منطقة الباب المعظم وعند الاستعلامات ، طلب الرفيق من مسؤول الاستعلامات مقابلة معاون مدير الدائرة وترك اسمه ، فقال لنا موظف الاستعلامات تفضلوا استريحوا وسانقل طلبكم الى سكرتير معاون مدير دائرة البعثات . وبالفعل لم تمضي سوى دقائق استدعانا سكرتير المعاون للقاء السيد المعاون ، وعند الدخول تعانق رفيقنا مع المعاون ، فتبين انهما كانوا اصدقاء منذ المرحلة الاعدادية فقام الرفيق الحزبي بطرح قضيتي على السيد المعاون طالبا منه المساعدة على قبول انضمامي للبعثة ، فأجابه المعاون بأنه يستطيع مساعدتي فقط بطرح اسمي ضمن الاسماء المرشحة للقبول ويبقى ان أجتاز الاختبارات امام لجنة معينة من ديوان وزارة التعليم العالي وعندها من المؤكد سيكون قبولي في البعثة الدراسية محل ترحاب إذا أستطعت أثبات امكانياتي ، ثم اردف يقول ، اكثر من هذا لا استطيع فعل شيء ، . .
الخبر بالنسبة لي كان مفرحا جدا لأنني واثق من قدراتي في اجتياز الاختبارات ، شكرنا السيد المعاون وخرجنا مودعين بترحاب كبير ، وعند وصولنا الى البيت طلبت من والدي بتقديم هدية دسمة الى الرفيق الحزبي ، وبالفعل خرجنا مباشرة انا ووالدي الى ( الجوبة ) وهو مكان بيع الاغنام واشترى والدي خروفا بكامل المواصفات القياسية ثم اصطحبنا الخروف معنا الى بيت الرفيق الحزبي وطرقنا الباب فخرجت زوجة الرفيق فرحبت بنا ، فأخبرتنا عن عدم وجود زوجها في البيت ، اعطيناها الخروف بعد ان ربطناه داخل البيت واخبرناها بأنه هدية من بيت ( ابو فلان ) وعدنا مسرعين الى البيت ، وفي المساء طرق احدهم باب بيتنا فخرج إليه والدي فإذا هو الرفيق الحزبي ومعه الخروف ، فقال لوالدي هل هذا هو خروفك ؟ فأجاب والدي بنعم ، ثم قال لوالدي تأكد منه بأنه نفس الخروف بدون نقص يصبه ، واعطني عشرة فلوس قيمة العلف الذي اشتريته لخروفك خلال وجوده في ضيافتنا طوال النهار ثم شكر والدي وقال لنا نحن هنا لبناء بلد ولسنا هنا لتخريب بلد ..
بعد ٤٤ عام طلب مني ابني خريج الدراسة الهندسية بأيجاد واسطة للتعيين ، ذهبنا الى بيت السيد ( ؟ ) لعله يساعدنا في ايجاد فرصة عمل ، وكان هذا السيد المنتمي لأحد الاحزاب السياسية كان زميل لي ايام الدراسة الاعدادية ولكنه ترك الدراسة بسبب انتماءه لذلك الحزب المحظور انذاك ، وعندما حدثته عن حاجتي لتعيين ابني ، فبعد ان رحب بنا وتذكرنا فلان وفلان وذكريات ايام زمان ، قال السيد لا يمكن ان اتركك خالي اليدين بزيارتك لي سأعمل بجد على قبول ابنك بوظيفة محترمة ولكن انت تعلم كل شيء اليوم يعتمد على مبلغ الدفع ، واظن ان مبلغ ٢٠ الف دولار او ( دفترين ) كما يسمونه بالعراقي ستساعده اي أبنك على كسب وظيفة محترمة تدر عليه وعلى عائلته اموال طائلة ويمكن ان ( يطگ ) مفردة عراقية بمعنى تتحسن احواله ، خلال سنة ثم قال لي انت انسان طيب تستاهل المساعدة . صاحبي هذا تحدث معي ونقل لي هذه المفارقات الزمنية الغريبة بحسرة وألم فقال رجعت الى البيت منكسرا متأملًا من الله ان يجعل لنا مخرجا فقد ضاقت بنا الدنيا و بالبسطاء من امثالي ولم يبقى لنا و لهم الا معجزة من رب العالمين .

[email protected]

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here