بمناسبة الاعتصامات العراقية: التفرقة والاختلاف في القرآن الكريم (ح 4)

الدكتور فاضل حسن شريف

نهى الله سبحانه عن التفرق والاختلاف، بل على الفرقاء الذهاب الى كتاب الله والعروة الوثقى لحل الخلاف “وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا” (ال عمران 103). عدم التفرقة هي شريعة الرسل اوصياء الله من نوح عليه السلام “شَرَعَ لَكُمْ مِنْ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ” (الشورى 13).

الافتراق في اللغة المقاطعة. وقد بين الرسل مضار التفرق وتعليم اقوامهم بذلك “وَمَا تَفَرَّقُوا إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ” (الشورى 14). جاء في القرآن الكريم رفض القطيعة، وان كل حزب يدعي صحة اعتقاده ورأي مخاليفيه باطل كما قال الله تعالى “فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُراً كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ” (المؤمنون 53).

المؤمن لا ينازع اخاه المؤمن انما يدعو له بالغفران “رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ” (الحشر 10). والامة التي يتشاحن فيها الفرقاء ليست هي خير الامم كما قال الله جل جلاله “كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ” (ال عمران 110).

جاء في موقع فرنسا 24: وفي ظل عدم التوصل لاتفاق لتشكيل حكومة وتعيين رئيس وزراء شيعي الطائفة الأغلبية في البلاد، ما زال الخلاف مستمرا بين قطبين شيعيين متصارعين في ظل إصرار كل منهما على حكم البلاد. من جهة، رجل الدين القومي الشيعي النافذ مقتدى الصدر، الذي حصل على أكبر عدد من المقاعد في الانتخابات التشريعية والذي كان يريد فرض مرشحه لتولي رئاسة الوزراء بعد أن شكل تحالفا مع طوائف أخرى. وفي الجهة الثانية، الإطار التنسيقي الذي يضم عدة أحزاب بينها حزب رئيس الوزراء السابق نوري المالكي وآخر وهو تحالف الفتح. ويطالب التيار الصدري، وسط استمرار اعتصام أنصار قائده منذ أسبوعين في محيط البرلمان، بحل مجلس النواب وإجراء انتخابات تشريعية مبكرة. في حين يطالب خصوم مقتدى الصدر، الذين قبلوا في البداية إجراء انتخابات مبكرة بشروط، بـ”تشكيل حكومة” قبل اتخاذ أي قرار. حتى أنهم قدموا مرشحا لتولي المنصب في أواخر تموز/ يوليو وهو محمد شياع السوداني. ولفهم رهانات هذه الأزمة السياسية الجديدة في العراق، تقدم فرانس24 نبذة عن أهم القيادات الشيعية التي تعد طرفا في الأزمة. رجل الدين والزعيم السياسي مقتدى الصدر هو ابن آية الله محمد صادق الصدر الذي يحظى بتقدير واسع باعتباره بطل الكفاح الشيعي والذي اغتاله صدام حسين سنة 1999. وبحكم حصوله على 73 مقعدا في البرلمان في آخر انتخابات تشريعية، فإن مقتدى الصدر يعد بمثابة صانع الملوك في العراق. ففوز الصدر بأكبر عدد من المقاعد البرلمانية جعله يطمح لفرض حكومة أغلبية وتقديم مرشحه لتولي رئاسة الوزراء بعد نجاحه في تشكيل تحالف مع أحزاب العزم والتقدم السنية والحزب الديمقراطي الكردستاني بقيادة مسعود بارزاني، لكن محاولاته باءت بالفشل. يقدم الصدر نفسه في المعارضة، راسما لنفسه صورة لخصم النخبة السياسية، لكنه في نفس الوقت في قلب السلطة، بيديه تشكيل الحكومات أو إسقاطها. وبسبب مواقفه الشعبوية، نجح في تثبيت نفسه القوة السياسية الأولى في العراق خلال الاقتراع الأخير. مستفيدا من قاعدة أنصار ترى فيه بطل القومية العراقية، يبدو أن الصدر المتهم من منتقديه بتقلب مواقفه السياسية لا ينوي تسليم السلطة لخصومه في طائفته الشيعية. حيث يطالب الصدر خصومه الشيعة بقبول حل البرلمان ومواجهته مرة أخرى عبر صناديق الاقتراع في انتخابات مبكرة. وفي دليل على قدرته على تحريك الحشود، طلب الصدر من نوابه في البرلمان تقديم استقالتهم فاسحا المجال أمام خصومه لتشكيل حكومة. لكنه قرر فيما بعد، في 30 تموز/ يوليو، إرسال أنصاره لاقتحام البرلمان حيث احتلوا مقره لمدة أسبوع قبل أن يبدأوا اعتصاما في حدائقه وفي محيطه احتجاجا على ترشيح محمد شياع السوداني لرئاسة الوزراء.

ويستمر موقع فرنسا 24 في تقريره: في تأكيد للنفوذ الذي يملكه هادي العامري (68 عاما) يتفق الخبراء على أن حل الأزمة السياسية في العراق أو دخوله في حرب أهلية رهين رغبته، وهو ما ينطبق أيضا على خصمه الشيعي الرئيسي مقتدى الصدر. وتعد سنة 2014 عام التحول الكبير للعامري الذي شغل سابقا منصب وزير المواصلات. ففي تلك السنة، كلفه رئيس الوزراء نوري المالكي بالإشراف على المعركة ضد التنظيم في شرق البلاد. ما جعله يكسب، بمرور السنوات، دورا محوريا في المشهد السياسي العراقي. خلال الانتخابات التشريعية التي جرت في أيار/ مايو ، فاز تحالف الفتح بـ48 من أصل 329 مقعدا في مجلس النواب العراقي. وهي نتيجة جيدة جعلت منه القوة السياسية الثانية في البلاد بعد التيار الصدري. وفي حزيران/ يونيو 2018، شكل العامري تحالفات سريعة لتشكيل حكومة. لم يحصل تحالف الفتح سوى على 17 مقعدا. ورغم هذه الهزيمة الكبيرة، احتج الهادي العامري على النتائج في الشارع وأمام القضاء ويرفض، إلى حد الآن، تسليم السلطة للتيار الصدري. في عمر 72 عاما، لم ييأس رئيس الوزراء السابق نوري المالكي من إمكان أخذ ثأره السياسي. ففي سنة 2014، اضطر المالكي للتخلي عن السلطة. ويتهمه منتقديه وهم كثر بأنه أغرق البلاد في الفوضى طيلة ثمانية أعوام قضاها في المنصب. ورغم ابتعاده عن السلطة، يبقى قريبا من أوساط الحكم، ويحافظ المالكي على تأثيره داخل الساحة الشيعية بفضل تحالفه مع هادي العامري. وتمت إعادة انتخابه نائبا بالبرلمان في 2021، ويعد أحد الرؤوس المدبرة في الإطار التنسيقي وأحد الأطراف الرئيسية في الصراع ضد التيار الصدري. محمد شياع السوداني هو سياسي مخضرم حيث تولى في السابق إدارة محافظة ميسان (جنوب) وانتخب نائبا لثلاث دورات وتولى عدة مناصب وزارية (بينها بالخصوص وزارة الشؤون الاجتماعية بين 2014 و2018). في عمر 52 عاما، يمكن أن تأخذ مسيرة السوداني منعرجا جديدا بحكم أنه مرشح الإطار التنسيقي، الذي يضم فصائل شيعية مقربة من إيران، لتولي منصب رئاسة الوزراء في مواجهة معارضة شديدة من التيار الصدري. وكان محمد شياع السوداني قد غادر الائتلاف البرلماني لنوري المالكي المقرب منه سنة 2019، وذلك عندما تم تداول اسمه لترأس الحكومة بدون أن ينجح في الحصول على المنصب. حيث قوبل تداول اسمه برفض فوري من الحركة الاحتجاجية الشعبية المتأججة في تلك الفترة.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here