قتل الشعوب او إحياء الشعوب

بقلم ( كامل سلمان )

في عصرنا الحالي ونتيجة تطور العقل البشري وتطور العلوم الطبيعية والإنسانية وخاصة علم النفس الذي تفرع لمجالات الحياة كلها ، أصبح الحاكم القوي او القائد الذي يملك أذرع مسلحة ووسائل اعلامية فعالة وسطوة نفسية وقوى أمنية عنيفة بالإضافة الى قوة استخباراتية واسعة بإمكانه تحويل شعب كامل الى حيوانات مطيعة من خلال التجويع والترهيب والحصار الفكري والثقافي والدموية والتجهيل ، وطبعا يستطيع ذلك من خلال استغلال جيل الشباب العاطل عن العمل ، ولنا امثلة كثيرة على ارض الواقع على مستوى دول وعلى مستوى تجمعات ، فالشاب الجاهل الجائع تصنع منه حيوان مفترس كما تشاء … بنفس الوقت وبنفس القدرة ولكن بالاتجاه المعاكس يمكن للشعب ان يزيل اعظم حاكم مهما بلغت امكانياته وقدراته في تسونامي شعبي لا يبقي ولا يذر عندما يقرر الشعب قراره .. متى يحدث هذا ومتى يحدث ذاك اي متى يستسلم الشعب للحاكم ومتى يرفض الشعب الحاكم والحالتين فعلا قد حدثتا على ارض الواقع في اماكن مختلفة من كوكب الارض ، فعلا قد استطاع حكام وقادة استعباد شعوبهم وتسخيرهم بما يشتهون وفعلا حدث العكس في اماكن اخرى من العالم اي ان الشعوب ازاحت حكامها بما يملكون من قوة الى مزابل التأريخ ، الشعوب ازاحت أعتى الحكومات الظالمة … ربما هذا الكلام يبعث في النفس الألم ان ترى شعوبا تستطيع ان تقرر مصيرها وبنفس الوقت ترى شعوبا مثل شعوبنا يقرر مصيرها حاكم او قائد معتوه دون ان تستطيع شعوبنا من ان تحرك ساكنا بالرغم من ان المثقفين والثوريين يدعون ليلا ونهارا بعدم الرضوخ والاستسلام لما يمليه عليهم القادة ولكن لا نتيجة ترجى ، هذا موضوع جدير بالدراسة والاهتمام ، خاصة ونحن نرى شعوبا لم تعاني معشار ما عانت منه شعوبنا ولكنها انتفضت وثارت وقلبت الدنيا بينما شعوبنا وصلت درجة الخنوع والخضوع القاتل وهي تصرخ للقائد بالروح بالدم نفديك يا … وأصبحت كالكلاب المطيعة . . هل الفرق بالشعوب اي بمعنى هل هناك شعوبا ترضى بالذلة وهناك شعوبا تأبى الذلة ، او ان الفرق في الوعي والثقافة عند الطرفين او ان دور المثقف يختلف عند الطرفين … دعونا نعترف صراحة نحن شعب ثوري نقلب الدنيا عندما يكون الحاكم ضعيف خادم لشعبه ، وطبعا ثوريتنا تأتي دائما بتحريض من خارج الحدود ، وايضا نحن أكثر شعوب العالم تقبلا للذلة والاستعباد عندما يكون الحاكم دمويا قاسيا ، وعندما نرضى بالذلة لا نكتفي بها بل ان مثقفينا وكتابنا يعطونها ( اي الذلة ) صبغة جمالية وانتماء عقائدي وحتى لمفهوم الخيانة عندنا مثقفين و كتاب يجملونها ويكتبون عنها أحسن الكلام ، في الوقت الذي يدعوا فيها الثوريون الى الفوضى دون دراسة وفهم واستيعاب للواقع اي ان الثوريين ثقافتهم تحريضية فقط ، بمعنى أخر الخلل متجذر من عدة نواحي ، الناحية الاولى هي الذلة التي رافقتنا منذ مئات والاف السنين بحيث تعود الحكام ان يذلوننا ويهينوننا لكي يحكموننا ويثبتوا حكمهم ، لكي يصبحوا قادة تأريخين على رؤوسنا وهذا اصبح معروفا لكل قائد او حاكم او حتى زعيم عصابة. والسبب لماذا يستطيع الحاكم اذلالنا ؟ لأننا شعوب مختلفة متناقضة عاشت سوية على ارض واحدة فلا يمكن ان نتوحد او نعيش نفس الشعور لكي يدافع بعضنا عن الأخر او يتحسس احدنا ألم الأخر .. الناحية الثانية ، نوعية مثقفينا تبحث عن الشهرة وعن نيل المكانة المرموقة والحقيقة ان مثقفينا ومفكرينا يستطيعون رسم الهدف وتشخيص الوجع ولكنهم يفتقرون الى الاسلوب الصحيح لمعالجة الخلل ، وهذا يعني نوعية المثقف عندنا نوعية فاشلة بكل جدارة . الناحية الثالثة ، سيطرة الفكر الديني والمذهبي والفكر العشائري والقومي على عقول الناس منذ مئات السنين دون ان يكون للفكر والثقافة الوطنية اي وجود في أذهان الناس . يقولون نحن مجتمع عاطفي والعاطفة تثبط العزيمة ، هذا كلام غير دقيق ، فكل الشعوب هي شعوب عاطفية بل وكل الكائنات الحية لها عواطف ولكن عندما تكون العاطفة ممزوجة بالخوف العميق تصبح هذه العاطفة كارثة على اصحابها وهذا هو الذي موجود عندنا . الناحية الرابعة ، دائما هناك اختلاف في الاهداف عند طبقات المجتمع وهذا نابع من عدم ثقة بعضنا ببعض فمثلا في ثورة تشرين انقسم الثوار الى من يطالب بتغير الحكومة والنظام المحاصصاتي شلع قلع ومنهم من طالب بتغير رئيس الحكومة فقط ومنهم من طالب ازاحة قسم والابقاء على قسم اخر ومنهم من رفع الشعارات الدينية متناسيا الشعارات الوطنية ، ومنهم من اراد ان تبقى ثورة سلمية ومنهم من اراد ان تصبح ثورة مسلحة ، فأصبحت عشرات الثورات المتناقضة بالشكل وبالاهداف في ثورة واحدة .. كل هذه التناقضات والعقد غير موجودة عند الشعوب الاخرى ، الشعوب الاخرى يخرج مثقفيها ويشيرون بأصابعهم على نقاط الظلم والخلل والناس تشعر بهذه النقاط التي تضرب بصميم اعماقهم فمع نجاح المثقف او المفكر في وضع الاصبع على الجرح وشعور الناس بهذا الجرح دون وجود انتماءات مسبقة تنتفض الشعوب وتنجح في انتفاضتها ، وهذا لا يعني اننا شعب جبان وهؤلاء شعوب شجاعة بل العكس ان شعبنا اكثر شعوب الارض استعدادا للتضحية ولكن للأسف أرضيته رخوة ، ولا يمكن في يوم من الايام ان نصبح مثل أكثر شعوب الارض التي تستطيع ان تقرر مصيرها بنفسها ، فكل ثوراتنا عبارة عن انقلابات وتدخلات اجنبية ، وفي تأريخنا حكمتنا مئات الحكومات الجائرة ولا توجد حكومة واحدة اسقطها الشعب وايضا لا توجد حكومة أستقدمها الشعب وهذا يعني الرهان على المد الشعبي والتغيير الشعبي رهان خاسر وهو في المهد ، وان حدث ذلك فستتبعه فوضى عارمة تكون نتائجها أسوأ من ذي قبل. والحكام والقوى الحاكمة وقادة الحركات والكيانات والاحزاب يدركون هذه الحقيقة ويدركون ايضا هناك طيف واسع من الشعب مستفيد من وجودهم ومستعد للتضحية من اجل استمرارهم . . هذا الكلام لا يوحي لليأس كما يظن البعض بل هذا تشخيص دقيق يبحث عن العلاج ، والعلاج الوحيد هو وجود مفكرين ومثقفين من العيار الثقيل يكونون قادرين على أحياء نفوس الناس بعد موتها و التي توارثت الموت . وللأسف المفكرين والمثقفين المحرضين للأستسلام متوفرين بكثرة وهم الصبغة الطاغية على اللون الموجود في بلدنا وارضنا أما مفكري الصنف الحر ومثقفي الحرية فهذا النوع من المثقفين اصبح نادر في ديارنا ومحرم زراعته في مجتمعاتنا ومحرم تواجده بيننا لأنه سيخالف عاداتنا وتقاليدنا وهذا خط أحمر .!!!!

[email protected]

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here