منع فنانتين لبنانيتين من الغناء في سوريا يثير جدلاً… نقابة الفنانين تبرر القرار بـ”حماية الذوق العام”

دمشق-طارق علي

الفنانتان اللتان يستهدفهما القرارحفلة لإحدى المغنيات في سوريا

“كل الصفحات التي تنشر أخباراً زائفة على لساني ليس لي أي علاقة بها وسيتم ملاحقتها قضائياً، أما بالنسبة لتصريحات نقابة الفنانين، فأنا موجودة واحترم كل القرارات التي سوف تصدر … ولا يمكن لأحد أن يشكك بمدى محبتي وعشقي للجمهور السوري … وانتظرونا قريباً بشرح مفصل خلال الأيام المقبلة”.
بهذه الجمل ردت الفنانة اللبنانية ريم السواس على قرار نقابة الفنانين السوريين منعها من الغناء في سوريا وإلغاء حفلتها المزمع تنظيمها في حلب قريباً.
شمل قرار المنع من الغناء، مغنية أخرى اسمها سارة زكريا إثر تلقي نقابة الفنانين العديد من الشكاوى عن فنانين يستخدمون ألفاظاً نابية وكلاماً مسيئاً وخادشاً للحياء على المسارح في سوريا، وفق ما أفاد مصدر في النقابة “النهار العربي”، وقال إن النقابة كانت مضطرة لاتخاذ إجراءات عملية وفورية لوضع حد لهذه الظاهرة.

نقيب الفنانين محسن غازي قال بدوره إنّ نقابته ستوقف أي فنان يستخدم ألفاظاً نابية أو طائفية وغيرها خلال الغناء في سوريا وسيتم اتخاذ خطوات تأديبية بحقه.
وأضاف أنّ نقابته ستكون معنية بإلزام المغنين بتوقيع تعهدات بعدم استخدام تلك الألفاظ، مع حذفهم لكل مقاطعهم السابقة والمخلّة بالآداب اللفظية عن مواقع التواصل الاجتماعي، مؤكداً أن سوريا بلد الفن الأصيل والراقي.
وكانت النقابة قد ألغت حفلاً غنائياً لريم السواس في حلب بعد أن بيعت معظم بطاقاته بحسب ما علم “النهار العربي”، خصوصاً أنّ النقابة لم تمنح مسبقاً إذناً لإقامة هذا الحفل.
بدوره أبدى نائب نقيب الفنانين السوريين، الموسيقار هادي بقدونس، دهشته واستغرابه من المغنية التي يحضر حفلتها أكثر من خمسة آلاف شخص ليستمعوا للشتائم و”المسبّات”.
وكانت الفنانتان سجلتا سابقةً في أعداد حضورهما الجماهيري الواسع وأسعار بطاقات حفلاتهما التي تجاوزت في بعض الأحيان مبلغ 200 ألف ليرة سورية للبطاقة ورغم ذلك تنفد البطاقات سريعاً ويصبح الحجز صعباً، ليتهم بعض الجمهور رواد تلك الحفلات بأمراء الحرب الذين يملكون القدرة على دفع مثل هذه المبالغ مقابل حفلات تقوم بمجملها على الأغاني التي تحتوي شتائم وعبارات خادشه للحياء.

“من يملك في هذه الأيام نحو مئتين أو ثلاثمئة ألف ليرة ليحضر حفلة لمغنية الله أعلم من أين جاءتنا، سوى أولئك الذين غنموا من الحرب أموالاً لا يعرفون كيف يصرفونها”، يقول الشاب الياس مستهجناً، ويؤكد كلامه منصور وهو طالب جامعي “لو جاء زياد الرحباني ليحيي حفلة في سوريا، هل ستكون الحفلة بمئتي ألف ليرة؟، قطعاً لا، ولكن العتب ليس على المغنية وسعر بطاقتها، بل على الجمهور الذي يدفع من دون أن يفكر، وعلى تلك الطبقة تحديداً التي عاجلتنا الحرب بها على حين غفلة”.
“نقابة الفنانين السوريين” كانت قد أصدرت مطلع عام 2021، تعميماً وجهته إلى “المرابع السياحية” نبهت فيه من استخدام الكلمات النابية في الأغاني.
وجاء في التعميم الذي وقعه “نقيب الفنانين” السابق زهير رمضان، أنه لوحظ استخدام عدد من المغنين في بعض المرابع ألفاظاً نابية ومسيئة للذوق العام أثناء غنائهم على المسرح إضافة إلى استخدام بعض الألفاظ الطائفية، مشيراً إلى أنه إذا ضبطت أي واقعة فستمنع النقابة المسيء من مزاولة المهنة وستُتخذ كل الإجراءات القانونية بحقه بما في ذلك الملاحقة القضائية. إلا أنّ ذلك التعميم بقي حبراً على ورق والدليل الحفلات التي ما زالت تقام حتى قرار النقابة الأخير، فهل تنجح النقابة في مكافحة تلك الظاهرة، أم سيكون مصيرها مصير حرب النقابة في مصر على أغاني المهرجانات؟.
أثار المنع جدلاً واسعاً في سوريا بين مختلف فئات المجتمع، ليدخل على الخط فنانون أبرزهم أيمن زيدان الذي أوضح أنّ لا نية لديه في التدخل بالسجال الحاصل إثر قرار المنع الذي جاء بحجة تردي السوية الفنية وبذاءة كلمات الأغاني. وقال زيدان: “أريد أن أتوقف عند أمرٍ أراه مهماً … إذا كانت الغاية من قرارات المنع هي رفع سوية الذائقة العامة فإن ثقافة المنع ليست هي الحل الأمثل بل الحل في خلق أغنية سورية حقيقية تستقطب رواداً وتتمكن من تحجيم هذه الرداءة … ما يحدث في الفن حتى في أرقى المجتمعات هو التنوع الهائل بين الغث والثمين ولا أحد في تلك المجتمعات رأى أن قرارات المنع هي الحل … أعود وأؤكد أن الحل الأمثل برأيي هو الإسهام في صناعة فن راقٍ يمكن له يوماً أن يزيح الرداءة أو على الأقل يحد من سطوتها … وطبعاً في مجتمعاتنا للأسف سيظل هذا حلم صعب المنال”. وختم زيدان بملاحظة عابرة: “من الطبيعي أن تستوقفنا بذاءة هذه الاغاني ولكن أليس الأمر الأخطر ألا يستوقفنا عدد الرواد الهائل الذين يحتفون بها…؟”.

زين، طالب دراسات عليا علّق على كلام زيدان قائلاً: “برأيي أن ما يقوله هو نوع من النهي عن المنكر الفني لو صح التعبير، ولكن الباطل إذا انتشر لا بد من أن تأتي يد تمنعه ريثما يكون هناك بديل صالح قبل أن يستفحل المرض”. أما الجامعي معاذ ادريس، فيعقب قائلاً: “واضح أن الأستاذ أيمن لم يطّلع على مدى انتشار الفيديو الخاص بهذه المغنية والذي تقلده “كل” فنانات الوطن العربي على “تيك توك”. اختلف معه وأقول له أنّ الكي هو الحل، لكن جمهور هذا الفن الساقط هو نتاج طبيعي لحرب بشعة تعرضت لها بلدي طحنت المجتمع والاقتصاد والأخلاق”.
من جهته، يرفض المحامي مؤمن شلفون في حديث لـ”النهار العربي” أمر المنع بصيغته المباشرة مستدلاً بأنّه في نهائي دوري أبطال اوروبا الأخير، قدمت الحفل مغنية تعتبر صاحبة إيحاءات جنسية كثيرة، “أنا أرفض التكبر وإهانة الذوق الفني للناس، مهما بدا لنا مبتذلاً ورخيصاً، وأرفض بالضرورة الوصاية الأخلاقية عليهم”.
ومثل موقف شلفون جاء رأي المهندس إبراهيم سلمان الذي أكد الى “النهار العربي” أنّ الغرب لديه الكثير من هذه الحالات التي لم تحاكم يوماً بجرم إفساد الأجيال، أما ريم السواس، فقد منعت من الغناء في سوريا في عصر الإنترنت وثورة المعلومات. وقال: “إلى متى سيؤيد الناس ثقافة الإلغاء التي أوصلتنا إلى ما نحن عليه؟”.

وكانت كل من ريم السواس وسارة زكريا، من أولى ضحايا قرار المنع هذا، ليفلت من العقاب مغنيات سبقنهنّ وأحدثت حفلاتهنّ مشاكل في الفترة الماضية، ولكن يجدر السؤال هنا، هل هذا القرار يحمي الفن في سوريا حقاً؟ وهل يحمي المجتمع من الابتذال؟ وما هو البديل؟ أين الفن الملتزم في سوريا اليوم والذي تستطيع النقابة مواجهة المجتمع من خلاله؟.
نعلم أن كل الجهات الملتزمة في سوريا عاجزة عن ملء نصف مركز ثقافي واحد لتقدم فناً ملتزماً قياساً بحفلات يحضرها الآلاف لتلك المغنيات، وفي حال نجحت الجهات المعنية فأين الأغنية السورية اليوم؟ أين هويتها وكيانها؟، ماذا بعد صباح فخري وميادة بسيليس؟ آخر الراحلين عن الجسد الفني السوري. أين جماهيرية من تبقى؟ أسئلة تكاد لا تنتهي وتبرز بمجملها عجز النقابة عن الرد. الأمر بكلّه لا يتعلق بقرار منع وثورة آنية، بل يتعلق بإعداد أجيال وأفكار ونظرات مستقبلية لشكل الفن الذي كان يوماً رائداً في العالم العربي.
ويبقى سؤال أخير … هل ينجح قرار النقابة في عصر السوشيال ميديا الذي سيدخل الفنانتين الممنوعتين عنوةً إلى شاشة هاتف من منعهما؟.
المصدر: النهار العربي
تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here