رزقني الله و اثراني : قصة قصيرة

رزقني الله و اثراني : قصة قصيرة

بقلم مهدي قاسم

يقول بطل قصتنا وهو يحكي قصته العجيبة التي لم تعد عجيبة في عصرنا الحالي و العجيب حقا ، ليضيف مستطردا ما معناه :

إنه كان أصلا بائعا للكتب ومحبا لعمله هذا كثيرا و متحمسا شغوفا ، ففي البداية كانت تجارة الكتب رائجة ومربحة في ذلك الزمن الذي يصفه البعض بالزمن الجميل ، حيث أصبحت عملية اقتناء الكتب حينذاك وقراءتها ميزة اجتماعية تدعو إلى شعور بافتخار و اعتزاز وتقدير عال للذات ، تمهيدا للدخول إلى عالم الثقافة المثير والجميل ..

ولكن شيئا فشيئا بدأت ظروف استثنائية وصعبة تواجهه و تحاصره ، حيث أخذت االكتب ذات محتوى مهم وجدي قيَّم تفقد من قيمتها لتحل محلها ثقافة هراء و تفاهة بأضطراد مع قلة مشترين ومهتمين ، الأمر الذي أدى تلقائيا إلى قلة المشترين بالفعل و من ثم إلى كساد كاسح و إفلاس ماحق ..

و بينما كنت مثقلا اجرجرخسائري بين هم كساد و غم إفلاس ــ يردف بطل قصتنا راويا قصته المثيرة ـــ و يقول شعرتُ كأنما زارني في المنام – بعد دعاء و تضرع امي – رجل صالح ، ناصحا إياي بتغيير نمط و نوع و صنف تجارتي كأن ـ- مثلا ــ بدلا من متاجرة بكتب يجب أن اتاجر بسجادة صلاة و تربة و مسبحة ــ فسوف أرى كم سأكون غنيا ، و فعلتُ ! .. فتحتُ محلا يتبختر بروعة سجاجيد صلاة منقوشة نقشا شيرازيا جميلا .. و بسبحات جميلة و ملونة كلؤلؤة مرجانة .. و تربة فخارية مصقولة بزخارف بديعة ، ولكن صلبة حيث تجعل من الجبين بقعة متفحمة مثل كعب باذنجان …

وإذا …

و إذا بالله يفتح عليّ باب الرزق على أوسعه المباركة .. ليرزقني رزقا عظيما ومالا كثيرا و وفير ..

ولكن ما ادهشني هو إنني لم أكن سعيدا، ــ مثلما سابقاـــ رغم كثرة مالي و قوة جاهي واعتباري كرجل ثري .. مثلما كنتُ سعيدا ، حينذاك عندما كنت تاجرا للكتب و على صلة دائمة بالكتب و الكتّاب و القراء من مختلف فئات اجتماعية ، حيث كنت أشعر باعتبار وتقدير لكون عملي كان مفيدا .ونافعا وذات قيمة واعتبار تنعكس إيجابيا على جميع أفراد.الجميع ..

فهذه هي قصتي العجيبة وددتُ أن اتقاسمها معكم أيها السادة القراء لتدركوا كم هذه االحياة مخاتلة ومراوغة تدفعك إلى خيارات سيئة ، حيث لا تريد التواجد بل و لا العيش بعيدا عن عمل نافع تحبه وتستهويه ، لأنه يضفي على حياتك معنى عميقا و جديرا بالعيش ! ..

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here