القانون والدين والدولة المدنية

بقلم ( كامل سلمان )

أكثرنا يحب الدين ويتمنى ان يرى الاخلاق الدينية هي التي تتحكم في سلوك الناس ، ومع تطور الحياة وتكاثر البشر في الاماكن السكانية تكاثرت معهم اساليب التحايل والغش والعدوانية وتطورت هذه التجاوزات في عقول الناس ، لذلك مهما علا الدين وتغلغل في نفوس الناس فهو لم يعد ضمانة لأي تعامل ، ففي هذه الحالة أصبحنا بحاجة ماسة الى الضمانة التي تضمن حقوقنا من الغش والحيلة وليست هناك ضمانة أفضل من القانون ، فأنت امام القانون تعرف حدودك وحقوقك وتعرف حدود الاخرين وحقوقهم بذلك يستطيع المجتمع ان يتواصل بشكل صحيح .. ففي هذه الحالة أين أصبح الدين وما قيمته ؟ لا يمكن للدين ان ينتهي فهو حاجة نفسية وحاجة عاطفية وحاجة أجتماعية ولكن لا يرقى ان يكون بديلا للقانون ، فالقانون ينصف الجميع ولكن الدين ليس من واجبه ان ينصف الجميع ولكن من واجبه إرشاد الجميع . أما إذا حاول أحدنا ان يجعل للدين سلطة على الجميع فمثل هذه المحاولة تجاوز على حقوق الجميع وبالتالي تجاوز على القانون … القانون له رجال ونساء يعملون بأجر ورواتب لتطبيق القانون والحفاظ عليه بينما الدين لا يمكن ان يكون له رجال ونساء يعملون له بأجور يومية او شهرية لتطبيقه والحفاظ عليه وهذا يعني لا ضمانة لتطبيق الدين ..الآن عرفنا أهمية القانون والحاجة إليه واستحالة استمرار الحياة في التجمعات البشرية بدون وجود القانون ، فمن هو الشخص المناسب الذي يضع القانون ؟، فمثلا قانون السياقة والسير في الشوارع هل هناك أنسب من خبراء المرور بوضع القوانين ، أما قوانين التعامل الطبي مع المرض والمرضى والادوية والمستشفيات فالأطباء والصيادلة هم الأفضل في وضع القوانين ، وكذلك قوانين الرياضة وقوانين العمل وغيرها ، جميع جوانب الحياة التي تتطور باستمرار فأن قوانينها تتطور معها ودائما أصحاب الاختصاص هم الذين يكونون على تماس معها وهم من يضع القوانين المناسبة لها ، فالقانون هو الاخر يتطور مع تطور الحياة .. إذا أنت أقتنعت بهذا الكلام و أحسست بضرورته فقد أقتنعت بضرورة الدولة المدنية فهذه هي اساس الدولة المدنية التي تنصف بقوانينها الجميع .. فالسؤال المهم هل يعتقد أحدنا بأن الدين سينتهي بوجود الدولة المدنية ؟ الدين لا ينتهي بل سيكون وجوده مضمون وأكثر حضورا في نفوس الناس وأكثر قيمة و أهمية للناس لأن القانون يعطي للدين حقوقه مثلما يعطي للناس حقوقهم والقانون سيتكفل بالحفاظ على الدين .. هنا أصبحنا امام تقاطع مهم الا وهو لماذا يصر البعض على جعل الدين هو الحاكم ؟ لا نستطيع ان نسيء الظن بأحد منهم ، ربما هؤلاء الناس على حق ولكن دعونا نخوض التجربة لكي نتعرف عن قرب عن النوايا التي في دواخل هؤلاء الذين يطالبون بتطبيق الدين وحكم الدين او الدولة الدينية بدل الدولة المدنية ، سنترك لهم المجال لفعل ذلك وكم سيحتاجون من الوقت ، سنعطيهم فرصة واسعة تبدأ من سنة ٢٠٠٣ الى سنة ٢٠٢٢ أي بمعنى ١٩ عام وهذه مدة جدا طويلة يستطيعون ان يثبتوا لنا نواياهم ، حسنا الآن نعود لنرى ماذا كانت نواياهم عندما أصروا على عدم السماح للقانون والدولة المدنية ان تحكم وأصروا على تطبيق حكم الدين ؟ الجواب سنستمع إليه من لسان الواقع وبلغة الارقام وبالصورة والصوت ، صوت اليتامى وصوت الارامل وأنين الشباب في السجون وصور المقابر وصور البؤس والحرمان ، دمار وخراب ونهب وسرقات وسفك دماء وفساد وتخلف .. وفي النتيجة النهائية إذا أستمرت الامور سنوات إضافية سيكون الدين هو الأخر الضحية والسقوط صريعا . وهذا يعني بالتجربة والواقع ليس فقط في العراق بل هذا ما حدث بالضبط في جميع بقاع الارض التي نادت بتطبيق الدين بدل الدولة المدنية وخرجت بنفس النتائج التي خرجنا منها ، أما إذا تبجح أحدنا بالدولة الدينية خلال الالف سنة الماضية من تأريخنا سنقول له لا تتوهم فقد كانت دول عائلية وعشائرية وبأسماء عوائل ولم تكن بأسم او تطبيق الدين ( فهل الدولة الاموية والعباسية والعثمانية وغيرها هي عناوين دينية ) .. فعلى الذين نادوا بالامس بتطبيق الدولة الدينية وفشلوا فشلا ذريعا في بناء البلد وتيقنوا الفشل ويريدون الاستمرار رغم الفشل ، فإن استمرارهم يعني العنف والدم والخزي ومهما طال بقاءهم فالنتيجة واحدة سيدفعون ثمنها عاجلا ام آجلا ، أنفسهم او عوائلهم وكلما طال بقاءهم سيفقدون مصداقيتهم أكثر وحتى الدين سيفقد مصداقيته بسببهم وتبقى النتيجة واحدة .. هم الآن منقسمون و الانقسام نتيجة طبيعية بعد ان أتخموا بالمال الحرام والفساد ، فئة منهم تنادي بالاصلاح وفئة تنادي بالاستمرار ، ولكن واقع الحال يقول الاصلاح لا يأتي ممن كان هو سبب الفساد ، وكذلك الاصلاح لا يأتي عن طريق من استباح الدماء ونادى بتطبيق الدين ، فهذه خدعة بدائية ، نحن نرحب بالاصلاح ونرحب بمن يتحدث به وأول الاصلاح ان يقوم الذين فسدوا وأجرموا بتسليم أنفسهم للعدالة ويأخذوا جزاءهم العادل في دولة مدنية حرة لا أن يجيشوا الجيوش ويزيدوا من مستنقعات الدم والسرقات فكل الطرق مغلقة أمامهم ولكن للأسف لا يبصرون .

[email protected]

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here