ثقافة ( الدكة العشائرية )

بقلم ( كامل سلمان )

مقالنا هذا ليس نقدا للتركيبة العشائرية للمجتمع العراقي ، فالعشيرة جزء من تركيبة وثقافة المجتمع العراقي وتأريخ المجتمع العراقي ، وكذلك الحضور الديني لرجال الدين في الشأن العشائري للمجتمع العراقي موروث اجتماعي له قيمته واحترامه ، ولكن مقالنا هو نقدا وامتعاضا مما افرزته تمرد السلوكيات العشائرية على الدولة وعلى المجتمع …… هذه الثقافة ( ثقافة الدكة العشائرية ) ثقافة غريبة عن حياة و طبيعة المجتمع العراقي وقد ظهرت تحديدا عند عشائر الجنوب والسبب الرئيسي لظهور هذه الثقافة هو ضعف الدولة وترهل القانون وفساد القضاء ، فبدأت هذه الثقافة تدريجيا تنمو وتتصاعد حتى أصبحت البديل عن التبليغ القانوني وسلطة القانون ، والدولة عاجزة عن مواجهة هذه الثقافة التي خرجت من رحمها عشرات الثقافات المدمرة للمجتمع والمحطمة للقانون وللحياة المدنية ،،، يمكن تسمية الدكة العشائرية بقانون الضغط القصوى او تسميتها بثقافة استصغار الدولة او ثقافة البقاء للأقوى ، وهذا يعني إنها ثقافة بربرية حلت محل الثقافات الإنسانية المدنية ، وهذه الثقافة بأختصار هي عملية هجوم مسلح تقوم به وحدات مسلحة ومنظمة تنظيم عسكري بأسلوب العصابات لعشيرة معينة ضد افراد عشيرة ثانية او بيوت عشيرة ثانية لإجبارهم الى الجلوس على طاولة مفاوضات الذلة والمهانة لدفع اموال تعويضية تقدر بالملايين عن حالة يمكن ان تحل قانونيا ، والغريب في الامر ان جلسة المفاوضات الظالمة هذه التي جاءت عن طريق القوة يحضرها رجال دين محترمين في اشارة الى مباركة الهيئات الدينية لهذا السلوك المنحرف ،،،، رجال الدين ووعاظ الدين على المنابر يقلبون الدنيا على حالة اجتماعية بسيطة هم يسموها انحراف وبنفس الوقت يباركون انحراف بهذا الحجم ( ثقافة الدكة ) .
عندما يكون رجال الدولة ورجال القضاء ورجال السلطة التشريعية ونساءها هم بالاغلب من الذين يؤمنون بالسلك العشائري ويؤمنون بقوة العشيرة فأن ثقافة الدكة العشائرية ستصبح في يوم من الايام نص دستوري ثابت في بلد العجائب والغرائب .. انظروا الانحراف من أين يأتي ، يأتي عن طريق شيوخ العشائر ورجال الدين ، أهم مصدرين من مصادر الانحراف الذي يشل الدولة ويحطم المجتمع وهؤلاء الذين يشرعنون الانحراف يسعون الى الحفاظ على سلطتهم وتأثيرهم بين الناس ، وفي القانون العشائري العراقي يحق للعشيرة المهاجمة بالدكة العشائرية كتابة قطعة كبيرة وباللون الاحمر على جدار دار المطلوب عبارة مطلوب دم او مطلوب عشائريا وكذلك يحق للعشيرة المهاجمة قتل او أسر اي فرد من افراد العشيرة المطلوبة حتى وان كان بريء او متبرى من العشيرة ، ذنبه انه ينتمي بالاساس لهذه العشيرة ، وتستطيع القوة المهاجمة احتلال البيت ومصادرته مع جميع محتويات البيت اذا تأخرت العشيرة المطلوبة عن تنفيذ اوامر العشيرة المهاجمة يعني نحن الان لسنا تحت سلطة الدولة المدنية او الدولة العسكرية او الدولة الدينية خلافا لكل الاعراف والقوانين الدولية نحن الان تحت سلطة الدولة العشائرية التي هي أكيد غدة سرطانية تكبر كل يوم الى ان تنهي بلد اسمه العراق ولكن عندما ينتهي العراق ويتفتت وتصبح هذه العشائر تحت سلطة دولة ثانية مجاورة عندها سيعرفون قوتهم العشائرية ماذا تعني تحت سلطة دولة محتلة قوية وقانون قوي بعد ضياع البلد .. العشائر اليوم على غرار الاحزاب السياسية أصبحت لها وحدات عسكرية مسلحة تمتلك انواع الاسلحة الخفيفة والمتوسطة وتمتلك قيادات عسكرية وتخطيط عسكري وقوة استخباراتية وشيخ العشيرة هو القائد الاعلى ، طبعا قوة العشائر مهما بلغت فلن تتجاوز حدود البلد ، يعني ان حدود البلاد هي الضمانة الوحيدة لبقاءهم في امان من هجوم البلدان الاخرى وان قوة ووحدة البلد تأتي عن طريق قوة الدولة التي يسعى رجال العشائر ورجال الدين لإضعافها ، فهل يدركون هذه الحقيقة ام إنهم في سكرتهم يعمهون ؟ ..
علينا جميعا ان نعرف ان من أكبر النعم التي يمن بها الله على الناس هي نعمة الأمان ، والأمان لا يحل على الناس الا بوجود دولة قوية تؤمن بالقانون ، وان محاولة إضعاف الدولة لأي سبب كان هو إلغاء لنعمة الأمان ، فمن يعمل على إضعاف الدولة أما إنه إنسان جاهل أو إنه يعمل لصالح دولة أخرى عدوة ، هذه الحقائق لا يمكن السكوت عليها او تشجيعها بغض النظر عن العناوين الكبيرة من اصحاب المناصب والشهادات والمواقع الذين يؤيدون العشائرية فإنهم بلا أدنى شك جاهلون ولا يعرفون الحقيقة ولا يعرفون قيمة وأهمية الدولة القوية لأنهم اليوم هم أقوياء بفضل السلطة والمال والكثرة وبفضل ضعف الدولة ولكن عندما يواجهون من هو اقوى منهم سيعرفون قيمة القانون والدولة القوية .. فأيهما أولى بالقبول دولة تحمي الجميع ام دولة بلا قانون وبلا أمان ، فالإنسان يجب ان يختار الصح ويحارب الخطأ ، فهذه الحالة بالنسبة لكل فرد منا حالة مصيرية ، مصيرية لحاضر و مستقبل الاجيال .

[email protected]

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here