بمناسبة شهادة زيد بن علي رضوان الله: هشام الامس وصدام اليوم (ح 2)

الدكتور فاضل حسن شريف

جاء في موقع سبأ نت: وتُبين الروايات التاريخية أن عهد الملك الأموي هشام بن عبدالملك امتد حكمه من شوال 105 الى ربيع 125 هـ من أكثر العهود التي برز فيها الاضطهاد، حيث شاعت التصفية الجسدية لكل القوى المعارضة للحكم الاموي، فضلا عن إقصاء التيارات الفكرية ونفيهم الى جزيرة دهلك القاحلة النائية الحارة، والتي تقع في مدخل البحر الأحمر وتتبع اليوم إرتيريا، حيث كانت مضرباً للأمثال في البعد، وممارسة الحرب النفسية ضد المعارضين، بالإضافة الى المضايقات الاقتصادية، وأسلوب التجويع، وخصوصاً في البلدان التي تحب أهل بيت النبوة. وبعد وفاة الإمام زين العابدين، وضع هشام بن عبدالملك، الإمام زيد على قائمة المستهدفين من أئمة أهل البيت، بالتوازي مع رصد جواسيس بني أمية تحركات غير مسبوقة للشيعة في العراق وخرسان، ومعها بدأت مخاوف هشام من تواصل الشيعة مع الإمام زيد. وجه هشام عامله على المدينة خالد بن عبدالملك بن الحارث بن الحكم بإثارة الفتنة والخلاف بين الإمام وبني عمومته، ودفعه لمغادرتها نحو العراق، وفي العراق صدرت التوجيهات الهامانية لوالي الكوفة يوسف بن عمر بن محمد الثقفي بالتضييق على الإمام ومطالبته بأموالٍ زعم أن خالد بن عبدالله القسري أودعها لديه، ولم يكن لخالد أي مال لدى الإمام، وإنما أراد إذلاله بأمر من هشام. فلم يكن أمام الإمام سوى التوجه الى الشام لمقابلة هشام وجها لوجه، فكاشف هشام الإمام العداء وأخرجه مهاناً، فقال الإمام مقولته المشهورة: (من أحب الحياة عاش ذليلاً). واتجه الإمام زيد الى العراق، ومنها أراد العودة الى مدينة جده رسول الله، فلحقه أهل الكوفة وأصروا عليه بالبقاء، وقالوا له: أين تخرج رحمك الله ومعك مائة ألف سيف، وأعطوه العهود والمواثيق على السمعة والطاعة، وبايعه العلماء والفقهاء، وانطوى ديوانه على 15 ألف مقاتل من أهل الكوفة فقط، عدا أهل المدائن والبصرة وواسط والموصل وخراسان والري وجرجان. استمرت دعوة الإمام زيد بالكوفة وأخذ البيعة والإعداد للثورة 11 شهراً، حدد خلالها أهداف ثورته بوضوح، وعلى رأسها تحرير الأمة الإسلامية من إرهاب ورُهاب وعبث وفساد دولة بني أمية، ورفع الظلم عن كاهل الناس، وإشاعة العدل بينهم، والعودة بهم الى كتاب الله وسنة رسوله، وإصلاح الحال المزري الذي وصلت إليه أمة جده رسول الله: (أيها الناس إني أدعوكم الى كتاب الله، وسنة نبيه، وجهاد الظالمين، والدفاع عن المستضعفين، وقسم الفيئ بين أهله، ورد المظالم، ونُصرة أهل البيت على من نصب لنا الحرب، وإحياء السنن، وإماتة البدع. لا يسعني أن أسكت، وقد خُولِّف كتاب الله، وتٌحُوكِمَ إلى الجبت والطاغوت). نعم لقد كان همه سلام الله عليه إصلاح حال أمة جده رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وإعادتها الى المحجة البيضاء، والشريعة الغراء، ألم يقل جده الحسين عليه السلام، من قبله: إن كان دين محمد لم يستقم * إلا بقتلي فيا سيوف خُذيني.

ان اولاد هشام بن عبد الملك فحدث ولا حرج على فسقهم كما اولاد صدام: أن ولده سعيد بن هشام بن عبد الملك كان عاملاً لأبيه على حِمْص، وكان يُرْمَى بالنساء والشراب، فقَدِم حِمصيُّ إلى هشام، فلقيه أبو جعد الطائي في الطريق، فقال له: هل تَرى أنْ أعطيَك هذه الفرس، فإني لا أعلم بمكانٍ مثلَها على أنْ تُبلِّغ هذا الكتابَ أميرَ المؤمنين، ليس فيه حاجة بمسألة دينار ولا درهم، فأخذها وأخذ الكتابَ، فلما قدم على هشام سأله: ما قِصة هذه الفرس؟ فأخبره، فقال: هاتِ الكتاب، لما قرأ الكتاب بعث إلى سَعيد فأشخصه، فلما قدمِ عليه عَلاه بالخَيْزرانة، وقال: يا بن الخبيثة، تَزني وأنت ابن أمير المؤمنين؟ ويلك أعجزت أن تَفْجُر فجور قريش؟ أوَتدري ما فُجور قريش لا أمَّ لك؟ قتْلُ هذا، وأخْذُ مال هذا؛ والله لا تلي لِي عملاً حتى تموت. (العقد الفريد, ج2/ ص165).

جاء في موقع مونت كارلو الدولية حول أرشيف حزب البعث العراقي: وثائق من عهد صدام حسين قد تعيد فتح الجراح القديمة: بعد أشهر قليلة من الإطاحة بنظام صدام حسين في عام 2003، عثر على خمسة ملايين صفحة في مقر لحزب البعث غمرت المياه أجزاء من المبنى الذي يقع فيه في بغداد التي كانت تبحر دون شراع في ذلك الوقت. واستعانت القوات الأميركية آنذاك بالمعارض القديم كنعان مكية والكاتب والناشط مصطفى الكاظمي الذي أصبح اليوم رئيس وزراء العراق، للاطلاع على محتويات تلك الوثائق. ويتذكّر مكية في اتصال هاتفي من الولايات المتحدة مع وكالة فرانس برس، قائلا (دخلنا السرداب الذي كان مليئا بالمياه، مستعينين بمصابيح يدوية، لأن الكهرباء كانت مقطوعة). ويضيف (كنّا نقرأ الوثائق وأدركنا بأننا أمام شيء كبير). بين الوثائق، كانت هناك إضبارات لأعضاء في حزب البعث ورسائل مخاطبات بين الحزب ووزارات تتعلق بأمور أدارية، وتقارير كتبت من عراقيين يتهمهم جيرانهم بانتقاد صدام حسين، وأخرى تتحدث عن شكوك حول خيانة جنود عراقيين تعرضوا للأسر خلال الحرب العراقية الإيرانية (1980-1988). مع تصاعد العنف الطائفي في بغداد، اتفق مكية مع الأميركيين على نقل تلك الوثائق إلى الولايات المتحدة. وتمّ ترقيمها وخزنها في معهد هوفر، وهو مركز أبحاث للسياسة العامة في جامعة ستانفورد في ولاية كاليفورنيا، ولم يطّلع عليها هناك سوى باحثين. لكن الوثائق التي يبلغ وزنها 48 طنا، أعيدت مجدداً في 31 آب/أغسطس إلى بغداد وخُزّنت على الفور في موقع مجهول، وفق ما أفاد مسؤول عراقي فرانس برس. و حسب المسؤول العراقي، لا توجد خطط لدى بغداد لفتح الأرشيف أمام العامة. ويلفت المخرج العراقي مرتضى فيصل لفرانس برس الى أن (عددا كبيرا من الشباب اليوم يقولون إن صدام كان زين اي جيد) حيث المفروض تعرض هذه الوثائق لهم ليعرفوا مدى إجرام النظام البعثي . وكان مرتضى في الثانية عشرة من العمر عندما اعتقل والده في مدينة النجف الأشرف أيام الانتفاضة الشعبانية عام 1991، ولم يسمع أي شيء عنه منذ ذلك الحين. ويرى مدير مبادرة العراقية في المجلس الأطلسي عباس كاظم (البعثيون وثقوا كل شيء من النكتة إلى الإعدام). يقول مكية أن تطوي الأيام كل تلك الأحداث التي تحملها صفحات هذا الأرشيف وننسى 35 عاما من الرعب الفعلي الذي عاشه العراق الحديث).

خلال فترة حكم الرئيس صدام حسين حدثت عمليات قتل وإعدامات أشبه بشكل الحرب الواسعة. القتل المتقطع نفذ تطبيقا لسلسلة من القوانين والأوامر التي أصدرها أو أمر بتنفيذها. كان القتلى في هذه الحالة إما معارضين سياسيين حقيقيين أو مشتبه فيهم أو هاربين من الخدمة العسكرية. في حالة العنف الجماعي، كانت نسبة كبيرة من الضحايا من المدنيين. في حالة القتل المتقطع كان القتلى إما قد حوكموا وأعدموا في مؤسسات الأمن والمخابرات أو أعدموا علانية. أفي حالة العنف الجماعي كان الضحايا إما قد قتلوا خلال الحرب والعمليات العسكرية أو قد تم أسرهم ثم إعدامهم بعد ذلك من دون محاكمة او خلال الانتفاضات الشعبية ويعدون بمئات الاف الضحايا. وفي كلتا الحالتين نفت السلطة علمها بمصيرهم. قال صدام حسين في حديث مسجل له أثناء تأدية مهامه في العام 1978 كنائب للرئيس، أي قبل سنة من توليه الحكم كرئيس لجمهورية العراق: (بس كل واحد يوكف بوجه الثورة. يصير ألف.. يصير ألفين… ثلاثة آلاف.. عشرة آلاف. أقص رؤوسهم من دون ما ترجف شعرة واحدة مني أو يرجف قلبي عليه.)

وكانت وزارة الداخلية العراقية قد قررت في عام 1980 تسفير من وصفتهم بـالإيرانيين الموجودين في القطر وغير الحاملين للجنسية العراقية وكذلك المتقدمين بمعاملات التجنس أيضاً ممن لم يبت بأمرهم، والمقصود بهم العراقيين من التبعية الإيرانية. ونص القرار وقتها على الاحتفاظ بالشباب الذين تتراوح أعمارهم من 18-28 سنة في مواقف المحافظات إلى إشعار آخر، كما أكد القرار على فتح النار على من يحاول العودة إلى الأراضي العراقية من المسفرين والذين جرى إلقائهم قرب الحدود الإيرانية في أوضاع بالغة السوء، بعد أن نهبت ممتلكاتهم وجرى أسر أبنائهم الذين تتراوح أعمارهم بين 18-28 عاماً وتم أخذهم كرهائن. وان هؤلاء الشباب تم اجراء التجارب الكيميائية عليهم بدل الفئران وآخرين وضعوا في مقدمة الجبهات عند الهجوم بحيث يقتلون جميعا حماية للجيش الصدامي، وغير ذلك من اعمال الابادة بحيث لم يبقى من آلاف الشباب الفيلي المحتجز احد. أن النظام العراقي السابق بقيادة صدام حسين، اعتقل آلاف الأسر من الكرد الفيليين مع آخرين من التبعية الايرانية يقدر عددهم المليون شخص وزجهم في السجون وأعدم شبابهم وأجرى التجارب الكيميائية عليهم، فضلاً عن ترحيلهم إلى إيران ورميهم في مناطق حدودية مزروعة بالألغام، إضافة إلى مصادرة أملاكهم وأموالهم المنقولة وغير المنقولة، إلا أن أبناء هذه الشريحة يشكون من عدم حصولهم على استحقاقاتهم وتعويضهم بشكل يوازي ما تعرضوا له من إبادة جماعية. ويعتقد أستاذ التاريخ السياسي الدكتور عصام كاظم الفيلي أن محنة الأكراد الفيلية في العراق تعد من أكبر المآسي في العالم. وتشير الوثائق عام 1965 إلى أن الأكراد الفيليين يشكلون عماد الاقتصاد في الحياة الاقتصادية العراقية. يقول الكاتب والمحلل السياسي كفاح محمود عن أسفه الشديد لأنه وبعد ما يقرب من عقدين على سقوط نظام الرئيس صدام حسين الذي هجّرهم، لم يتلقَ غالبيتهم التعويض.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here